كعك العيد موروث شعبي وتراث ثقافي

تاريخ صناعة الكعك يرجع عموما الي قدماء المصريين وارتبط وجوده بالاحتفالات والأعياد الدينية وكان يسمى 'قرصا' نسبة الى شكل قرص الشمس.

نشأ المصري حاملاً ثقافة الاحتفال وعشق البهجة والسعادة واتخذ من البراح بساطاً يمشي عليه ومن النهر متنزه ومن الزرع طعام ومزج هذا كله بموروث غذائي شعبي ربطه بالعديد من المناسبات والعادات والمعتقدات الشعبية.

ودرج المصري منذ فجر التاريخ على عادات غذائية ارتبطت لديه بكافة المناسبات الاجتماعية والدينية، فالطعام بالنسبة له مصدر من مصادر السعادة وجزء اصيل في ثقافته وهويته وله مكانة كبيرة ضمن افراحه ومآتمه فهو يجري في عروقه جريان الدم وينفق عليه معظم دخله المادي، ولا تحلي اوقات السفر او ايام التنزه الا بصحبته وبين انواعه.

ويحمل الطعام تراث هذا الشعب وتنوع مراكزه الثقافية فكل منطقة لها اكلاتها المميزة وطرق اعدد كل وجبة والمواد للازمة لها وتخضع لعادات وتقاليد تلك المنطقة وفي بعض الاحيان يصاحب الطعام طقوس خاصة توارثها  المصري عبر الاجيال.

عيد الفطر احد اهم الاعياد الدينية التي يحتفل بها مسلو ومسيحيو الوطن - وهو ما يعكس ايضا مدي ترابط وتآلف قطبي هذه الامة - حيث نجد التفاف افراد الاسرة صباحا حول طبق كعك العيد او كما يسمي بالعامية "كحك العيد" مع اكواب الشاي.

ويرجع تاريخ صناعة الكعك عموما الي قدماء المصريين وارتبط وجوده بالأحتفالات والأعياد الدينية وكان يسمى "قرص" نسبة الي شكل قرص الشمس، وقد وجدت نقوشا على مقابر (رخمي -رع) من الاسرة الثامنة عشر تظهر طريقة صناعته حيث يخلط الدقيق بالسمن وعسل النحل ويدمج ليصبح عجينة سهلة التشكيل ثم يرص على الالواح ويوضع في افران او يقلي بالسمن.

وظل الكعك ضمن عادات الشعب  المصري عبر العصور اليوناانية والبيزنطية وفي الاحتفالات الاجتماعية والدينية ايضا حتي جاء العصر الاسلامي وخصوصا في عهد الطولونيين حيث صنع الكعك في قوالب خاصة نقش علىها كلمة "كل واشكر" او "كل واشكر مولاك" وكان يتم حشوه احيانا بالدنانير ويوزع على الفقراء في العيد كنوع من انواع الصدقات وكان حجم الكعكة يقارب حجم رغيف العيش.

و من هنا درج المصرين على حشو كعك العيد احيانا بالمكسرات واحيانا بالعجوة او الملبن ويقدم مرشوشاً بالسكر الناعم في كل الأحوال، واعتادت بيوت المصرين الا تستقبل عيد الفطر المبارك دون كعك ويقدم ترحاباً بالزائرين في العيد على ان تكون وجبة الغذاء احد الاكلات المصرية الشعبية الشهيرة مثل الكشري او الفسيخ وهم من الوجبات التي يشتاق لها المصريين بعد شهر رمضان لانهم يرجئون أكلهم في رمضان لما يسببانه من شعور بالعطش.

واقع الامر فإن حياة المصريين على ضفاف النيل وارتباطهم بالزراعة وحياة المجتمع المستقر اوجدت صلات وثيقة بين ثقافتهم وهويتهم وعاداتهم الغذائية فبرغم تنوع النسيج الثقافي للوطن الا ان هناك تشابه وتلاقي في اقتران الطعام  بافراح واحزان المصريين واعتباره جزء من المكون الفسيولوجي لهذا الوطن.

وارتبطت الموروثات الغذائية بالنساء حيث انهن القائمات على تجهيز واعداد الطعام داخل المنازل لذا فـأن العادات الغذائية  تعد كاشفة للكثير من ثقافة النساء عبر الزمان والمكان وجزء لا غني عنه في التأريخ الثقافي لنساء الوطن بأعتبارهن قوة حافظة للتراث.

ويقول مايك كرانج الاستاذ بجامعة دورهايم البريطانية في كتابه "الجغرافيا الثقافية" ان المأكولات علامات واضحة دالة على الثقافات المختلفة حول الكرة الارضية وان مطاعم الاكلات الشعبية في دول العالم هي اماكن للتدفقات الثقافية والاجتماعية تنتج فيها الثقافة وتتكاثر متخطية كل الحدود بين الدول، وهناك دلالة واضحة على ذلك فنحن نجد ان المحاشي المصرية تقدم في سوريا والكسكسي المغربي يقدم ضمن اطعمة المناسبات في الريف  المصري ويؤكد مايك ان الثقافة الغذائية جزء من طقوس البهجة لدي شعوب الارض وهو عنصر ثقافي وليس حشو معدة.

وترتبط الثقافة الغذائية ارتباطاً وثيقا بالبعد الاجتماعي والظروف الاقتصادية التي يمر بها المجتمع وتلعب دورا اساسيا في تدعيم استمرارية احد عناصر الموروث الشعبي وتأصيل الهوية، ويمكن القول ان الثقافة الغذائية هي احد معاني التعددية الثقافية داخل المجتمع الواحد.

والموروث الشعبي الغذائي ما هو الا ثروة لدراسة علم نفس الشعوب والقوة المعيارية السيسيولوجية التي تمكن الباحثين من دراسة البعد النفسي لافراد المجتمع وتحليل انماط تفكيره وموروثاته التي جاهدت للبقاء ولم تفقد مكانتها واهميتها برغم تعرض المجتمع للكثير من المتغيرات الاجتماعية والاقتصادية التي قد تترك بصمتها على جوانب اخرى من الحياة.

ان الطعام احد خيوط نسيج الشعب  المصري وواحداً من اهم ركائز مناسباته الدينية والاجتماعية ومصدر البهجة والسعادة في حسه الثقافي عبر الازمنة المختلفة وناقلة احد موروثاته عبر الاجيال وشريك افراحه ومآتمه.

دامت بلادي ودامت امتنا العربية كلها بخير واعاد الله عليكم هذه الايام باليمن والبركات.