لا عراق من غير حشد شعبي
ذهب رئيس الوزراء العراقي إلى إيران طالبا النصح والمشورة فيما يتعلق بما يكن اتخاذه في مواجهة تحديات المرحلة المقبلة فعاد محبطا. لم يجد هناك سوى الشعارات التقليدية. وهي شعارات صارت رثة لكثرة تداولها من غير أن تحفر لها أثرا على أرض الواقع. قلا اسطورة المقاومة الإسلامية التي لا تُقهر عادت موجودة وليس هناك ما يفسر الهزيمة الإيرانية في سوريا. فما الذي يضمن للعراقيين بقاء الحماية الإيرانية والنظام الإيراني نفسه صار يفكر بدنو أجله؟ ربما ذهب السوداني إلى إيران في محاولة منه لتقليب الورقة الأخيرة التي لا يزال شركاؤه في الحكم متمسكين بها في مواجهة التهديدات الإسرائيلية التي قد تكون حقيقية بغض النظر عن إعلان الميليشيات التابعة لإيران عن وقف عملياتها المعادية للدولة العبرية.
كان واضحا بالنسبة لرئيس الوزراء العراقي أن إيران لا تملك حلا للمسألة العراقية. ولكن المسألة العراقية في حد ذاتها هي صناعة إيرانية. فالنظام السياسي وإن كان اختراعا أميركيا فإنه صار في النهاية رئة تمد إيران بالهواء الذي ينعشها في ظل العقوبات. كان هناك دائما نوع من التذاكي الأميركي الإيراني المشترك على حساب الحقيقة. لقد وهبت الولايات المتحدة استثناءات كبيرة من العقوبات في التعامل الاقتصادي مع إيران. لعبة سياسية واضحة كان الغرض منها واضحا. لقد وضعت الولايات المتحدة ثروة العراق في خدمة الاقتصاد الإيراني. أما وقد تغيرت أصول اللعبة الآن فإن إيران ليست متأكدة من بقاء نافذة الإنعاش العراقية مفتوحة. وهي تعرف أن العراقيين لا يملكون قرارا حرا في إبقاء تلك النافذة مفتوحة. لا بأس أن تدفع بهم إلى موقف انتحاري ستكون في النهاية معفية من نتائجه كما حدث في غزة ولبنان.
هذا لا يعني أن إيران لم تخسر الكثير بهزيمة حزب الله وتدمير غزة. فإضافة إلى أنها فقدت درة تاجها المتمثلة بحزب الله فإنها خسرت إطلالتها على البحر المتوسط في لبنان وسوريا. ذلك وضع لن تمني النفس بالعودة إليه. وهو ما يعني أن مشروعها في الهيمنة على المنطقة قد أصيب بعطل لا يمكن إصلاحه. وهي إذ تحارب إسرائيل من اليمن تدرك جيدا أن حربها تلك ستنتهي إلى خسارة، يدفع ثمنها الحوثيون بشكل مباشر. لم يبق لها في واقع الأمر إلا العراق وهي غير متأكدة في سياق التحولات التي شهدتها المنطقة أن وجودها هناك سيستمر. فما الذي يدفعها إلى الزج بأتباعها في العراق في مغامرة خاسرة من خلال موقف متشدد سيؤدي بهم إلى فتح جبهة لن يكونوا قادرين على إدارتها؟
اللعبة الإيرانية التي اتضحت خيوطها من خلال البيان الذي صدر عن تحالف الإطار التنسيقي الحاكم في العراق والذي أكد على التمسك باستقلالية الحشد الشعبي وعدم الانصياع لمطلب نزع سلاحه ودمجه بالقوات المسلحة. تلك اللعبة تقوم قواعدها على أساسين. الأول يكمن في حاجة النظام العراقي إلى الحماية التي يشكل الحشد الشعبي واجهتها أما عمقها فيصل إلى الحرس الثوري الإيراني. أما الأساس الثاني فإنه يتمحور حول الدولة الهشة في العراق التي تعتمد بشكل أساس على ما تستورده من إيران بدءا من الغاز إلى البصل مرورا بكل ما يحتاجه العراق.
ذلك ليس كل شيء. لقد راهن النظام الطائفي في العراق على وجوده من خلال إدامة الصلة بإيران وكان ذلك دافعا لمنح الجنسية العراقية لعشرات الالوف من الإيرانيين، بل أن عددا من الإيرانيين كانوا قد وجدوا أمامهم الطريق مفتوحة للانضمام إلى الطبقة السياسية الحاكمة. وإذا ما كانت الطائفية قد بدأت في سياق البرنامج الأميركي سياسية فإنها تحولت بعد عشرين عاما إلى نظام اجتماعي. حدث ذلك نتيجة عمليات تطبيع منظم صار معه ممكنا تحريك المجتمع بتقنية الـ"ريموت كونترول". هناك اليوم مجتمع شيعي خائف في العراق. هذا بالضبط ما تحتاجه إيران.
ولأن إيران تعرف أن العراق هو ورقتها الأخيرة في مواجهتها مع إسرائيل والغرب فإنها لم تسمح للسوداني في طرح فكرته أن يحتال على الشروط الأميركية. كان هناك موقف إيراني متشدد سيدفع النظام العراقي ثمنه. فلا عراق من غير حشد. ذلك شبيه بما شهدناه في الماضي القريب. لا عراق من غير صدام. سينتهي العراق الجديد مثلما انتهى العراق التاريخي. لا دولة ولا جيش ولا مؤسسات.