كورونا تستنزف طاقة البلديات التونسية في محاربة البعوض

تونسيون يتذمرون من انتشار هائل للناموس بسبب تأخر حملات مداواته، والبلديات منهكة من دفن ضحايا كورونا ومن عمليات التعقيم غير المسبوقة في تاريخ البلاد.

 يترقب التونسيون كل سنة قدوم الصيف للتمتع بأجواء الطبيعة الساحرة وصفاء البحر ومياهه اللامعة والناصعة في النهار وحضور الحفلات والمناسبات العائلية المفعمة بحب الحياة في الليل الا ان فصل لقاء الاصدقاء والأحباء يتحول الى كابوس يؤرقهم بسبب جحافل البعوض التي تغزو الأحياء دون سابق استئذان. 
والبعوض او الناموس أو الحوَّام هو اسم شائع لعدد كبير من أنواع الحشرات الطائرة من رتيبة خيطيات القرن وهي تطير بشكل جماعي وتتغذى على النباتات او الحشرات وحتى على دماء البشر.
ويعتبر خبراء ان الأنواع الأكثر انتشاراً في تونس لا تنقل الأمراض لكنها مزعجة لما تصدره من اصوات قوية كما انها تتميّز بكثرة اللسع، في حين حذروا من خطورة "ذبابة الرمل" الناقلة لامراض عديدة من بينها اللاشمانيا.
وتؤدي "ذبابة الرمل" الى الاصابة بأورام جلدية وتقرحات تتطلب علاجها بسرعة لأنها تترك آثاراً وندوبا طويلة الأمد على الجلد.
وأبرمت تونس في العام 2020 اتفاقية شراكة بين مستشفى الرابطة ومنظمة الصحة العالمية لتركيز أول مخبر بحث متطور لمكافحة داء اللاشمانيا على المستوى الإفريقي والعربي بقسم الأمراض الجلدية والتناسلية بالمستشفى الحكومي.
وتؤثر لسعات الناموس على ضعاف المناعة او اصحاب البشرة الحساسة.   
وتستقبل العديد من المستشفيات سنويا حالات لأطفال ونساء حوامل وحتى كبار في السن تعرّضوا للسعات الناموس وعانوا من التهابات جلدية وتقرّحات.
ويرزح التونسيون هذه السنة تحت عبء انتشار وباء كورونا الذي يتربص بحياتهم ويشل حركتهم في كثير من الاحيان كما انهم يعانون من انتشار كبير  للناموس.
ويعود الانتشار الهائل والمروع للناموس هذه السنة الى تراكم عدة عوامل من ابرزها استنزاف كورونا لجهد اغلب البلديات في المحافظات التونسية التي أنهكها دفن ضحايا كورونا وعمليات التعقيم غير المسبوقة في تاريخ البلاد لمجابة الوباء والحد من انتشاره. 
واعتبرت بلديات ان التأخر في حملات مداواة الناموس والحشرات يعود بالاساس الى اشكالية التزود بالمواد الاولية المخصصة للمداواة جراء الازمة الصحية العالمية وتطبيق الحجر الصحي، علاوة على توجه مجهوداتها للتوقي من الفيروس وتخصيص جانب كبير من امكانياتها لحملات التعقيم بالتجمعات السكانية.
وافادت ان حملات المداواة انطلقت هذه السنة في موعد متاخر نسبيا عن المعتاد لان نجاعة عملية المداواة تكون عادة في مرحلة التبييض عندما تكون الحشرات في شكل يرقات، وهو ما يقضي على نسبة كبيرة منها، وبينت ان التاخير في المداواة ادى الى التكاثر المسجل في اعداد الناموس والحشرات.
كما ساهمت التقلبات المناخية مثل هطول الامطار بسخاء وارتفاع درجات الحرارة الى مستويات كبيرة في توفير بيئة خصبة لتكاثر الناموس.
وادى اضطراب المهندسين في الادارات المختصة بمداواة البعوض الى زيادة وتيرتها. 
وتضع وزارة البيئة التونسية سنويا بالتعاون مع الجهات المختصة خطة محددة المعالم لمقاومة الحشرات تتمثل أساسًا في تحديد أكثر النقاط السوداء لتكاثر الناموس مثل السباخ والمستنقعات والمياه الراكدة إضافة إلى المنازل المهجورة ثم تقوم بمداواتها. 
ويطلق العديد من التونسيين صيحة فزع من تأخر مداواة الأوكار الخاصة بتكاثر الحشرات مثل المستنقعات والمنازل المهجورة التي تتكدس فيها الأوساخ والفضلات وتركد فيها مياه الأمطار.
كما اعتبروا ان البناء العشوائي والمتهالك والقديم يعتبر حاضنة مثالية للناموس.
وتراجعت تونس في تصنيف مؤشر الأداء البيئي على المستوى العالمي، ويشمل هذا المؤشر التدقيق في نوعية المياه الصالحة للشرب والتلوث الفلاحي والمائي والبيئة الصحية.
وقد أطلق نشطاء على مواقع التواصل الاجتماعي موجة من التعليقات الساخرة والمتهكمة على الوضع البيئي في "تونس الخضراء" والتباين الشديد بين التنظير والواقع الملموس.
واعتبروا ان الناموس آفة تغزو منازل التونسيين مع بداية كل موسم صيفي وتؤرق سكان المدن والارياف على حد السواء والحكومة تنشغل عنهم بتصفية حسابات ضيقة.
 على الجانب الاخر تعتبر البلديات ان ميزانيتها المحدودة والضعيفة تجعلها غير قادرة على انتداب العدد المطلوب من العمال والمتخصصين الاكفاء كما انها تفتقر الى أجهزة متطورة ومواكبة للمقاييس العالمية في مداواة الناموس.
واعتبرت ان العديد من المواطنين يتحملون بدورهم مسؤولية انتشار الناموس لتلويثهم البيئة ولقيامهم برمي الفضلات والأوساخ في اماكن تزيد من تدهور الوضع البيئي في البلاد.   
وتواجد الناموس يختلف من منطقة الى اخرى فقد يكون كثيفاً في مناطق وأقل حدة في مناطق أخرى بحسب تدخل البلديات والنظافة وتطبيق برامج الوقاية والمداواة. 
وتتعالى كل سنة صيحات الاستغاثة والاستهجان من جحافل الناموس في تونس العاصمة لا سيما في منطقة سيدي حسين قرب سبخة السيجومي.
وتمتد سبخة السيجومي على 2600 هكتار، وكانت تصل مساحتها الى 3500 هكتار لكنها تقلصت بسبب تكديس بقايا عمليات البناء والردم وبسبب التمدد العمراني وتوسّع الأحياء السكانية المتاخمة.
وتشبه سبخة السيجومي "رئة العاصمة التونسية" مصب نفايات وبالرغم من جمال موقعها فهي لا تستقطب التونسيين الذين يعتبرونها نقطة سوداء جرّاء التلوث المحيط بها.
وتنقسم السبخة الى جزءين: قسمها الشمالي تتكدس فيه أكوام من النفايات الصلبة وأسراب البعوض التي تمنع أيا كان من الوقوف مطوّلا في المكان، بينما النصف الجنوبي لا يزال محافظا على طابعه الطبيعي وحيث يفرد النحام الوردي أجنحته الوردية في مجموعات ويضفي على المكان جمالا.