معاناة أعداء الشمس في 'بنت القمر'

فيلم وثائقي جديد يسلط الضوء على أوجاع وأحلام 'أطفال القمر' وتوقهم الى النجاح رغم ندرة مرضهم ونظرات المجتمع القاسية لهم وقلة الإمكانيات المتاحة لعلاجهم. 

تونس - يسلط الفيلم الوثائقي التونسي "بنت القمر" الضوء على أطفال وشبان في عمر الزهور يعانون من مرض جفاف الجلد المصطبغ لكنهم يتسلحون بالعزيمة وقوة الارادة لهزيمته.
ويفتح الفيلم الوثائقي الجديد المقرر عرضه في قاعات السينما التونسية في الفترة القادمة الأعين على معاناة يعيشها حوالي 1000 طفل في تونس.
آية، لمياء وسهام هن بطلات الفيلم الوثائقي الطويل "بنت القمرة" من إخراج هبة الذوادي وإنتاج ندى المازني حفيظ.   
وتتحدّث البطلات عن معاناتهن الجسدية والنفسية من مرضهن، وسبل مواجهتهن له من أجل تحقيق أحلامهن المختلفة والمفعمة بحب الحياة والامل رغم الجراح والأوجاع ونظرات مجتمع لا يرحم.
وحياة أطفال القمر ليلية، اذ انهم لا يستطيعون التعرض لأشعة الشمس، إن أرادوا البقاء على قيد الحياة، لذا يلازمون منازلهم طيلة النهار في انتظار حلول الظلام.. هم ليسوا مصاصي دماء، كما في القصص الخيالية، لكنهم "أعداء للشمس".

هؤلاء هم "أطفال القَمر" أو "القَمريون"، نسبة إلى عدم قدرتهم على الظهور بشكل طبيعي إلا تحت ضوء القمر، واصابتهم بمرض "الكزيروديرما بيكمنتوزو" أو "التقرح الجلدي الاصطباغي"، الذي يصطلح عليه علميا بـ"XP"
ويفتتح الفيلم الوثائقي الجديد مشاهده بطفلة صغيرة بلباس يشبه زي الفضاء تعانق أصدقاءها في المدرسة، تدخل قسمها تنزع غطاء كان يحمي عينيها من أشعة الشمس فيظهر وجهها مختلفا بتلك البقع التي تكسوه لكنه جميل ومشع كقمر في ليلة ظلماء، هي آية "بنت القمرة".
آية طفلة لم تختر أن تكون من أطفال القمر، وربّما هذا ما جعلها لا تكف عن طرح الأسئلة والتذمر من البقع التي تغزو جسدها، بقع تتكاثر كلما تعرّضت إلى أشعة الشمس.
"لمياء" هي البطلة الثانية في فيلم "بنت الڨمرة"، تحدت مرضها وناقشت رسالة الماجستير في علم الجينات النباتية، لديها حساسية مفرطة للأشعة فوق البنفسجية وفي المقابل لديها قدرة فائقة على تحدي اختلافها.
ولمياء الفتاة الجميلة المفعمة بحب الحياة تخفي الاوجاع الدفينة في قلبها ومحطات حزن وانكسار يعرفها من يغوص في أعماق مشاعرها.
"علاش أنا" تتساءل لمياء وهي تغالب رغبتها في البكاء، هي تريد ان تكون حبيبة وزوجة وأما، هي أنثى ترغب في الحب، لكنها في مجتمع لا يتوانى أفراده عن أن يخلفوا في الآخرين جراحا لا تندمل.

سهام واثقة من نفسها ومؤمنة أنه بعزيمتها فقط يمكنها التغلب على نظرات الشفقة والسخرية في أعين الأخرين.
سهام هي البطلة الثالثة في فيلم "بنت الڨمرة"، على عكس "آية" و"لمياء" سهام لم تشعر أبدا أنها مختلفة عن الآخرين، سهام تحدت مرضها وكل التحذيرات من التعرض للشمس وأمضت يوما كاملا في البحر تحت أشعتها.
ما أقدمت عليه "سهام" يعد انتحارا إذ أن الأمر كان بإمكانه أن يؤدي إلى موتها، ولكنها أرادت أن تثبت لنفسها أنها قادرة على يفعله الجميع.
ويعتبر باحثون أن مرض اطفال القمر جلدي وراثي غير معد، وهو من الأمراض النادرة، ويسبب حساسية جلدية مفرطة لأشعة الشمس، ينتج عنها ظهور بقع سوداء أو بنية في الوجه والعنق، إضافة إلى تقرحات جلدية قد تتحول إلى خلايا سرطانية قاتلة، والتهابات بصرية وترقق شديد في الجفون وفقدان الرموش.
 ويعاني ثلث المصابين به من أمراض عصبية، بينها فقدان السمع والبصر.
بعض هذه الأعراض تؤدي بالمصابين إلى العزلة، فهي تتسبب في تشوهات تدفع البعض إلى تجنب النظر إلى المصابين به، وترفع من احتمال وفاة المرضى في سن مبكرة.
ويؤكد الطبيب محمد الزغل، أن هذا المرض الجيني يتحول الى مرض سرطاني بالنسبة للمرضى غير المحميين، ويتكاثر في الوجه ويمكن أن يشوهه، ويعيشون المصابون به بين 10 و15 سنة ثم يموتون، ولكن بإمكان من يقي نفسه أن يعيش إلى 70 أو 80 سنة.
ويقول محمد زغل: "العلامات الأولى لهذا المرض، وجود القليل من الجفاف في بشرة المصاب به، وكلما اقترب من النافذة يصعب عليه تحمل الإضاءة، لتبدأ فيما بعد وخلال 6 أشهر، البقع البيضاء والبنيّة بالظهور".
وحسب منظمة الصحة العالمية، فإن عدد الأطفال المصابين بـ"التقرح الجلدي الاصطباغي" غير محدد حتى الآن، لكنه في ارتفاع خاصة في المناطق التي يكثر فيها زواج الأقارب.
وينتشر هذا المرض خاصة بين حالات زواج الأقارب، ففي شمال أفريقيا توجد حالة بين 10 آلاف شخص، ثم تأتي اليابان في المرتبة الثانية بحالة لكل 100 ألف، ثم أوروبا بحالة لكل 300 ألف، تليها أميركا بحالة لكل مليون شخص.
وساهمت الجمعية التونسية لمساعدة أطفال القمر في دعم وتمويل الفيلم.
تقوم جمعية أطفال القمر، بتوفير العديد من البرامج والخدمات للمرضى المصابين. 
وتقول عزة البحوري الزغل، رئيسة الجمعية (منظمة مستقلة)، "جمعيتنا خيرية طبية تأسست سنة 2008، وهي مكونة من أعضاء وأطباء وأولياء المرضى، دورها الأساسي يكمن في توفير الوقاية والحماية من الأشعّة فوق البنفسجية للمصابين، لأنه ليست لدينا حاليّا إمكانيات العلاج".

وتتابع: "نوفر لهم مصابيح خاصة دون أشعة فوق بنفسجية، وأشرطة قاتمة لتغليف شبابيك غرفهم المعرضة مباشرة للشمس، وكذلك المراهم الواقية من الشمس والألبسة الخاصة بهم. أهم شيء نقوم به، توعية الأم والطفل بهذا المرض وكيفية الحماية، حتى لا يحصل الضرر، ونحن نقوم بلقاءات بين المرضى وذويهم، لمدة أسبوع أو أكثر، لاتباع نصائح الطبيب، وخلق جو من الألفة بين المرضى".
وبتشخيص المرض تبدأ رحلة معاناة جديدة للمرضى، تفرض عليهم عدم التعرض لأشعة الشمس، وإذا كان إطفاء الأنوار وحلول الظلام يبث الرعب في نفوس الصغار، فالمصابين بهذا المرض على العكس من ذلك يعتبرون الظلام صديقا مؤنسا، فهو متنفسهم للخروج من سجنهم المنزلي إلى الشوارع بلا خوف تحت ضوء القمر.
ويؤكد خبراء أن البحوث العلمية لهذا المرض النادر قليلة جداً، لأنها تتطلب التمويل، وأشاروا الى إشكاليّة التغطية الاجتماعية، فالصناديق الاجتماعية تعترف بتغطية مصاريف هذا المرض في مراحل متقدّمة جداً، في حين أن هناك مرضى في بدايات الإصابة من المفترض أن يحظوا بالتغطية كما اعتبروا ان الطفولة في تونس تواجة العديد من المخاطر سواء كانت صحية أو اجتماعية او اقتصادية.