مفاتيح جوهرية لإطالة عمر الإنسان واستدامة عافيته

من الأهمية بمكان معرفة أن اتباع النظام الغذائي لمنطقة البحر الأبيض المتوسط يؤدي إلى الحد من الإصابة بأمراض السرطان وأمراض القلب والأوعية الدموية، كما يقلل من معدل الوفيات.
تعريب فريق دار الأكاديمية للطباعة والنشر والتوزيع لملخص محاضرة قدمها الطبيب مصعب قاسم عزاوي باللغة الإنكليزية في مركز دار الأكاديمية الثقافي في لندن.

لا شك أن ما نأكله يؤثر بشكل عميق وجوهري على صحة أجسامنا فعلياً سواء على المستوى البنيوي التكوينيلأعضائناالبدنية أو على مستوى أداءها للوظائف المختلفة؛حيث أن تناول الأطعمة المناسبة يؤدي إلى إرسال إشارة إلى جيناتنا من أجل إنتاج أنواع البروتين في صورتها التي قد تقينا من الإصابة بأمراض القلب ومرض الزهايمر والتهاب المفاصل والأنواع الأخرى من الأمراض الالتهابية بوجه عام. بينما على صعيد آخر، حال أن تناول الإنسان للأطعمة غير المناسبة لصحة جسمه –ونعني هنا الأطعمة التي تحتوي على نسبة عالية من الدقيق الأبيض المكرر والسكر وما إلى ذلك–فإن ذلك من شأنه أن يرسل إشارة إلى جيناتنا لكي تعمل على إنتاج البروتينات التي قد تحفز إصابة الإنسان بأمراض مختلفة ومنها الإصابة بالتهاب المفاصل وآلام الظهر وآلام الكتف وأمراض القلب وفقدان الذاكرة .

وتجدر الإشارة إلى الدراسة التي أجراها الباحث تي كولن كامبل وهي دراسة تحليلية على الصين؛ حيث حددت هذه الدراسة 50 نوعاً من الأمراض المستوطنة في المناطق الريفية في الصين، ثم قارنت هذه الدراسة بين نوعيات الطعام التي يتناولها الصينيون بأنواع تلك الأطعمة التي يستهلكها الأفراد في الولايات المتحدة الأميركية وذلك بهدف محاولة شرح تلك الأمراض والوقوف على الأسباب المؤدية لها، وتوصلت للنقاط التالية:

* بلغت نسبة تناول الدهون في الولايات المتحدة الأميركية ضعفي ما كان يستهلكه الأشخاص في الصين.

*انخفضت نسبة تناول الألياف الطبيعية الموجودة في أنواع الفاكهة والخضروات ثلاث مرات عن مثيلاتها في الولايات المتحدة الأميركية.

*ارتفعت نسبة استهلاك البروتين الحيواني –ومن ذلك على سبيل المثال: لحوم البقر ولحم الخنزير ولحم الضأن –بمقدار 90 في المئة عما هو مستهلك في الولايات المتحدة الأميركية.

*أظهرت الدراسة تضاعف معدلات الوفيات بأمراض القلب لأكثر من 16 مرة في الولايات المتحدة الأميركية بين الرجال وخمسة أضعاف لدى النساء وذلك إذا ما قورنت بما سجلته أعداد الوفيات لدى الأشخاص بالمناطق الريفية في الصين.

*انتشرت بشكل كبير في الولايات المتحدة الأميركية بعض الأمراض والتي منها: السرطان وهشاشة العظام والسكري وارتفاع ضغط الدم بشكل أكبر بكثير عما هو الحال في المناطق الريفية في الصين.

ومما تقدم يظهر جلياً أن دراسة تي كولن كامبل خلصت إلى نتيجة هامة تتمثل في أن الغذاء مرتبط ارتباطاً وثيقاً بنتائج صحية قد تكون إيجابية أو سلبية.

بالإضافة إلى أنه من المعروف لدى أطباء القلب أن بعض الأطعمة يمكن أن تؤثر على كفاءة قدرة الأوعية الدموية على نقل الدم إلى الأعضاء والأنسجة؛ حيث أن الدهون التي تدخل الجسم عند تناول الوجبات الغنية بالدهون ما تلبث إلا أن تنقسم إلى جزيئات كبيرة تسير مع مجرى الدم ومن ثم قد يحدث وأن تسد الأوعية الدموية وذلك عندما تتراكم هذه الجزيئات من الدهون على السطح الداخلي لجدارن تلك الأوعية الدموية.

لذلك، يجب مراعاة أنه إذا ما قلل الإنسان الكمية التي يتناولها من الدهون في نظامه الغذائي، فإن ذلك بلا شك يعني تحسن تدفق الدم إلى عضلة القلب. في حين أنه وعلى العكس من ذلك، إذا حولت النظام الغذائي الذي يتبعه أحد الأشخاص الذين يتمتعون بتدفق جيد للدم واستبدلت طعامه بأنواع من الطعام التي تحتوي على كميات كبيرة من الدهون المشبعة – أي النظام الغذائي الذي يعتمد على سبيل المثال على: لحم البقر ولحم الخنزير ولحم الضأن– فإن ذلك سينتج عنه تناقص الدم المتدفق إلى عضلة القلب وإعاقته بعد مرور بعض الوقت. 

ومن ناحية أخرى، نجد أن الأبحاث لطالما ربطت مراراً وتكراراً بين استهلاك أنواع اللحوم الحمراء أو المُصنعة أوالمُعالجة والإصابة بسرطان القولون؛ وفي هذا السياق، من الجدير بالذكر تلك الدراسة التي أجرتها معاهد الصحة الوطنية الأميركية (NIH)في عام 2010 م؛ حيث شملت الدراسة تحليل نتائج أكثر من 3000 أمريكي تتراوح فئات أعمارهم ما بين 50 إلى 71 عاماً. وأسفرت نتائج هذه الدراسة التي أجرتها معاهد الصحة الوطنية عن تحديد ما يقرب من 2700 حالة للإصابة بمرض سرطان القولون هذا من ناحية، كما خلصت الدراسة من الناحية الأخرى إلى أن اللحوم الحمراء واللحوم المصنعة مرتبطة بشكل كبير بالإصابة بسرطان القولون والمستقيم.

ومثال آخر على ذلك، قد أظهرت الأبحاث التي أجريت في عام 2010 م أن النساء اللائي اعتدن على أكل اللحوم - وبخاصةٍأنواع اللحوم الحمراء واللحوم المُصنعة والمُعالجة–في مرحلة ما قبل تشخيص إصابتهن بسرطان المبيض، فقد كان لذلك السلوك الغذائي أثر سلبي على النتائج السريرية لأولِئك النساء.

ومن جهة أخرى، توجد ثمة علاقة وثيقة أيضاً بين السمنة والإصابة بالأمراض السرطانية؛ حيث سجلت الولايات المتحدة الأميركية ما يقرب من 100000 حالة وفاة في كل عام وذلك بسبب أمراض السرطان المرتبطةبزيادة الوزن، وهو ما يعني أن هذه الزيادة مرتبطة بدورها بوجود الكثير من السكر والكربوهيدرات البسيطة في النظام الغذائي لهؤلاء الأشخاص.

إلا أنه بخلاف كل ما سبق، يوجد جانب آخر مشرق وسار بخصوص هذا الموضوع؛ ويتمثل هذا الجانب في أنه يوجد أيضاً الكثير من الأبحاث حول التأثير الإيجابي للطعام الذي يتناوله الإنسان على الصحة. كما أن هذه الأبحاث توضح لنا ما يجب أن نأكله وكيف يجب أن نتناوله، بل أنها تطرقت أيضاً إلى كميات الطعام التي يجب أن نستهلكها.

أظهرت المحفوظات في أرشيف دراسات الطب الباطني أن تناول أنواع الفاكهة والخضروات في شكلها الكامل - وبخاصةٍ الخضروات الورقية ذات اللون الأخضر–من شأنها أن تحمي الإنسان من خطر الإصابة بأمراض القلب والسكتة الدماغية؛ حيث أن الخضروات الورقية ذات اللون الأخضر تُعد مصدر غني غنية بالكالسيوم والمغنيسيوم كما إنها قليلة السكريات.

كما أظهرت الأبحاث من ناحية أخرى أنه من الممكن تحسين تدفق الدم إلى عضلة القلب من خلال إحداث تغيير في نمط الحياة الذي نحياه فحسب؛ وذلك عن طريق اتباع النظام الغذائي السليم وممارسة التمارين الرياضية والحرص على المشاركة مع مجموعات الأنشطة البدنية الجمعية قدر الإمكان.

ومن الجدير بالإشارة، أن حمية البحر الأبيض المتوسط أو النظام الغذائي المتبع في هذه المنطقة قد حظي بالكثير من الاهتمام مع مرور الوقت؛ وذلك لأنه يوجد بعض المناطق في العالم التي لا يعاني سكانها من الإصابة بالنوبات القلبية؛ وقد توصل علماء الأوبئة إلى أنه من الممكن أن نعزو نقص النوبات القلبية إلى اتباع النظام الغذائي لسكان البحر الأبيض المتوسط.

أما بالنسبة للفئات العمرية الكبيرة في السن، فلقد أثبتت الدراسات أن كبار السن الذين تتراوح أعمارهم ما بين 70 و90 عاماًممن هم يتبعون نظاماً غذائياً متوسطياً (أو النظام الغذائي لسكان البحر الأبيض المتوسط)، ويمارسون ببساطة رياضة المشي لما يقرب من مسافة ميل واحد كل يوم، يتمتعون بمعدل أقل بنسبة تصل إلى 50 في المئة فيما يتعلق بالإصابة بأمراض القلب أو التعرض لخطر الوفاة المفاجئة.

ومن الأهمية بمكان معرفة أن اتباع النظام الغذائي لمنطقة البحر الأبيض المتوسط يؤدي إلى الحد من الإصابة بأمراض السرطان وأمراض القلب والأوعية الدموية، كما يقلل من معدل الوفيات وذلك نتيجة إلى أن هذا النظام الغذائي يعتمد على تناول الفاصولياء، والعدس، والبقوليات والأطعمة الكاملة غير المعالجة مسبقاً، والفاكهة، والخضروات الطازجة، والأسماك.

كما أن الكربوهيدرات التي يشملها النظام الغذائي لمنطقة البحر الأبيض المتوسط تتمثل في الحبوب الكاملة؛ ومن ذلك على سبيل المثال: تناول أنواع الخبز المُعدة من حبوب القمح الكاملة وأكل الأرز البني.

كما يشمل هذا النظام الغذائي نوعيْن أساسيْن مهميْن من الدهون: أولهما،الدهون المتعددة غير المشبعة والتي تتضمن كل من الأوميجا 6 والأوميغا 3. وثانيهما، الدهون الأحادية غير المشبعة والتي تتضمن زيت الزيتون والمكسرات.

كما أنه من جانب آخر، يتطلب اتباع النظام الغذائي للبحر الأبيض المتوسط الابتعاد عن استهلاك الدهون المشبعة والتي منها على سبيل المثال: لحم البقر ولحم الخنزير ولحم الضأن وشحوم الخنزير والدهون بأنواعها والقشدة والزبدة. وبدلاً من ذلك، يُطلب ممن يتبع هذا النظام الغذائي الاعتماد على استخدام زيت الزيتون – الذي يُعد مصدر دهون أحادية غير مشبعة – فضلاً عن الإكثار من تناول العناصر الغنيةبالأوميغا 3، وهي أيضاً من أمثلة الدهون المتعددة غير المشبعة، من قبيل الأسماك والمأكولات البحرية.

وعند استهلاك الإنسان تغذوياً للعناصر الغنية بالأوميغاا 3، ولا سيما إذا كان ذلك على شكل تناول أسماك، فإن ذلك من شأنه أن يرسل إلى جينات هذا الإنسان كي تعمل على انتاج بروتينات تمنع تجلط الدم وتقي الجسم من الإصابة بأنواع الالتهاب المختلفة – أو ما يتعرض له الجسم من التهابات مرتبطة بالإصابة بأمراض القلب، ومرض الزهايمر، والتهاب المفاصل التنكسي؛ ومنْ ثَمَّ، يمكن القول أن هذا يُعد أحد المكونات الرئيسية التي يعزى إليها نجاح النظام الغذائي للبحر الأبيض المتوسط.