مخاطر مرعبة ومخاتلة لمبيدات الآفات

من الحصافة المناداة بوجوب التفكر كثيراً قبل استخدام أي من مبيدات الآفات في المزارع والمنازل لما لها من أخطار مرعبة معروفة راهناً أو سوف تكتشف في المستقبل، بل ان التعقل يقتضي العمل بأساليب الزراعة التقليدية واعتبار الجهد الإضافي في مكافحة الآفات بأساليب طبيعية جهداً لا بد منه لحماية المزارعين و من يأكل من زرعهم.
تعريب فريق دار الأكاديمية للطباعة والنشر والتوزيع لملخص محاضرة قدمها الطبيب مصعب قاسم عزاوي باللغة الإنكليزية في مركز دار الأكاديمية الثقافي في لندن.

مبيدات الآفات هي مواد كيميائية مصممة لقتل كائنات حية يتم استخدامها للحماية من الآفات الزراعية أو تدميرها، والتي تشمل القوارض والحشرات والفطريات والأعشاب الضارة وغيرها من الكائنات الحية المتطفلة. مبيدات الأعشاب هي نوع من مبيدات الآفات التي تقتل الحياة النباتية غير المرغوب فيها، وهو ما تسميه لغة ثقافة الحدائق اليوم "الأعشاب الضارة".

وينتشر استخدام هذه المواد في الزراعة التجارية والمنازل الخاصة على نطاق واسع.

تقدم مبيدات الآفات ما يبدو أنه حل سريع وسهل لمشكلة ما، وهي الحماية من أو إبادة الآفات الحية التي تستهدف النباتات أو المنازل. لكن استخدام مبيدات الآفات يحمل آثاراً جانبية غير مرغوب فيها، وغالباً ما يتسبب استخدام مبيدات الآفاتفي حدوث مشكلات جديدة، لم تكن موجودة من قبل.

تفتقر مبيدات الآفات إلى الدقة، لأنها قد تكون فعالة في قتل الآفات الزراعية، كما أنها تقتل الحشرات والطيور والحيوانات المفيدة، ولها آثار ضارة على الإنسان.

أيضاً،كما يمكن لمبيدات الآفات أن تحفز حالة التكيف في الكائنات الحية التي تستهدفها، مما يجعل الكائنات الحية المستهدفة أقوى مما كانت عليه في السابق و اكثر قدرة على مقاومة مبيدات الآفات التي تستهدفها.

 على سبيل المثال، قد يقضي المبيد الحشري فقط على الحشرات الأضعف؛ بينما الحشرات الأقوى ستعيد تجميع أنفسها، والبقاء على قيد الحياة، والتكاثر، ليصبح نسلها أكثر شيوعاً في مجموع الكائنات الحشرية التي يتم استهدافها بمبيدات الآفات.

وأدى الاستخدام الواسع لمبيدات الأعشاب الكيميائية إلى ظهور أعشاب مقاومة لمبيدات الأعشاب. نظراً لأن مبيدات الآفات لا تميز بين الكائنات الحية المفيدة والكائنات الضارة، فعندما تقوم برش الخضروات أو حديقة الزهور، فإنك تقتل جميع الفراشات والنحل والخنافس والحشرات المفيدة الأخرى الضرورية للتلقيح، والتي تفترس أيضاً الحشرات السيئة. وأثناء قيامك برش الحشرات في داخل المنزل أو خارجه بمبيدات الآفات، فإنك تعرض أطفالك ونفسك للمواد الكيميائية السامة التي يمكن أن تضر بصحتك.

الفوسفات العضوي عبارة عن فئة من مبيدات الآفات كانت حتى القرن الحادي والعشرين من بين أكثر مبيدات الآفات المتاحة على نطاق واسع. يتم استخدامها في البيئات التجارية والمنزلية لقتل الحشرات وغيرها من الحشرات المتطفلة، وهي مبيدات شديدة السمية، بل وتهدد الحياة. يحدث تسمم البشر بالفوسفات العضوي من ملامسة الجلد أو استنشاق الأبخرة أو الابتلاع العرضي. السارين غاز الحرب، الذي استخدم في هجوم مترو أنفاق طوكيو عام 1995، هو أحد أفراد عائلة الفوسفات العضوي. تشمل أعراض التعرض الشديد لجرعات عالية من الفوسفات العضوي عدم وضوح الرؤية، وآلام البطن، وزيادة إفراز اللعاب، والتعرق، والتهيج، والغثيان، والقيء، وتشنجات العضلات، والارتباك العقلي، والنوبات المرضية.

ومع ذلك، فإن التعرض لمركبات الفوسفات بمستويات منخفضة جداً بحيث لا تؤدي إلى ظهور الأعراض يمكن أن يسبب أيضاً ضرراً، خاصة للأطفال. تم ربط التعرض لبعض الفوسفات العضوي أثناء الحمل بانخفاض الوزن عند الولادة، وصغر محيط الرأس، والتأخر في النمو لدى الأطفال المعرضين قبل الولادة.

أحد أعضاء عائلة الفوسفات العضوي المشهور، وهو الكلوربيريفوس، تم استخدامه على نطاق واسع كمبيد للآفات لمكافحة الصراصير في المباني السكنية، وكمبيد للآفات للمنزل والحديقة لقتل البراغيث والقراد والنحل والدبابير والنمل الأبيض والصراصير.

 في الآونة الأخيرة، تم حظره في المنازل من قبل بعض الدول المتقدمة في محاولة للحد من تعرض الأطفال له، لا يزال الكلوربيريفوس يستخدم على نطاق واسع في الزراعة. نتيجة لذلك، يمكن قياس بقاياه على مجموعة متنوعة من الفواكه والخضروات في متاجر البقالة في جميع أنحاء العالم.

وفقاً للمسوحات التي أجرتها مراكز السيطرة على الأمراض والوقاية منها (CDC) في الولايات المتحدة، فإن أكثر من 90 بالمئة من سكان الولايات المتحدة لديهم كميات قابلة للقياس من الكلوربيريفوس في أجسامهم. ويمكن العثور عليه حتى في عينات من الجليد في القطب الشمالي. يعتبر الكلوربيريفوس أيضاً ملوثاً ثابتاً نسبياً في البيئة، وعلى الرغم من أن استخدام هذا المبيد قد تم تقليصه من قبل الدول المتقدمة، إلا أن الأطفال وعائلاتهم لا يزالون يتعرضون له أو لمخلفاته في البيئة حول العالم.

من المعروف أن الكلوربيريفوس سام لنمو الجهاز العصبي المركزي وخاصة الدماغ. ولقد تم توثيق أضرار التعرض قبل الولادة للكلوربيريفوس في دراسات متعددة ومنها تقليل معدل الذكاء، وتقصير مدى الانتباه، والتسبب في مشاكل سلوكية عند الرضع. عندما يتعرض الأطفال للكلوربيريفوس قبل الولادة، يتعرض الأطفال أيضاً لخطر الإصابة برؤوس صغيرة عند الولادة، وهو مقياس لنمو الدماغ البطيء الذي يُلاحظ أيضاً عند الأطفال المتعرضين قبل الولادة لفيروس زيكا. تظهر دراسات التصوير بالرنين المغناطيسي للأطفال الذين تتراوح أعمارهم بين 7 و8 سنوات والذين تعرضوا للكلوربيريفوس قبل الولادة تغيرات في تشريح ووظيفة الدماغ.

مبيدات الآفات الفوسفاتية العضوية الأخرى التي لا تزال متوفرة في الأسواق للاستخدام التجاري تشمل الديازينون والملاثيون في الدول المتقدمة والنامية على حد سواء.

ويتوفر أيضاً مبيد آفات ذو صلة، وهو كارباريل (سيفين)، للاستخدام المنزلي. لم يتم دراسة هذه المركبات العضوية الفوسفاتية الأخرى على نطاق واسع مثل الكلوربيريفوس ولكنها تعمل من خلال العديد من الآليات الكيميائية نفسها، وبالتالي من المتوقع أن يكون لها تأثيرات سامة مماثلة.

تجدر الإشارة إلى أن الكلوربيريفوس ومبيدات الآفات الفوسفاتية العضوية الأخرى، حتى عند استخدامها وفقاً لتوجيهات الشركة المصنعة في الداخل، يمكن أن تتراكم على السجاد وألعاب الأطفال، مما يؤدي إلى مشكلة التعرض المستمر لهذه المواد الكيميائية السامة.

على الرغم من أن استخدام بعض مبيدات الآفات القديمة آخذ في التناقص، مثل الكلوربيريفوس ومبيدات الآفات الفوسفاتية العضوية الأخرى،إلا أن استخدام فئات معينة من مبيدات الآفات، وخاصة مبيدات الآفات الأحدث آخذ في الازدياد.

على سبيل المثال، المبيدات الحشرية النيونيكوتينويدية هي فئة من المواد الكيميائية المعروفة بأنها سامة للجهاز العصبي يتزايد استخدامها بسرعة. أحد مبيدات النيونيكوتينويد، وهو إيميداكلوبريد، الذي تم تقديمه منذ حوالي 20 عاماً فقط، يستخدم الآن على نطاق واسع في العالم.

 تورطت مبيدات النيونيكوتينويد في انهيار مستعمرات النحل في جميع أنحاء العالم لأنها تعمل على النحل عن طريق إتلاف أدمغتها وأنظمتها العصبية وقد تكون مسؤولة عن إضعاف قدرتها على التنقل. من المحتمل أن يكون الدمار الناتج للمحاصيل الغذائية والنظم البيئية جراء استخدام ذاك النوع من المبيدات الحشرية هائلاً، نظراً للدور الأساسي لمستعمرات النحل في تلقيح المحاصيل. بدأت الدول الأوروبية في تقييد استخدام مبيدات النيونيكوتينويد، لكنها لا تزال موجودة على نطاق واسع في العديد من البلدان الأخرى. على الرغم من استخدام مبيدات النيونيكوتينويد على نطاق واسع، لا يُعرف أي شيء تقريباً عن آثارها على صحة الإنسان. ولكن نظراً لأنه من المعروف أن هذه المواد الكيميائية سامة للأعصاب بالنسبة للحشرات، فهناك أسئلة خطيرة لم تتم الإجابة عليها حول تأثيرها المحتمل على البشر، وخاصة على الأطفال.

وبالمثل، فإن مبيد الأعشاب سيئ السمعة الغليفوسات، الذي يتم تسويقه تحت الاسم التجاري راوند أب، هو مبيد آفات آخر يتزايد استخدامه بسرعة على المستوى الكوني.

 يستخدم الغليفوسات على نطاق واسع في الزراعة لقتل الحشائش الضارة في إنتاج المحاصيل المعدلة وراثياً مثل الذرة وفول الصويا وقصب السكر. وهو متاح أيضاً لتطبيقات المنزل والحديقة. زاد استخدامه بنسبة 2.500٪ في الـ 25 سنة الماضية.

خلصت منظمة الصحة العالمية مؤخراً إلى أن الغليفوسات من المحتمل أن يكون مادة مسرطنة للإنسان، وهو مادة كيميائية يُنظر إليها على أنها قادرة على التسبب في الإصابة بالسرطان لدى البشر. كما أنه يرتبط ارتباطاً وثيقاً بارتفاع معدل الإصابة بسرطان الغدد الليمفاوية اللاهودجكينية في السكان المعرضين للغليفوسات بشكل مباشر أو غير مباشر. يوثق كتاب مهم لكاري جيلام بعنوان "التبييض، قصة قاتل الأعشاب الضارة والسرطان وفساد العلم" بالتفصيل الآثار المأساوية والضخمة للجليفوسات على صحة ومعيشة البشر والمجتمعات.

عليك دائماً أن تتذكر أن العديد من المواد الكيميائية المستخدمة في تجميل الحشائش والحدائق تضر بصحة الإنسان بشكل خطير. في الواقع، تشتمل العديد من تركيبات هذه المواد الكيميائية على مجموعة متنوعة من المواد المسرطنة، والمواد المسببة لاضطرابات الغدد الصماء، والمواد المعروفة بإتلافها لأنظمة الجسم الأخرى.

حتى إذا كنت لا تستخدم كيماويات الحدائق أو مبيدات الآفات الأخرى، فإنك تظل عرضة لخطر التعرض لهذه المواد الكيميائية بشكل غير مباشر. على سبيل المثال انجراف مبيدات الآفات، وهي العملية التي ينطلق فيها أحد المبيدات من المنطقة التي تم رشه فيها إلى الفناء الخلفي لمنزلك أو من حقل زارعي إلى ملعب مدرسة. يمكن أن يؤدي انجراف مبيدات الآفات إلى تعريض الأسر لمواد سامة دون علمهم.

يمكن أن يأتي من ساحة الجيران أو من حقل مزارع قريب، أو من ارتداء أحذية ملوثة بالمبيدات في المنزل، والتي يمكن أن تعرض الأطفال الذين يلعبون على الأرض في نهاية المطاف لتلك المواد الكيميائية البغيضة. وتجدر الإشارة إلى أن الدراسات أظهرت أن بعض المبيدات المستخدمة على نطاق واسع يمكن أن تبقى في المكان الذي تم رشها فيه لأسابيع بعد الرش الأولي.

للتكرار مبيدات الآفات هي مواد كيميائية تم ابتكارها لقتل الآفات. تقتل المبيدات الحشرية الحشرات عن طريق تعطيل الجهاز العصبي للحشرة، وهو نظام بيولوجي أساسي نملكه نحن البشر أيضاً. علاوة على ذلك، تشترك أدمغة الحشرات والأدمغة البشرية في العديد من أنظمة الإنزيمات نفسها. لذلك، قد يكون من الحكمة عدم افتراض أننا محصنون ضد هذه السموم.

يُنصح بشدة بالحفاظ على سلامة أفراد عائلتك عن طريق إبعادهم عن الحدائق المعالجة بمبيدات الآفات. والأفضل من ذلك، شجع جيرانك على استخدام أقل كمية من المواد السامة المتاحة للتحكم في مشاكل الحشرات في المنازل من أجل صحتهم وصحة عوائلهم.

وقد يكون من الحصافة المناداة بوجوب التفكر كثيراً قبل استخدام أي من مبيدات الآفات في المزارع والمنازل، ومحاولة تجنب الاستسهال باستخدام مبيدات الآفات في الزراعة المحاصيل لما لها من أخطار مرعبة معروفة راهناً أو سوف تكتشف في المستقبل، وأن التعقل يقتضي العمل بأساليب الزراعة التقليدية التي أثبتت جدواها على امتداد آلاف السنين، واعتبار الجهد الإضافي في مكافحة الآفات بأساليب طبيعية جهداً لا بد منه لحماية المزارعين و من يأكل من زرعهم.