ليالي الرقص في فيينا

روبرت مالي خبير اتفاقات من نوع يصلح لبائعات الهوى. سبق له أن نام في حضن الولي الفقيه عندما توصل مع إيران الى اتفاق يكبح أعمال التخصيب النووية، ولكنه يطلق العنان لإيران في كل شيء آخر.

في ليلة من ليالي الأنس في فيينا، لاحظ رجل امرأة فاتنة، ولو كانت على بعض من الخفة، تجلس في جوار زوجها.

تقدم لطلب يدها للرقص، مستأذنا من زوجها، الذي بادله الابتسامة. وفي حلبة الرقص، قال لها، أنت تعرفين أنك جميلة ومغرية. ما رأيك لو تقضين معي هذه الليلة، مقابل مليون دولار؟

اندهشت المرأة لجرأة الطلب وحجم المبلغ. وقالت: دعني أخبر زوجي أولا.

لم تمض دقائق، فوافق الزوج، وانتقلت المرأة الى طاولته. ومع كل معزوفة جديدة في حلبة الرقص، خاض الرجل معها جولة مفاوضات أخرى وأخرى حتى السابعة. قال لها، بعد كل جولة: تعرفين أن مليون دولار مبلغ كبير. ما رأيك بنصفه، ثم ربعه، ثم مئة ألف، ثم.. الى أن وصل المبلغ الى 100 دولار. في احدى الجولات، قالت له: ولكننا اتفقنا على مبلغ. فقال، تعالي لنتفق أولا، على أن امرأة تترك زوجها مقابل المال، هي في الواقع بائعة هوى، بصرف النظر عن السعر. وبما أن 100 دولار هو سعر السوق في فيينا، فمن الأفضل لك أن تقبليه بدلا من أن تحصل عليه امرأة أخرى. فوافقت، ولو على مضض.

بائعة الهوى تلك هي الولايات المتحدة. وأحد أزواجها هو روبرت مالي، كبير المفاوضين الذين يجلسون على الطاولة الجانبية في مرقص المحادثات حول الملف النووي. ومن جولة الى أخرى، تفاوضه إيران على أساس أن لديها خيارات أخرى في الصين وروسيا.

تجري الآن محادثات جانبية، يقودها مستشار الأمن القومي جيك سوليفان مع بعض نظرائه، تشبه مفاوضات المرقص تلك، من أجل التوصل الى اتفاق بديل، ومؤقت، تعويضا للفشل المحتمل للمفاوضات بين الطرفين.

والفكرة من وراء الاتفاق "المؤقت"، تقوم على أن تتوقف إيران عند الحد الذي وصلت إليه من أعمال التخصيب واستخداماتها لأجهزة الطرد المركزي حديثة، مقابل أن تحصل على بضعة مليارات من أموالها المجمدة.

والغاية الرئيسية هي أن الرئيس جو بايدن يريد أن يشتري الوقت ريثما يعبر حاجز الانتخابات النصفية للكونغرس العام المقبل.

إيران، التي سبق لوزير خارجيتها حسين أمير عبداللهيان أن طالب واشنطن، قبل بدء محادثات الجولة السابعة، بعشرة مليارات من أموال بلاده المجمدة كتعبير عن "حسن النية"، ستوافق على المبدأ، لأنها في الواقع لن تخسر شيئا، حيال بائعة هوى يمكن التفاوض معها على صفقة أقل كلفة.

ومن مليار الى اثنين، فانهما، رقصة بعد أخرى، سوف يصلان في النهاية الى أن تقضي واشنطن عاما كاملا، لا ليلة واحدة، في حضن طهران مقابل عشرة مليارات دولار.

روبرت مالي خبير اتفاقات من هذا النوع. سبق له أن نام في حضن الولي الفقيه عندما توصل مع إيران الى اتفاق يكبح أعمال التخصيب ولكنه يطلق العنان لإيران في كل شيء آخر. وهذا ما حصل. وبانقضاء ليلة الصفقة، عادت إيران لكي تستأنف ما حاول اتفاق العام 2015 أن يضع حدودا له. فإذا بإيران في غضون زمن قصير تبدو قوة توشك على امتلاك قنبلة نووية، بينما كبر وتعاظم كل شيء آخر، مما تجاهله ذلك الاتفاق، حتى أصبح احتلالا فعليا للعراق ولبنان واليمن، وحتى أصبحت الصواريخ الباليستية الإيرانية تشكل تهديدا للوجود الأميركي في المنطقة ومحيطها برا وبحرا.

لا تعرف كيف كان يمكن لاتفاق غبي مثل هذا أن يمر على "عقول" واشنطن. ولا تعرف لماذا كانت إدارة الرئيس باراك أوباما تقبل بـ"سعر السوق" في التفاوض مع إيران. ولكن من الواضح، على الأقل، أنها خلقت لنفسها مشكلة اكبر بكثير مما كانت عليه.

فإذا كانت الاتفاقات السيئة تتضح من نتائجها، فمن الواضح الآن أن اتفاق العام 2015، لم يمنع إيران، في أول فرصة أتيحت لها، من أن تتحول الى تهديد نووي حقيقي، بينما كان الاتفاق يقصد منعها من ذلك. كما أنه أتاح لإيران أن تشكل تهديدا على كل وجه آخر لنفوذ الولايات المتحدة ومكانتها، ولإسرائيل أيضا.

يستوجب هذا الواقع الإقرار بأن ذلك الاتفاق كان فاشلا من الأساس، على الأقل، لأنه حافظ على البنية التحتية للتهديد. وهو ما يعني أن العودة إليه، هي نفسها عودة فاشلة. لأنها لن تفعل سوى أن تكرر الفشل.

السعي لعقد اتفاق مؤقت، هو نفسه سعي فاشل. ولكن ليس لأنه سوف يوفر لإيران أن تحافظ على ما حققته، فحسب، بل أنه سوف يوفر لها المال مقابل لا شيء تقريبا.

فكرة التجميد أغبى، في الواقع، من الاتفاق نفسه. لأن شراء الوقت، مقابل المال، لن يمنع إيران أن تعد الخرائط والخطط الهندسية التي تؤهلها لإنجاز ما توقفت عنده، من دون الحاجة الى أن يخرج المهندسون النوويون من مكاتبهم. وهو ما يوفر الفرصة لإيران أن تفرض شروطا أثقل، لدى العودة الى طاولة المفاوضات بعد عام أو عامين.

وفي الواقع، فإن إدارة الرئيس بايدن تكون في وضع أفضل لو أنها سلمت بالشروط الإيرانية الراهنة. على الأقل لأن ذلك سوف يعني شطب كل ما حققته إيران من تقدم، ويعيد برامجها سنتين الى الوراء مقابل رفع العقوبات.

التكلفة الانتخابية سوف تكون باهظة على الرئيس بايدن في الحالتين.

الديمقراطيون الذين قبلوا المساومة في حلبة الرقص الأولى، أظهروا من الضعف ما يوفر للجمهوريين أن يشنوا هجوما ساحقا ضدهم.

وكل مليار دولار يخرج الى إيران سوف يشكل إدانة متواصلة لإدارتهم، على الأقل لأن إيران، وفقا لتصنيفات الخارجية الاميركية ما تزال دولة راعية للإرهاب. وهي تمارس أعمال إرهاب ضارة بنفوذ الولايات المتحدة ليس بأقل من ضررها على باقي دول المنطقة.

لقد اختارت إدارة بايدن أن تهزم نفسها في هذه المنطقة بموقفها الضعيف من إيران. فأضعفت الثقة بها من أقرب حلفائها إليها. وأصبح من الممكن بالفعل التعامل معها، بسعر السوق، كتاجر سلاح وليس كحليف استراتيجي حقيقي.

تزيّن هذه الإدارة وجهها بمساحيق الدفاع عن حقوق الإنسان، لتبدو جميلة لنفسها أمام المرآة. إلا أنها بقيت تتصرف برخص كأي أحد يمكن بيعه وشراءه.

ولسوف يُمنى الديمقراطيون بهزيمة ساحقة في انتخابات الكونغرس في نوفمبر من العام المقبل. فلا يكسب الرئيس بايدن من اتفاقه المؤقت مع إيران إلا الخزي.

وأستطيع أن أراهن روبرت مالي وجاك سوليفان، بمليون دولار، إن لم يتحقق ذلك.

الرقص مع هذا الرهان أنفع لهما، من الرقص مع إيران.