متاهة كورونا من مناعة القطيع إلى حرب الإنس والجن

يغطي خامنئي نظريته النازية بمفاهيم من نوع "الأجل" أو "المكتوب" أو "القضاء والقدر" لتفسير الموت، من غير الالتفات إلى أسبابه الواقعية.

فيما أعلنت الصين عن انتصارها على فيروس كورونا لا يزال العالم كله يعيش صراعا مضنيا مع ذلك الكائن غير المرئي.

مدن أغلقت والسماء تكاد تخلو من الطائرات وخلايا الأزمة صارت بمثابة حكومات الامر الواقع. ولم تعد الدولة موجودة إلا من خلال جيشها وأجهزتها الأمنية وقطاعها الصحي.

لقد تم تأجيل الحياة الطبيعية إلى وقت غير معلوم. حلت فكرة الحفاظ على النوع محل التفكير في سبل تطوير وسائل العيش والارتقاء بكفاءتها. لا وقت للترفيه الجماعي. الخطر ماثل في الحدائق والمسارح وصالات السينما والنوادي الرياضية والمقاهي والمطاعم والشوارع والأسواق ودور العبادة والمكتبات وصالات العرض ومكاتب العمل.

الأخطر من ذلك أن المدارس والجامعات والمؤسسات والمصانع لم يعد مقبولا الاستمرار في فتحها. سيكون التعليم مؤجلا إلى إشعار آخر. المختبرات وحدها تسابق الزمن فيما يسعى الاطباء إلى السيطرة على المرض في انتظار ما يرشح عنه العمل في المختبرات.

في خضم ذلك الصراع من أجل البقاء بكل صفحاته كشف الاداء السياسي عن سطحية وسذاجة وغباء وانتهازية السياسيين الذين يتصدرون المشهد باعتبارهم أصحاب قرار.

كانت تفاهة التفكير السياسي مسؤولة عن انتشار الأفة وتوسع الدائرة التي تتحرك فيها بما أدى إلى إزهاق الاف الأرواح ودفع مئات الالوف من البشر إلى هاوية الألم.

كانت السوق السياسية الايطالية قد استثمرت في المرض من خلال استعراضات رثة غلبت عليها روح التنكيل والمؤامرات الكيدية فوهبت الفيروس فرصة عظيمة للفتك بمدن، صارت بمثابة محميات لرعاية المرض الذي كلما ازداد الاستخفاف به ازداد شراسة.

في بريطانيا طرح رئيس حكومتها بوريس جونسون فكرته العبقرية عن مناعة القطيع. ومن الغريب أن واحدة من أعرق الديمقراطيات في العالم لم تلتفت إلى جونسون حتى الآن باعتباره مجرم حرب. لقد وقف السياسي المعروف بانخفاض نسبة الإنسانية في تفكيره إلى جانب الفيروس ضد المواطنين الذين وضعوا مصائرهم بين يديه.

على الجانب الآخر كان آية الله علي خامنئي مخلصا لنزعته الآخروية حين وصف اجتياح كورونا للمدن الإيرانية بحرب يشنها الإنس والجن على إيران متناسيا أن تلك الحرب عالمية ولم تستثن بلدا إلا وضربته من غير أن تلتفت إلى دين أو قومية أو عقيدة.  

خرافة خامنئي الدينية تلتقي بخرافة جونسون المدنية. كلاهما يسميان الأشياء بغير أسمائها. كلاهما لا يقيمان وزنا للحياة البشرية والحق في العيش وكلاهما لا يحترمان العلم.

جونسون وخامنئي تركا الباب مفتوحة أمام الفيروس. شعارهما في ذلك "ليأخذ الوباء ما يأخذ من أرواح بشر لم يعودوا مفيدين بسبب كبر سنهم أو اعاقتهم أو مرضهم المزمن في الوقت الذي سيقوى الشباب والأصحاء على مقاومته."

تلك نظرية نازية بامتياز.

يغطي خامنئي تلك النظرية بمفاهيم من نوع "الأجل" أو "المكتوب" أو "القضاء والقدر" لتفسير الموت، من غير الالتفات إلى أسبابه الواقعية التي هي مجموعة من الأخطاء التي لو أمكن تداركها لما وقع الموت. كأن يتعرض المرء لخطأ أو اهمال طبي فيموت.

وعلى العموم فإن السياسيين عبر العالم، باستثناءات قليلة قد عبروا عن إفلاسهم في مواجهة أزمة حقيقية وصفها الكثير منهم بالحرب. وهي على المستوى المجتمعي حرب خاسرة حتى الآن. ذلك لأن جنودها الواقعيين وهم الأطباء يسابقون الزمن من أجل التقليل من عدد قتلاها. وهو ما لا يفكر فيه السياسيون الذين ما زالوا يعتقدون أن فيروس كورونا لن يهدد مناصبهم.

ذلك خطأ كبير يرتكبونه بسبب ضيق تفكيرهم. فالعالم لن يبقى كما هو في مرحلة ما بعد كورونا. سيسقط الكثير من السياسيين بل ستسقط أنظمة برمتها.

سيذهب بوريس جونسون وقطيعه إلى الجنون فيما سيتفرغ خامنئي وأعوانه لفك طلاسم الإنس والجن.