ما بعد الانتخابات الأميركية

جائحة كورونا استنفدت عناصر القوة الأميركية اقتصاديا ونفسيا في الداخل، وشتتت القيادة الأميركية في الخارج.
العالم كله ينتظر ويراقب فوز بايدن او بقاء ترامب
الولايات المتحدة تعاني أكبر كارثة اقتصادية منذ الكساد الكبير قبل نحو مئة عام
الادارة الاميركية المقبلة تواجه تحديات التسلح والصعود الصيني وقضايا المناخ

بصرف النظر عما ستنتج انتخابات الرئاسة الأميركية في الثالث من نوفمبر/تشرين الثاني، سيكون امام الفائز الجمهوري او الديموقراطي جملة تحديات داخلية وخارجية كبيرة، وهي تحديات لم يسبق ان واجهتها الولايات المتحدة مجتمعة، ذلك في ظروف وأوضاع استثنائية عالميا واميركيا، ما سيصعّب على أي رئيس الولوج في حلول مقدّرة او مقترحة.

أولى التحديات التي استنفدت عناصر القوة في النظام الأميركي هي جائحة كورونا، التي اغرقت المجتمع الأميركي بأزمة صحية لا سابق لها، لجهة الانتشار الوبائي ومعدلات الوفيات، التي وضعت البلاد في الصفوف الأولى دوليا، وسط اتهامات مباشرة للرئيس دونالد ترامب بعدم قدرته على مواجهة الوباء ووضع الحلول الفعالة له، ففي حال فوزه سيكون هذا التحدي أكثر صعوبة، فيما لو وصل الديموقراطي جون بايدن لن يتمكن من فعل المعجزات.

ثمة احصائيات غير وردية تشير الى أن الولايات المتحدة تعاني من كارثة اقتصادية الأكبر منذ الكساد الكبير في ثلاثينيات القرن الماضي. إذ وصل الانكماش الاقتصادي الى 31.4 في المئة، خلال الربع الثاني من هذا العام. كما بلغت نسبة البطالة في ابريل/نيسان الماضي الى 14.7 في المئة وهي نسبة تجاوزت فترة الركود العظيم بين عامَي 2007 و2009 التي لم تتجاوز آنذاك 10 في المئة، كما أدت الى فقدان 40 مليون وظيفة في فصل الربيع، ما تسبب في ضياع جميع المكاسب التي تحقّقت خلال عامَي ما قبل الجائحة. اما في المجال الغذائي، فقد أفاد نحو 23 مليون بالغ أي ما نسبته 10.5 في المئة من جميع البالغين، أّن أُسرهم غالباً لم يكن لديها ما يكفي من الطعام، خلال أسبوع كامل. إضافة الى أن ما بين 7 و11 مليون طفل يعيشون في منزل لا يحصلون فيه على طعام كافٍ. كما أن الأميركيين مدينون، بمبالغ تصل الى 21.5 مليار دولار جرّاء تأخّرهم عن تسديد مستحقّات الإيجارات للمالكين. والأسوأ من ذلك، أن 17.3 مليوناً من أصل 44 مليون أسرة مستأجِرة لم تكن قادرة على دفع بدلات الإيجار، ما يعني انهم سيصبحون في الشوارع.

اما على الصعيد الخارجي، فهناك تحديات ذات طابع عالمي، وكذلك ثنائي ومتعدد الطرف. من بينها القضايا الدولية التي لأميركا صلة مباشرة فيها كسباق التسلح الذي ظهر مجددا مع العديد من الأقطاب في طليعتها روسيا والصين لجهة الصواريخ البالستية المتوسطة والبعيدة المدى، إضافة الى قضايا المناخ، علاوة على علاقتها بالمنظمات العالمية وفي طليعتها الأمم المتحدة التي شهدت تهميشا كبيرا خلال إدارة دونالد ترامب كمشاكل التمويل مع الاونيسكو ومنظمة الصحة العالمية وغيرها من الوكالات المتخصصة التي لم يرق عملها للرئيس ترامب، إضافة الى قضايا العولمة ومنظمة التجارة العالمية، في الوقت التي عمدت الإدارة الأميركية الى التوجه داخليا وضرب كل ما له علاقة بالانفتاح على الخارج، وهي قضايا جميعها تعتبر من أسس النظام الرأسمالي التي تقوده الولايات المتحدة وتحتاج الى إجابات محددة عليها.

في الجانب الثنائي، ثمة العلاقة مع ايران وبرنامجها النووي، إضافة الى قضايا كوريا الشمالية وحل موضوع البرامج النووية والصاروخية، وهما ملفان تركا ظلالا كثيفة على علاقات الولايات المتحدة الأميركية وتراجعها عن الاتفاقيات التي وقعتها مع غير دولة، على ان هذه القضايا تشمل أيضا علاقاتها مع حلفائها التقليديين في أوروبا والعاصفة التي أثارها الرئيس دونالد ترامب حول قضايا حلف الأطلسي وتمويله.

هي انتخابات رئاسية لكن لها من الابعاد والتحديات ما تجعلها شأنا دوليا كما هي شأن داخلي، فلطالما جُمدت مشاريع حلول واجلت أخرى، كما استعجل في بعضها الآخر، وصلا وربطا بهذا الحدث الذي يشغل العالم بأسره، وكأنه الرئة التي يتنفس منها العالم. في المحصلة، أيا يكن شاغل البيت الأبيض ثمة تحديات كبيرة من الصعب ان تجد لها حلولا في ولاية رئاسية واحدة.