كمال سيدي السعيد مدير إعلام تبون، عرّاب أم مجرد واجهة؟

لا يمكن لمدير إعلام الرئاسة الاعتماد على فريق مشوش ومربك وانفعالي غير منتج وباهت بل مقلق ومغشوش.

من هو السيد كمال سيدي السعيد أحد المقربين في الكوكبة الضيقة الملتفة حول الرئيس تبون، والذي يهمس باسمه في الوسط الإعلامي. لا نعثر عليه في موقع الرئاسة.. رغم أنه يدير واحدة من أهم المديريات الحساسة في نسيج الهيكل التنظيمي هناك، المرتبطة بتنوير الرأي بالصوت والصورة والنص عما ما يقوم به ويفعله الرئيس في البلاد والعباد. قالت الجريدة الرسمية المؤرخة بتاريخ 26/12/2019، أنه مكلف بمهمة في الرئاسة. تلك هي صفته بلا ملمح أو حتى إشارة إلى طبيعتها، نشر اسمه فوق شخصية أخرى أصبحت هي الأخرى إشكالية ومحيرة ويمضغ اسمها على مضض: عبداللطيف بلقايم (سنعود إلى سيرته وخفاياه ومساره في تحقيق قادم مع آخرين يسكنون القصر).

يجري الحديث عنه في الوسط الإعلامي باعتباره محترفاً ومجتهداً يسعى لتشكيل ورسم وجه مشرف وملمع لساكن القصر الرئاسي عبدالمجيد تبون، يبذل النفس والنفيس لصناعة كاريزما للأخير مفقودة وتائهة في الخضم الهائل من المسؤوليات والصراعات والتجاذبات. ينبش ويحفر بكل ما أوتي من قوة لغرسها في الوعي المتلاطم والرأس المستعصي للمواطن الجزائري. يتردد أنه مؤثر قوي تقريبا في كل وسائل الإعلام. ما يتم الكتابة فيها وما يذاع وينقل بالصورة والصوت من أحداث مرتبطة بالقصر وسنوات القصر ووقائعه وساكنيه، يرفع السماعة لترجيح أخبار وعبر وأقوال تقدم للرأي العام على أنها منجزات كبيرة وفريدة في مسار بناء الجزائر الجديدة تأخذ في عمومها طابعاً هزيلاً لا يستشف أفقها الواضح من بعيد، وفي بعضها كما يقول متابعين تسيء لصورة الرئيس أكثر مما تنفعه، لا في السراء ولا في الضراء، والسبب في هذه المطبات كما يقول الأكثر تفاؤلا إنه يقود فريقا إعلاميا معطوبا، وافد على الزخم الرئاسي وبهاراته البراقة، مندفع بفورة نفوذ مفاجئ ملقى في طريقه. لذلك - يضيف هؤلاء - تتراكم عليه العراقيل والعثرات، وتنصب في طريقه حواجز مزيفة، وهو متأكد أن هذا الفريق المحيط به مشوش ومربك وانفعالي غير منتج وباهت بل مقلق ومغشوش، رغم أنه يحوز على خبرة وتجربة في الميدان الإعلامي الواسع تمتد لعشرات السنين.

تعلق على مشجبه الكثير مما يحدث في الوسط الإعلامي الرسمي وما يتبعه من الإعلام الخاص. يقولون إنه الآمر الناهي والغاضب كثيرا (نسب إليه أحد النشطاء العارفين بكل صغيرة وكبيرة والمطلع الأوحد سبحانه، والمتدفقة لديه الأسرار السياسية والعسكرية والاقتصادية وكل شيء مخفي في حفرة أو درج.. ما يطبخ وما لا يطبخ. نسب إليه غضب عارم لا يرحم على إحدى الجرائد الكبرى لمجرد أنها نشرت على صفحتها الأولى صورة الرئيس تبون بقناع واق، انجر عنه كما قال حرمانها من الإشهار، وبث هذا الناشط تسجيلا ظهر فيه أكثر غضبا وحنقا على كمال سيدي السعيد، ولا أحد أنكر أو كذب أو حتى ناقض ما يقوله فلقد أصبح هذا الناشط مهماز وشيفرة وبوصلة وإلهاً صغيراً، ينصت إليه وتؤخذ منه الحقائق، في مشهد مضحك يضاف إلى المشاهد التراجيد-كوميديا التي تعيشها البلاد).

من مكتبه تخرج التقارير والتويترات السريعة والأخبار توزع في القنوات الرسمية والخاصة وغيرها من الوسائل، لا تعدل أو تصحح أو "تمكيج" إلا بقدر معلوم، والويل والثبور لمن حاد أو انحرف أو عارض، عندها ستمنع عنه العطايا والإشهارات والبركات والرضا.. لن يحتوى مستقبلا ويغطى ويحمى، ستقصقص أجنحة أية وسيلة إعلامية أو موقع أو جريدة تفعل ذلك، ناهيك عمّا يقال أيضا إن بيديه لعبة نرد يرمي بها كيفما شاء لاختيار حفنة من الصحفيين سيحظون بلقاء مع الرئيس، وقد وقعت في العديد من المرات على نفس الوجوه المنمطة الواجمة العبوسة، بل تقلصوا ليصبحوا واحدا مثلما حدث في آخر موعد مع الصحافة.

من يقرأ ما كتبه السيد كمال سيدي السعيد في سنوات ماضية سيضرب كفا على كف، ولا يمكنه أن يجزم أنه هو نفس الشخص الذي يتحكم اليوم في دواليب كل ما له علاقة بالإعلام والاتصال والتواصل الرئاسي. مقالات ضاجة بالعمق والمعنى والتحليل. كان يكتب بفرنسية متقنة، ويسبك الجمل والحروف ويطوعها ويعطيها نكهة خاصة.. قلم محبوك.. يعرف عن ماذا يكتب؟ وأين يريد أن يصل؟ يصوغ بمهارة آراءه الثاقبة في الشأن العام أكان سياسيا أو إعلاميا أو ثقافيا؟ فلماذا لم تظهر بصمات ذلك وهو اليوم يتربع على كرسي وثير لموقع مهم وخطير وملهم هناك..!

عندما كان مديرا للاتصال بأحد أهم المؤسسات الاقتصادية الجزائرية، اتضح جليا نضجه في ميدان الاتصال. وضع خطط وإستراتيجيات ترويجية للمؤسسة لامعة وخاطفة أدت إلى تجذرها في كل مكان وزاوية، أصبحت تلعلع في الأحاديث اليومية وعلى كل لسان؛ مسؤولين وزراء إعلاميين ناس بسطاء وتجار.. إلخ. ربما يرجع ذلك إلى هامش واسع من الحرية أعطيت له ولكل مبادراته لتطوير المؤسسة من هذا الجانب.. كان عنده ضوء أخضر مطلق في فعل ما يراه مناسبا وناجعا ومثمرا لها.

منذ توليه مديرية الاتصال في الرئاسة لم يظهر على شاشة التلفزيون الرسمي إلا مرة واحد سريعة جدا وخاطفة عندما استقبل الرئيس تبون ناصر خليفي رئيس جهاز الاستثمار الرياضي في قطر. يصفه أحد الإعلاميين أنه أصبح كتوما جدا رغم أنه كان في سنوات ماضية شغوفا بالتواصل مع الجميع ومرحا. هو اليوم يحاول أن يقاوم الكثير من الأمواج التي تخبط على مكتبه. اشتكى من غياب إعلام حقيقي ثابت على أسس علمية ذي معنى بهيج ينافس ويتحدى ويلمع كما في السابق، بل ذهب إلى أبعد من ذلك في حديثه حيث أخبره أن قوى التأثير والمصالح الضيقة لا تريد لمثل هذا الإعلام أن يبرز، وتوقع محدثي أنه كان يقصد محيطه وفريقه.

غير أن آراء أخرى لا تتفق مع هذا المنحنى الذي أصبحت تنتهجه مديرية الإعلام الرئاسي من دعاية وإشهار وتسويق لما يفعله الرئيس تبون، ويعزون ذلك إلى غياب حس إعلامي خلاق ومبتكر، وماكينة خيال يمكنها أن تشتبك بقوة مع التحولات. أخطاء كثيرة فاضحة تتعاظم على مكتب السيد كمال سيدي السعيد. هزال في كتابة التقارير، وضبابية في الطرح، وسوء التحرير، وإفادات متذبذبة عن واقع المجتمع الجزائري ربما هي بعيدة عما يحلم به الرئيس توضع على مكتبه. في كل الأنظمة هناك فريق إعلامي حيوي نشط ومتمكن من الأحداث.. يفهمها وهي طائرة، يخطفها حتى ولو كانت تتعرج أو مخلوطة وغامضة، ملمّ بالرهانات الكبرى، يفحصها ويدقق فيها ويحللها بعقل منتبه، ثم يرفعها خالصة بدون شوائب أو زوائد إلى المعنين بالأمر. خلايا مستشارين من مختلف التخصصات واللغات يحسنون الإصغاء لدبيب النمل وهو يزحف في زوايا المكاتب وفي كل مكان. وبالنظر إلى الفريق الإعلامي لكمال سيدي السعيد الذين نعرف بعضهم ولا نعرف بعضهم الآخر، فأحدهم لا يحسن الحديث بلغة ثانية ناهيك عن الكتابة بها، وآخر مثلما يقولون مكتف بالنميمة يجول بها ويصول في القصر وربما يوصلها إلى أذن الرئيس نفسه.

بين مرحلتين خاض كمال سيدي السعيد بحار الإعلام والصحافة والاتصال، مرحلة البروز والتميز والكتابة المبدعة عندما كان حرا طليقا، ومرحلة يقف فيها اليوم وكأنه مقيد أو مبهور بجريان نهر السلطة بين يديه حيث كما يشاع ويقال عنه جعلته عرّاباً حقيقياً تشد إليه الرحال وينتظر عند الأبواب.. خاصة من مدراء وسائل الإعلام الراهنة التي تعيش أزمة موارد خانقة تهدد وجودها، فهو من يعطي ويوزع ويمنع ويرضى. تنسب إليه هذه المزايا الشهية للسلطة كأنه نسخة مكررة من الراحل الكولونيل فوزي الذي كان في زمن مضى القابض على ريع الإشهار يسكب ثماره على من يشاء ويدق بابه صاغرا ذليلا.

لم أكد أنتهي من كتابة هذا المقال حتى قرأت ما يشبه الرأي في عدد من المواقع والجرائد. تنوع عنوانه وكان أبرزه المنشور في إحدى الجرائد الوطنية: "لا تلمسوا جزائرنا ولا تلمسوا رئيسنا". حاولت أن أستقصي وأبحث عن الجهة التي أوحت بكتابته ونشره هكذا مليئا ليس فقط بالأخطاء في تركيب الجمل والمعاني وهذا شيء أصبح طبيعيا وعاديا في الكثير من وسائل الإعلام عمومية وخاصة، بل في حجم الإساءة للرئيس بحد ذاته. إن من يقف وراء مثل هذا الرأي سواء الذي صاغه أو الذي أعطى الأمر والتعليمة وبصم عليها معتقدا أنه بهكذا أفعال وممارسات سيتقرب زلفى من الرئيس وسيمنحه الحظوة والقبول لدى الرأي العام.. إنما هو واهم اللهم إلا إذا وصل كاتب أو محرر أو موحي هذا الرأي إلى مرحلة لا يرى فيها إلا نفسه وقد تعاظمت وعلّت، وما عداه سيبقى في "الجزائر السفلية"، كما جاء في ثنايا الرأي المشار إليه سابقا.

أنا على قناعة تامة أن السيد كمال سيدي السعيد وهو يقرأ هذا المقال إن كان قرأه طبعا، لأنه معني به أولا خاصة أنه يتناول الرئيس تبون، يكون قد أصيب بالدهشة من حجم الهزال والضحالة والجهل الذي كتب به. سيقتنع مثلي أننا لا يمكن أن نواصل مشوار التجديد والتحولات العميقة لمواجهة التحديات بالإعتماد على هكذا منصات ووسائل إعلام تفتقر لذرة خيال.. ولأبسط روح خلاقة.. ولا يمكن أن تغير شيئا ما لم تنظف العتبات والمحيط الرديء الذي يطوق أحلام الجزائر الجديدة.

السيد كمال سيدي السعيد لا بد أن تنظف.