مرضى التوحد بحاجة الى الدعم العائلي 'في عينيا'

التوحد بين الرؤية العلمية الأكاديمية والمخيال الشعبي في فيلم تونسي يشارك في أيام قرطاج السينمائية.

تونس - ينافس الفيلم التونسي 'في عينيا' للمخرج والممثل المعروف نجيب بلقاضي في مهرجان قرطاج السينمائي.
ويغوص العمل السينمائي الجديد في عالم مرضى التوحد ومعاناتهم والمشاكل النفسية التي ترهق أجسادهم الغضة الطرية وأرواحهم البريئة.
 ويتطرق العمل السينمائي المشارك في المسابقة الرسمية للمهرجان الدولي الى ضرورة الاهتمام بأطفال التوحد والعناية بهم، ويثمن أهمية ان تغدق العائلة على طفلها مشاعر الحب والحنان حتى يتعايش مع مرضه الصعب والمعقد والغامض.
ويشارك الممثل التونسي الشاب والمقيم في فرنسا نضال السعدي في الفيلم الجديد. 

مهرجان قرطاج
نهضة السينما التونسية

و"في عينيا" من بطولة سوسن معالج وآن باري وعزيز الجبالي والطفل إدريس خروبي ومن اخراج نجيب بالقاضي ومن انتاج شركته "بروباغندا للإنتاج".
وتدور أحداث الفيلم بين فرنسا وتونس ويروي قصة لطفي، المهاجر التونسي المقيم في باريس والذي يضطر إلى العودة إلى موطنه الأصلي للاعتناء بابنه المصاب بمرض التوحد.
ويتسم اضطراب النمو العصبي بصعوبة التفاعل الاجتماعي والتواصل مع الآخرين.
وتتفاوت أعراض المرض من معتدلة تتمثل في صعوبة مراس الطفل المصاب الى عجز شديد وتخلف عقلي.
وطفل التوحد يتجنب النظر في وجوه الآخرين كما أنه يجد صعوبة في تفسير إيماءات الوجه والتي تعبر عن مشاعر الحزن أو الفرح أو غيرها.

ووجدت أبحاث طبية أن مرضى التوحد من الأطفال يجدون صعوبة في فهم صوت الإنسان الذي يبدو غريبا على آذانهم ولا يشعرون باي رغبة لسماعه او التجاوب معه.
وكشف باحثون أن الأشخاص الذين يعانون من اضطرابات مرض التوحد يعانون من ضعف في الاتصال بين المناطق المعنية بمعالجة الصوت في المخ والمعروفة بمراكز المكافأة، مقارنة بالأصحاء، وشددوا على أن الأطفال مرضى التوحد لا يشعرون بلذة الاستمتاع التي عادة ما يشعر بها الطفل الطبيعي عند سماع صوت الآخرين.
وتشير الأبحاث الطبية الحديثة إلى أن اطفال مرضى التوحد يعانون من تبلد المشاعر تماما تجاه صوت الإنسان.
وافاد باحثون سابقا ان مرضى التوحد لديهم معدلات هرمونات النمو أعلى من نظرائهم.
ويتطرق الفيلم الى قصّة لطفي الذي يضطر بعد انفصاله عن زوجته الى العودة إلى تونس اثر اكتشاف اصابة ابنه يوسف الذي هجره في سنواته الأولى بمرض  التوحد.
واستلهم المخرج نجيب بلقاضي فيلمه من صور مؤثرة للمصور الأميركي تيموثي آرشيبالد، يسرد فيها  تفاصيل ويوميات حياة ابنته مع المرض الغامض.
 وسلّط بلقاضي الضوء بلغة سينمائية جميلة على مرضى التوحد كقضية إنسانية فرديّة.
وحمل عنوان الفيلم "في عينيّا" العديد من الدلالات، وهو رسالة على أهمية الحب والاهتمام والعناية.
وتؤكّد أحداث الفيلم على دور الأب في الاهتمام بالابن، فيوسف الطفل المضطرب السلوك استطاع بمساعدة والده النطق والاندماج معه في وقت وجيز.
وقال نجيب بلقاضي في تصريحات صحافية "أغلب الرجال إمّا يهجرون زوجاتهم أو يقدّمون قضايا طلاق عندما يكتشفون أعراض مرض التوحد على أطفالهم"، وشدد على مد جسور التواصل بين الأب والابن المتوحد.
وضمّن نجيب بلقاضي المخرج والمنتج والممثل التونسي المعروف الفيلم المشارك في مهرجانات عالمية بمجموعة من المقترحات هي عبارة عن تمارين يمكن القيام بها لتحقيق التواصل مع الأطفال عن طريق تحفيز انتباههم كاللعب وسط الأضواء الملونة، ومساعدتهم على أداء الإيماءات والحركات.
وأكد المخرج على دور العائلة ومراكز معالجة التوحد في علاج المرض اللغز.
وقال الممثل نضال السعدي إنّ دوره في الفيلم حسّاس ودقيق لأنّه يجسّد علاقة الأب بابنه المتوحّد وكيفية تعامله معه.
وقالت الممثلة سوسن معالج إنها عاشت تجربة "في عينيّا" كأمّ لديها لديها إطلاع على الميدان الدراسي والتربوي ودراية بأمراض العصر على غرار التوحّد.
وأضافت "الفيلم ينطوي على جملة من الرسائل وموضوعه الرئيسي كيفية التعامل مع التوحّد وفيه مراوحة بين النظرة العلمية الأكاديمية التي تضع المرض في إطاره الدقيق والصحيح والمخيال الشعبي الذي يحصره في الخرافات وإقامة الجن والأرواح الشريرة في أجساد المصابين بالاضطراب العصبي والنفسي".
 وينبش المخرج نجيب بلقاضي الذي عرفه الجمهور التونسي في التمثيل في مواضيع جريئة ومختلفة عن السائد.
في مطلع القرن الماضي، كانت السينما التونسية في ما يشبه حالة الموت البطيء، إذ لم تكن تنتج أكثر من فيلمين أو ثلاثة في السنة.
لكن في العام 2012، سجّلت نقلة وصارت تنتج منذ ذلك الحين 12 فيلما طويلا سنويا تلقى استحسان الجمهور المحليّ أكثر من الأفلام الأجنبية.
وتمكن جيل شاب من السينمائيين والمنتجين التونسيين من إثارة مواضيع اجتماعية وسياسية كانت تخضع للرقابة المشددة قبل ثورة العام 2011 وتقديمها في طرح جريء مساهمين في ظهور سينما جديدة بالرغم من قلة صالات العرض.
ويقول الحبيب عطية وهو من كبار المنتجين التونسيين "من أهم مكتسبات الثورة أننا نستطيع الحديث عن كل المواضيع، وخاصة الاجتماعية والمتعلقة بالحياة اليومية، بثرائها وتعقيداتها".
لكن قطاع السينما في تونس يواجه عراقيل عدة، منها تشريعات قانونية عفا عليها الزمن لا تنظّم العلاقة بين المنتجين والموزعين، وعدم توفر نظام لبيع التذاكر عبر الإنترنت.