'كل الشهور يوليو' في أطروحة علمية

الباحثة ماجدة أحمد عبدالحليم فرَّاج تعد رسالتها العلمية لنيل شهادة الدكتوراه عن 'ثورة يوليو في الرواية المصرية المعاصرة'.

تعد الرواية من أقدر الأجناس الأدبية على تجسيد الواقع وتصويره؛ لشموليتها ولتقنياتها المختلفة، وقد اعتمدت الرواية منذ نشأتها على الأحداث التاريخية بوصفها من أهم الموضوعات التي شغلت الرأي العام، وغيرت من واقع الحياة الإنسانية، ولذا فقد نهل معظم الروائيين أعمالهم من طيات التاريخ، ونسجوا بصياغتهم الخاصة أعمالًا مهمة، استطاعت أن تعكس واقع الأمة، وما تعيشه من حياة سياسية واجتماعية.

وقد أعدت الباحثة ماجدة أحمد عبدالحليم فرَّاج رسالتها العلمية لنيل شهادة الدكتوراه عن "ثورة يوليو في الرواية المصرية المعاصرة" حيث شكلت تلك الثورة الحدث الرئيس والأعظم الذي نال نصيبًا وافرًا من اهتمامات الروائيين المصريين، وشكلت موضوعًا للكثير من رواياتهم التي جاءت مفعمة بالحيوية للصراعات السياسية والاجتماعية والفكرية التي كانت قائمة في مصر، فحينما اندلعت الثورة احتاجت إلى صوت قويّ يحمِّس النفوس، وينشر أفكارهم بين أفراد المجتمع، فكان الروائيّ هو أول من لبَّى النداء ثائرًا وموجهًا النفوس نحو قيم الثورة والجهاد؛ ولذا فالعلاقة بين الثورة والرواية قوية، وعلى الرغم من أنها كانت ثورة بيضاء لم ترق فيها دماء فإنها استطاعت أن تؤثر في الروائيين واختلجت في نفوسهم، فقدموا أعمالًا روائية قيمة خالدة، مثلت نموذجًا واقعيًا بوقوفها عند مرحلة تاريخية مهمة ذات ملامح محددة من التاريخ المصريّ،

وترجع الباحثة ذلك إلى أن الشعب المصريّ أيَّدها بكل قوة وتفاعل معها، ومع ما صدر عن رجالها من قرارات غيرت وجه الأحداث في البلاد، كما يرجع أيضًا لما حققته تلك الثورة من إنجازات، فقد أطاحت بالملكية وصار فاروق آخر ملوك مصر، وانتقلت مصر على إثرها من عهد الملكية إلى عهد الجمهورية، وصدرت خلالها عدة قرارات تصب في صالح المواطن البسيط، ومن هذه القرارات المشهورة، قرار "الإصلاح الزراعيّ"، وقرار "مجانية التعليم"، وبعد ذلك تأميم شركة قناة السويس؛ لاستكمال بناء السد العالي الذي أفادت منه مصر إفادة كبيرة، وعلى حسبان إنها تمثل بداءة مرحلة جديدة حاسمة من تاريخ مصر.

ولم يغفل الروائيون المصريون عن الاغتراف من معين تلك الثورة؛ فأنتجوا نصوصًا روائية أبانت عن عظم قدر هذه الثورة، وصلابة مناضيلها وثوَّارها، وتباينت أعمالهم ما بين روايات تاريخية سجلت للثورة وحيثياتها مُراعية الدقة والمصداقية، وأعمال أخرى تستلهم تاريخ الثورة تمزج بين التوثيق والتخييل، وتتقاطع هذه الأعمال وتفترق وَفْق رؤية كل كاتب وموقفه حيال الثورة، وكان لكل منهم طريقته الخاصة ووسائله الفنية في كشف ملابساتها ورصد وقائعها.

وتؤكد فرَّاج أن الروايات التي اتخذت من الثورة موضوعًا لها كثيرة، وجاءت حافلة بعطاءات جمة ومتميزة، تعرض بصورة أو بأخرى واقع الاستعمار والحكم الملكيّ، وما آلت إليه الحياة الاجتماعية والاقتصادية وفق أيديولوجية كل كاتب، وقدراته الإبداعية، ومن هذه الأعمال بعض الروايات التي اتخذتها الباحثة موضعًا  للدراسة، واختارتها دون غيرها؛ لأنها من أصدق ما عَبَّر عن الثورة بكل تفاصيلها، وتداعيتها، ولأنها ـــ في وجهة نظرها ـــ تفوقت على علم التاريخ في تجسيدها أحداث الثورة لما تتمتع به من مصداقية مع متعة الأداء الفنيّ.

وقد تخيرت الباحثة رواية "كل الشهور يوليو" للإعلامي والروائي إبراهيم عيسى لأنها رواية تاريخية، بينما اعتمدت معظم الروايات التي تناولت ثورة يوليو على الاستلهام التاريخي، ومزجت بين ما هو واقعيّ، وبين ما هو متخيل، ومن هذه الروايات وَفْق ترتيبها الزمنيّ: رواية "رُدَّ قلبي" ليوسف السباعيّ، ورواية "السمان والخريف" لنجيب محفوظ، و"غروب وشروق" لجمال حماد، و"الحياة فوق الضباب" لإحسان عبدالقدوس،  و"1952" لجميل عطية إبراهيم، و"كل الشهور يوليو" لإبراهيم عيسى.

وتتحدث الباحثة عن أسباب اختيارها لهذا الموضوع ليكون بحثها العلمي لنيل درجة الدكتوراه، فتقول: "هناك أسباب كثيرة دفعتني إلى اختيار هذا الموضوع، وأهمها: إن ثورة يوليو من الأحداث السياسية المهمة التي تُعد نقطة تحول كبرى في مسار المجتمع المصريّ وتاريخه في مواجهة الفساد والاستعمار. وكثرة النصوص الروائية المحتفية بأحداث ثورة يوليو، والتي عرضتْ كثيرًا من الآراء ووجهات النظر المتباينة حول قراءة الثورة وتداعيتها. وشغفي بالفن الروائيّ قراءة واطلاعًا. وقِلة الدراسات في أدبنا العربيّ المعاصر التي تتناول ثورة يوليو/حزيران في الرواية".

وعن أهداف بحثها ذكرت أن هذا البحث يسعى إلى تحقيق عدد من الأهداف منها: الوقوف على أهمية الفن الروائيّ في رصد الأحداث السياسية، وأثرها في تغيير واقع الحياة الاجتماعية. وتزويد المكتبة العربية بدراسة أدبية نقدية تضاف إلى الدراسات السابقة التي تناولت ثورة يوليو في الرواية. وتناول هذا النوع من الروايات بالدراسة التحليلية يعرض كثيرًا من الأحداث والتفاصيل والأفكار المهمة وفق رؤية كل كاتب. وإدراك طبيعة التكنيك الحكائيّ للرواية التاريخية من ناحية، والرواية المستلهمة التاريخ من ناحية أخرى، من خلال التطبيق على نماذج روائية مختلفة.

وترى الباحثة ماجدة فراج أنه لا توجد ـ على حد علمها ومن خلال اطلاعها على شبكة المعلومات ومراجعة الرسائل الجامعية ـ رسالة أو دراسة تستهدف أحداث ثورة يوليو تحديدًا في الروايات، ولكن هناك بعض الدراسات التي تناولت الرواية التاريخية، والرواية المستلهمة التاريخ عامة، وقد أفادت من الدراسات السابقة من الجهة النظرية؛ إذ إنها تناولت الجانب التاريخيّ دون أن يكون هناك جانب تطبيقيّ موسَّع عليها من جهة الروايات عامة، ومن جهة الروايات المتعلقة بالثورة خاصة، ومنها: دراسة حلمي محمد القاعود: الرواية التاريخية في أدبنا الحديث، دراسة تطبيقية. ودراسة عبدالله إبراهيم: التخيل التاريخيّ، السرد والإمبراطورية والتجربة الاستعمارية. ودراسة قاسم عبده قاسم: الرواية التاريخية في الأدب العربيّ الحديث. ودراسة نضال الشمالي: الرواية والتاريخ، بحث في مستويات الخطاب في الرواية التاريخية العربية.      

وقد اعتمدت الباحثة في دراستها على المنهج الوصفيّ التحليليّ، الذي يقوم على جمع التفاصيل، ورصد الخصائص حول الموضوعات والقضايا السردية المتناولة، والعمل على تحليلها، والربط والتفسير بينها، وتصنيفها، واستخلاص نتائج من هذه الموضوعات، وكذا المنهج التاريخيّ بوصفه أداة لقراءة أحداث الثورة، ووسيلة لمعرفة فعاليتها، وتطورها، وشخوصها، وكل ما يتعلق بالتاريخ، إضافة إلى توظيف بعض المناهج الأخرى على حسبان أن العمل الروائيّ لا يخضع إلى منهج واحد، وعلى أساس أن النص يحمل في ثناياه أبعادًا تاريخية واجتماعية ونفسية وسياسية .. إلخ من مثل المنهج السيميائيّ في تحليل العتبات النصية، وأحيانًا اعتمدتْ على المنهج البنيويّ لسبر أغوار النص، واستجلاء جمالياته، والبحث في الجزئيات؛ لأنه الأصلح في دراسة البنى النصية.

الباحثة ماجدة أحمد عبدالحليم فرَّاج
'ثورة يوليو من الأحداث السياسية المهمة التي تُعد نقطة تحول كبرى في مسار المجتمع المصريّ'

لقد جاءت الدراسة في بابين يتقدمهما مقدمة، وفصل تمهيديّ؛ ويشتمل التمهيد على النقاط الآتية: الرواية التاريخية وعلاقتها بالتاريخ. سمات الرواية التاريخية. سمات الرواية التي تستلهم التاريخ. الفرق بين الروائيّ والمؤرخ. الرواية السياسية وعلاقتها بالتاريخ ـ تجليات الثورة في الرواية المصرية.

أما الباب الأول فقد اشتمل على ثورة يوليو/حزيران في الرواية التاريخية والنسق السرديّ، تطبيقًا على رواية "كل الشهور يوليو" لإبراهيم عيسى. وقسمته الباحثة إلى ثلاثة فصول: الفصل الأول: الزمان والمكان (الزمكانية). الفصل الثاني: الحدث التاريخيّ. الفصل الثالث: الشخصيات بين الرواية والتاريخ.

أما الباب الثاني فقد تحدثت فيه الباحثة عن ثورة يوليو في الرواية المُستلهِمة التاريخ والنسق السرديّ تطبيقًا على نماذج روائية مختارة. وقسمته إلى ثلاثة فصول: الفصل الأول: الزمان والمكان (الزمكانية). الفصل الثانى: الحدث التاريخيّ والروائيّ. الفصل الثالث: الشخصية التاريخية والشخصية المتخيلة.

ومن النتائج التي توصلت إليها الباحثة بعد تلك الدراسة المستفيضة: أنه بات من المفهوم تَصدُّر الرواية قائمة الأنواع الأدبية بوصفها الواجهة الثقافية؛ لما تمتلكه من مرونة في مواكبة مجريات الواقع، واتضح على مدار البحث تميز نوع الرواية التاريخية ضمن أنواع الرواية؛ من حيث قدرتها على استدعاء الأحداث التاريخية المختلفة ـ لا سيما الثورات ـ فقد تمكنت من نقل أحداث ثورية تاريخية موثقة بطرائق فنية متنوعة؛ كشفت عن تجليات التحولات التاريخية الكبرى للمجتمع المصريّ، ولا تزال فاعلة في الحاضر. وأن كلا مِن الرواية التاريخية، والرواية المُسْتَلهِمة التاريخ بما تحملانه من رؤى وأفكار عصرية تسعيان إلى خَلق جيل مثقف واعٍ قادر على استيعاب قضايا وطنه، وأحداث تاريخه؛ بهدف الإفادة منها في الحاضر. وأن عملية توظيف التاريخ في الرواية تقتضي وعيًا كبيرًا من لدن الروائيّ بالتراث، وبالحاضر، وبشروط الكتابة.

وترى الباحثة أن رواية "كل الشهور يوليو" ـــــــــ وقد مثَّلتْ نموذج الرواية التاريخية في هذه الدراسة ــــ تعد واحدة من الروايات التاريخية المُهمة في الأدب المصريّ المعاصر، والتي سجَّلت أحداث ثورة يوليو/حزيران 1952 بصورة أقرب ما تكون إلى الحقيقة؛ فقد مكَّنتْ القاريء من التَّعرف إلى وقائع الثورة وشخصيات رجالها في سهولة واختصار، وعلى الرَّغم مِن الفارق الزمنيّ لأحداث ثورة يوليو وتاريخ تأليف رواية "كل الشهور يوليو" ونشرها ـ حوالي (68 سنة) ـ فقد جعلتنا نستخلص من وقائعها عِبرًا ودروسًا مفيدة في حاضرنا، ولعلنا نتخذ من أبطالها صنفًا نبجله، ونقتدي به، وعرَّفتنا ما كان لزعمائها وأبطالها من عِزة ووطنية وشجاعة، وعرفتنا كذلك على ما صدر عنهم من أخطاء.

كما رأت الباحثة أنه على الرَّغم من اعتماد "كل الشهور يوليو على وثائق تاريخية، فقد تحرت الزمن الفعليّ للأحداث، ومدى وثاقتها، فإن الرواية تبقى عملًا تخييليًا يستخدم الوثائق التاريخية بما تحمله من أبعاد؛ ليستخلص منها دروس الماضي التي علينا أن نعرفها ونقتدى بنجاحاتها، ونتجنب أيضًا ما قد يكون وقع فيه رجالها من أخطاء، في حين كان  النص المُستلهِم للتاريخ هنا لا يهدف إلى إظهار التاريخ أو اختزاله بقدر ما يهدف إلى إكمال دوره، وإظهار المسكوت عنه غير الموثق في الأوراق الرسمية المكتوبة في أسفار التاريخ تمامًا، كما يفعل رجال التاريخ.

وقد حصلت الباحثة ماجدة فرَّاج على درجة الدكتوراه بتقدير ممتاز، من كلية الآداب جامعة دمنهور عن أطروحتها "ثورة يوليو في الرواية المصرية المعاصرة" التي أشرف عليها أ. د. سحر حسين شريف وأ. م. د. أسماء محمود شمس الدين، ورأس الجلسة العلمية والمناقشة أ. د. جلال أبوزيد هليل، وشاركت في المناقشة أ. د. إيمان فؤاد بركات.