"كافيين" ترى أن جُل الجوائز الأدبية تمنح للأسوأ
في الوقت الذي تغلق فيه بعض المجلات الثقافية الحكومية أبوابها، وتحرق صفحاتها، تبزغ شمس مجلات أخرى من خلال المبادرات الفردية التي أرجو لها الاستمرار والدعم. وأضرب مثالا بمجلات توقفت كانت تصدرها الهيئة المصرية العامة للكتاب مثل "الرواية" و"المجلة"، مع تعثر مجلات أخرى مثل "إبداع"، و"فصول" وغيرهما. مع توقف مجلات أخرى مثل مجلة "الشعر" التي كان يصدرها اتحاد الإذاعة والتلفزيون، لذا أحيي هنا صمود مجلة "أدب ونقد" برئاسة تحرير الشاعر عيد عبدالحليم.
وسط هذا التراجع تصدر مجلة نقدية جديدة على الساحة الثقافية في مصر بعنوان "كافيين .. مجلة نقدية" عن مؤسسة المدينة للفنون الأدائية والرقمية (بتصريح من المجلس الأعلى لتنظيم الإعلام بمصر) ويرأس تحريرها الكاتب والناقد تامر صلاح الدين.
وحقيقة لا أعرف مغزى هذا الاسم ومعناه إلا من خلال أنه منبه ومنشط للجهاز العصبي لدى البشر، فهل أراد أصحاب المجلة تنبيهنا بأهمية الثقافة، وتنشيط خلايانا لاستقبال هذا الفعل الثقافي الوليد المتمثل في تلك المجلة الثقافية النقدية غير الدورية؟ ربما!
ولكن على أية حال - وبعد قراءة مواد العدد الأول من "كافيين" والتي جاءت في 48 صفحة من الصفحات الملونة والمتنوعة - أستطيع أن أقول إن "كافيين" تقدم مواد جديدة ومغايرة لما نراه في المجلات الثقافية النقدية وخاصة الأدبية. فقد اعتمدت المجلة على الصور الملونة بشكل كبير، وأفردت مساحات واسعة لبعض القضايا الجديدة والمطروحة على الساحة الثقافية والإعلامية.

وتؤكد المجلة في افتتاحيتها التي جاءت بعنوان "رسالتنا" أنها تصدر "كمنشط عام في فروع الكشف والنقد، كرسالة يقع على عاتقها التنوير بالمعنى الواسع للفن، كطريق جديد ستنمو على جانبيه وفي طيفه ثمار أخرى، قد تهدم القديم وربما تعيد إليه حيويته، لكنها بالقطع تبشر بالجديد".
وفي مقاله الطويل الذي جاء تحت عنوان "الجسد .. حقيقتنا التي أتلفناها" يتساءل تامر صلاح الدين عن الفارق بين لاعب الأكروبات وبين موظف السجلات الحكومية؟ وما مكونات طعام فلاح من مصر مقابل "خلطات" وجبة واحدة على مائدة رجل غني يعيش في القاهرة؟ وهل يؤثر ذلك على نظرتنا للنساء وتعاملنا معهن؟!
ويرى صلاح الدين أن نفس الأنثى التي كانت تقوم من أجل شرفها الحروب القديمة، ما زالت هي نفسها تشعل الصراع، ولكنه تجاري هذه المرة، مصنوع ومفسد يخضع للمزاج وللمصلحة الخاصة.
وتثير المجلة النقاش عن الجوائز الأدبية العربية وأثرها بالسلب والإيجاب على تطور مسيرة الأدب العربي، وترى أن جل الجوائز تقريبا تمنح للأسوأ وليس للأجود، وأنها ساهمت فعليا في سيادة الرديء على الجيد، مع محاولة تهميش كل ما هو جيد في الكتابة، وكأنما الأمر يتم بشكل منظم تبعا لرؤية ما تعمل على سيادة الردئ والقبيح والإعلاء من شأنه في مقابل الكتابة الحقيقية.
ويشارك في هذا الملف الكاتب الفلسطيني يحيى يخلف الذي يرى أن جوائز الأدب العربي شر لا بد منه، أما الكاتب الجزائري لونيس بن علي فيرى أن رفض الجائزة هو جائزة أكبر، ويكتب الكاتب التونسي شكري المبخوت تحت عنوان "الجوائز الأدبية .. النجوم والغنيمة والمؤسسة" قائلا: ليس أعجب من علاقة أدباء العربية، اليوم، ونقادها بالجوائز الأدبية، فما أن تصرخ هذه الجائزة أو تلك بنتائجها حتى يبدأ حفل الطعن والنهش وأكل لحم الفائز، ويعود الشقاق حول جدارته بالفوز، وأهلية اللجنة ومصداقية الجائزة نفسها ونوايا القائمين عليها، وغير ذلك مما يشيع في أحسن الأحوال، ظلالا من الشك والريبة.
ويتساءل الكاتب المغربي صلاح بوسريف: الجوائز موضوعية أم حسب الطلب؟ كما يتساءل مواطنه هشام مشبال: هل حلت الجوائز الأدبية محل النقد؟
ولا أدري كيف وضعت مقالات بعيدة عن ملف الجوائز الأدبية العربية ضمن أوراق الملف، حيث نقرأ للدكتور شاكر عبدالحميد – ضمن صفحات الملف – مقالا عن "الفنون والصناعات الثقافية"، ونقرأ لماهر شريف "سطوة النقد على الإبداع"، لذا كان ينبغي إعادة تبويب الملف لنشر ما هو بعيد عنه في صفحات أخرى غير صفحات الملف.
بعد ذلك يكتب عبدالله المتقي "التاريخي والأنثربولوجي في رواية محاسني والقبة لمليكة رتنان"، ويكتب عمرو الرديني "ٌقراءة في ديوان ليس للموت اسم آخر لهاني قدري".
وفي مجال الفنون البصرية والسمعية نجد "كافيين" تخصص ملفا بالألوان لفن الكوميكس يحرره ياسر عبدالقوي، وفي مجال السينما تكتب إسراء إمام عن فيلم "جسر الجواسيس" تحت عنوان "دونوفان .. وطنية جاسوس وعبقرية محام"، بينما يكتب محمود الغيطاني عن فيلم "نوع من العائلة" وهو دراما عائلية وصرخة مفزعة في وجه مافيا التجارة بالأطفال باسم التبني بسبب الفقر والعوز الشديد في بعض المجتمعات.
وعن "الدور الصغير والممثل الكبير" في المسرح يكتب أنور شفيعي. أما وليد مسعدي فيكتب عن المنهج السلبي عند غروتوفسكي بين تحرير الأداء وحدود التمثيل.
وفي مجال الفن التشكيلي يحاور ياسر عبدالقوي الفنان نذير الطنبولي الذي لا يرى سببا يجعل شخصا يدخل كلية "فنون جميلة" ليتعلم الفن. وعن اللمسة الشعورية في تخطيطات عبدالكريم سعدون يكتب خضير الزيدي. وفي عالم الأزياء تكتب نرمين سعيد عن "الملابس .. لغة ودلالة"، وفي عالم الموسيقى يكتب محمد نبيل عن "حرب بداية الألفية .. الغناء والدين والجنس".
ويكتب عبدالهادي شعلان عن كتاب "بارات مصر .. قيام وانهيار دولة الأُنس" للكاتب محمود خيرالله، بينما يكتب رمضان عبدالحفيظ "أزمة الهوية في العولمة الثقافية".
وعلى الصفحة الأخيرة يكتب ياسر عبدالقوي "الطريق إلى كافيين" شارحا فيها الظروف التي قادت إلى تأسيس المجلة، وقصة خروجها إلى النور.
هذا هو العدد الأول من "كافيين" يجمع بين فنون الإبداع النقدي في مجالات ثقافية شتى. ويحزنني أن تكتب المجلة على غلافها الأمامي "مجلة نقدية غير دورية"، ومعنى "غير دورية" ليس جيدا عندي، لأنه يعني صدور المجلة على حسب ما يتيسر، دون وجود خطة واضحة وخارطة طريق تضمن صدور أربعة أعداد على الأقل في العام الواحد. وعموما نحن في انتظار صدور العدد الثاني لنرى كيف تكون مسيرة تلك المجلة الوليدة التي من الممكن أن تدخل حلبة المنافسة مع مجلات راسخة، لو استمرت في الصدور الدوري المنتظم.