كلهن في الرواية امرأة واحدة

رواية هالة البدرى "نساء في بيتي" تحكي قصص شخصيات نسائية أستدعتهن وحاورتهن وحرضت القارئ على أن يشاركهن فى الحوار ذاته.
الكاتبة المصرية أغرمت بنساء الرواية وعايشتهن فسكن طيفهن معها طويلا حتى كتبت عنهن
رشا صالح: لغة الرواية تستعير لغة التصوير الفوتغوغرافي، التي تحول الكلمات إلى عناصر حية متكلمة

أحدث روايات الكاتبة هالة البدرى "نساء في بيتي" (الدار المصرية اللبنانية) تحكي قصص شخصيات نسائية أستدعتهن وحاورتهن وحرضت القارئ على أن يشاركهن فى الحوار ذاته، النساء هن قوت القلوب الدمرداشية، ودرية شفيق، وملك حفني ناصف، والرسامة الأميركية جورجيا أوكيف، والشاعرة النمساوية بورج باخمان، وقد أغرمت بهن الكاتبة هالة البدري، وعايشتهن فسكن طيفهن معها طويلا حتى كتبت عنهن الرواية التي ناقشها «كاتب وكتاب» بمعرض القاهرة الدولي للكتاب في ندوة أدارتها الكاتبة رشا صالح والناقد سمير مندي ود.شريف الجيار.
استعارات
في البداية قالت رشا صالح: إن لغة الرواية تستعير لغة التصوير الفوتغوغرافي، التي تحول الكلمات إلى عناصر حية متكلمة، كما تكتب بلغة الموسيقي والفكر والشغف، تلك اللغة التي تقدم نصًا غاية في الإمتاع، تطرح فيه عدة مفاهيم مثل مفهوم البوح مما يجعل القارئ يتابع الأحداث بشغف كبير من خلال وهجها الكثيفة وتداخل الرؤى، حيث تسرد بطلة رواية “نساء في بيتي” قصص نساء ارتبطت بهن وجدانيا، من دون أن تلتقيهن في الواقع، فالرواية تحتوى على سير لثلاث شخصيات نسائية، بالإضافة إلى الشخصية الأساسية وهى الكاتبة، وبالتالى يمكن القول بأنها رواية سيرة ذاتية. 
والرواية تتألف من قسمين، الأول: “عندما يأتي المساء”، و”الثاني: “في الليل لما خلي”، وهما عنوانا أغنيتين لمحمد عبدالوهاب، لكنهما يشيران ربما إلى نهج العمل في صناعة رواية داخل الرواية، ورغم أن الرواية لمبدعة امرأة، تتناول النساء بداية من العنوان إلا أن الحضور الرجالى فيها عال، وإننا عندما نريد أن نعرف هذه الشخصيات النسائية بشكل آخر فنحن فى حاجة لمعرفة الرجال الذين على علاقة بهؤلاء النساء، وهي مسألة تثيرها الرواية.

روايات للكاتبة المصرية قوت القلوب الدمرداشية التي كانت تكتب بالفرنسية، ودرية شفيق التي انقلبت حياتها من أميرة إلى امرأة مطاردة وماتت في ظروف غامضة

الوقوع في الفخ
أما الناقد سمير مندي فقد قارب الرواية باعتبارها شكلا من أشكال الرواية السيرية، وقال إن هالة البدري حاولت أن تكتب سيرتها الذاتية من خلال كتابة سير الأخريات، فاستعرضت عبر سردها تعريفات للسيرة الذاتية، وهذا يقلب السحر على الساحر، فمحاولاتها لكتابة سيرتها الذاتية أوقعها في فخ، أكد أنه لن يبوح به، وبالفعل لم يعلنه مما أثار عجب الحضور أكثر مما أثار شغفهم، فأي فخ وقعت فيه، ولم أشر إليه ما دام قد قرر مسبقا ألا يعلنه.
وأوضح مندي في كلمته أن الرواية لا تقتصر على القضايا المعتادة فى واقعنا بل تمتد إلى سياقات ثقافية غربية تمثلها سير حياة الشخصيات النسائية في هذه الرواية وبما يجعل الرؤية تتسع لتشمل الذات الإنسانية عن المرأة والرجل معاً فى أزمنة وأمكنة متباينة فيما يتم التركيز على قضية البحث عن الذات لدى المرأة في تكاملها العقلي والحسي والتعبير بحرية عن كواملها وتحققها وصراعاتها وإخفاقتها.
رواية لم تكتب
واتفق د.شريف الجيار مع آراء المتحدثين وأضاف: إن نص «نساء في بيتي» يعتبر نصا لرواية لم تكتب بعد، فحينما تقرأ العمل الذي امتد إلى قرابة الأربعمائة صفحة فالقارىء أمام عمل روائي كُتب بموضوعية لكاتبة قرأت في الرجل والمرأة والفرق بين المجتمع العربي والمجتمع الغربي بالإضافة إلى النواحي السياسية والثقافية والفنية، فلم تترك مجالا إلا وبحثت فيه، وأشار إلى أن هالة البدرى تستحضر في روايتها نساءً ونصوصًا ولوحات، فتستعيد جمالاً وفنًا، وكذلك تصبح شريكة في الفعل السردي ذاته، تبدو مأخوذة بالتجريب أخذا فتجعل لسيرتها الذاتية حضورًا في الرواية جنباً إلى جنب بطلاتها الثلاث اللاتي تستحضرهن وتناقش ما جرى لهن أيضا، هكذا  أخذتنا الكاتبة إلى السيرة الروائية، وأؤكد أن نص “نساء في بيتي” هو حالة من حالات التجريب المتجاوز، عن كل كتابات هالة البدري السابقة، فالنص يدافع عن المرأة في كل المجتمعات والعصور، ونجده برمته يصور هالة البدري، فأرى كل السيدات في النص هي صورة لمرأة واحدة وهي هالة البدري.
وأخيرا يضعنا النص أمام إشكالية خطيرة، فهل نتعامل مع النص على أنه رواية أم نتعامل معه على أنه سيرة كتبت في شكل رواية، فقد استعانت هالة البدري بما بعد الحداثة فهي لا تعتمد على منهج واحد فقط، فهناك رواية تعتبر هي الإطار ولكن في داخل الرواية نجد سردا عنقوديا شهرزاديا، بتنقلها بين شخصيات الأربع نساء المتلاحمات في صيغة الكاتبة، فهي شهرزاد التي تعرض عن سيرتها الذاتية بصيغة روائية.  

A seminar
ما الذي جمعني بهن؟ 

البوح بالسر
وفي كلمتها قالت هالة البدري: دعوني أبوح لكم بسر عن نساء، في الليل وحده يأتين لزيارتي. أتساءل: ما الذي جمعني بهن؟ هل هو حب المغامرة، أم الفن؟ لي مع كل واحدة منهن قصة طويلة. على الحائط لوحة ضخمة رسمتها جورجيا أوكيف أم الحداثة الأميركية التي حاصرها حبيبها في خانة الأنثى، فهربت إلى الصحراء لترسم، وعاشت متنقلة بين نيو مكسيكو ونيويورك، حتى رحلت عام 1986 عن عمر يناهز الثامنة والتسعين عاما. وأيضا لدي في مكتبتي رسالة ماجستير تجمعني بالمقارنة مع الشاعرة والروائية النمساوية بورغ باخمان، التي انعكست على حياتها أخطاء السنوات الحالكة في التاريخ البشري، سنوات الحربين العالميتين، وقد ماتت محترقة عام 1972 عن 47 عاما في كوخها بإيطاليا. وفي المكتبة أيضا روايات للكاتبة المصرية قوت القلوب الدمرداشية التي كانت تكتب بالفرنسية، ودرية شفيق التي انقلبت حياتها من أميرة إلى امرأة مطاردة وماتت في ظروف غامضة.
وعن اختيارها لهؤلاء النسوة قالت: في ظاهر الأمر يبدو أن كلا منهن قد واجهت أمرا مختلفا، قوت القلوب الكتابة بالفرنسية، ملك حفني الاعتدال والتأرجح بين المحافظة والحداثة، درية شفيق التغريد خارج السرب، بالخلاف مع عبدالناصر، جورجيا أوكيف الاهتمام بالأنوثة وحدها، على الرغم من أن زوجها الناقد التشكيلي هو الذي أطلق عليها هذا الحكم. (وكالة الصحافة العربية)