مقاربات طبيعية لعلاج الداء السكري

من الأهمية بمكان أن يركز الأشخاص الذين هم في مراحل مبكرة على طريق الإصابة بمرض السكري على خمسة عناصر أساسية تتمثل في الآتي: الحرص على التغذية السليمة المتوازنة المعتدلة وممارسة النشاط البدني والاستجابة المتعقلة الهادئة حين التعرض للتوتر والقلق واتباع أنماط النوم السليمة، وتجنب السموم البيئية.
عامل البدانة يُعد الزناد القادح الأساسي للإصابة بمرض السكري من النوع الثاني
قلة النوم من الممكن أن تؤدي إلى حدوث حالات مقاومة الأنسولين بالجسم
يجب ألا نأكل أنواع الطعام التي تؤدي إلى زيادة في الأنسولين بشكل صاروخي

سوف نحاول فيما يلي مناقشة التفاعل بين السكر والكربوهيدراتوالنشويات من جانب، والتمثيل الغذائي والصحة العامة من جانب آخر؛ حيث سوف نسعى لمقاربة مجموعة من الاضطرابات في عملية الأيض أو التمثيل الغذائي لدى مصابي مرض السكري، وذلك بداية من الحالات المبكرة للإصابة بالسكري وصولاً إلى حالات الإصابة الصريحة بمرض السكري. ولكن، يجدر ملاحظة أننا لن نتناول بالنقاش حالات الإصابة بمرض السكري الذي يحدث في وقت مبكر من الحياة نتيجة لفشل البنكرياس، وهو الذي يُعرف على أنه النوع الأول من مرض السكري. وعليه، فنحن معنيون في هذا السياق بتناول نوع أكثر شيوعاً من مرض السكري،والذي ينجم عن طبيعة أسلوب الحياة الذي نعيشه؛ ويشمل ذلك نوعية الغذاء الذي نتناوله ومدى نشاط الشخص من الناحية البدنية وكذلك الطريقة التي يتعامل بها مع ما يتعرض له من ضغوط وتوتر. وهذا النوع الذي نحن بصدد مناقشته يُطلق عليه مرض السكري من النوع الثاني. كما أننا سنزيح الستار أيضاً لنكشف عن بعض الأدوات التي يمكن أن تساعدك على تجنب الإصابة بمرض السكري، بل ومن الممكن أن تؤدي إلى الشفاء منه والتخلص من أعراضه أو تخفيف مفاعيلها.

من الأهمية بمكان أن نعرف حقيقة أن مرض السكري يُعتبر من أهم عوامل الخطر الرئيسية التي تؤدي إلى الإصابة بأمراض الكلى – وقد يصل الأمر إلى الحاجة إلى غسيل الكلى – علاوة على خطر الإصابة بأمراض القلب والسكتة الدماغية؛ بل في واقع الأمر يمكن القول أن مرض السكريمن الممكن أن يؤثر على كل عضو في جسم الإنسان وذلك من دون استثناء.

لذلك، فنحن بحاجة إلى التفكير بشأن تشخيص مرض السكري في ضوء اعتباره نتيجة نهائية لسلسلة أطول بكثير من الأعراض؛ حيث تبدأ هذه السلسلة بحالات مقاومة الأنسولين، هي حالة فيزيولوجية حيث يصبح الهرمون الطبيعي أو الأنسولين أقل فاعلية من ناحية تخفيض مستوى السكر في الدم عبر إدخال السكر الجائل في الدم إلى داخل الخلايا لاستخدامه في وظائفها الاستقلابية الداخلية، بالتوازي مع حدوث المتلازمة الاستقلابية (وتعرف أيضاً بمتلازمة التمثيل الغذائي أو المتلازمة الأيضية) وذلك في مرحلة سابقة لظهور أعراض المرض على الشكل المعروف لحالات الإصابة بمرض السكري بشكل صريح؛ وترجع أهمية الالتفات إلى هذه المراحل المبكرة إلى وجود بعض العلامات التي تشير إلى هذا المرض والتي يمكن معالجتها والانتباه لها وذلك حتى قبل أن تُظهر اختبارات الدم أن الشخص مصاب بمرض السكري.

ولذلك تُعد حالات مقاومة الأنسولين من بين أولى العلامات التي تشير إلى تعرضك لخطر الإصابة بمرض السكري؛ فالأنسولين عبارة عن هرمون ينتجه البنكرياس بشكل طبيعي في جسم الإنسان وهذا الهرمون مسؤول عن التحكم في نسبة السكر في الدم. وتعمل المُحفزات والتي من بينها هرمون الأنسولين أو حتى ممارسة التمارين الرياضية على نقل السكر في الدم إلى الخلايا حيث يمكن استخدامه لتوليد الطاقة اللازمة لجسم الإنسان.

وهكذا يتضح لنا أن حدوث حالات مقاومة الأنسولين تؤدي إلى الإخلال بمسير عملية نقل السكر إلى خلايا الجسم بشكل صحيح؛ وهو ما يحدث في غالب الأمر بسبب حالة الإنهاك التي تصاب بها مُستقبلات الأنسولين الموجودة على سطح الخلايا المُتلقية وذلك نتيجة لحالة التحفيز المتكررة والتي قد تكون بدون توقف تقريباً، التي تحصل عندما يستهلك الشخص كمية من الكربوهيدرات والسكريات بقدر يتخطى ما يحتاجه الجسم في حقيقية الأمر.ومنْ ثَمَّ، تصاب مُستقبلات الأنسولين بحالة المقاومة للأنسولين، وهو ما يعني بدوره أنه يتعيَّن على البنكرياس أن يستمر في العمل أكثر فأكثر من أجل إنتاج المزيد من الأنسولين ليتخطى ما أصاب مُستقبلات الأنسولين من إرهاق شديد. إلا أنه في نهاية الأمر، لن يستطيع البنكرياس الاستمرار في القيام بذلك الجهد المضاعف؛ بل ما يحدث أن البنكرياس يصاب نفسه بإجهاد كبير ويصبح غير قادر على إنتاج ما يكفي من الأنسولين؛ وعندئذ يصبح من الضروري أن يستخدم المصابون بمرض السكري حقن الأنسولين كعلاج لحالاتهم.

في حين أنه من ناحية أخرى، من المهم ملاحظة أن الإصابة بحالة مقاومة الأنسولين ما هي إلا جزء من أجزاء متلازمة أكبر تسمى متلازمة التمثيل الغذائي أو المتلازمة الأيضية؛ وتشمل هذه المتلازمة أربعة مكونات تتمثل فيما يلي: مقاومة الأنسولين وارتفاع ضغط الدم ومعدلات غير طبيعية لاختبارات الكوليسترول الكاملة لدى الإنسان (ويعني ذلك انخفاض معدلات البروتين الشحمي عالي الكثافة (الكوليسترول النافع) / HDL cholesterol،وارتفاع معدلات البروتين الشحمي منخفض الكثافة (الكوليسترول الضار) / LDL cholesterolوارتفاع الدهون الثلاثية بالجسم من الناحية الأخرى) علاوة على المكون الرابع وهو حدوث سمنة البطن (تراكم الدهون في منطقة البطن).

وتجدر الإشارة إلى أنه يوجد ما يقرب من ربع إجمالي عدد البالغين على مستوى العالم المتقدم يعانون من السمنة أو من زيادة الوزن على أقل تقدير.ولذلك، يمكن أن نلاحظ أن عامل البدانة تحديداً يُعد الزناد القادح الأساسي للإصابة بمرض السكري من النوع الثاني.

لذلك، من الأهمية بمكان أن يركز الأشخاص الذين هم في مراحل مبكرة على طريق الإصابة بمرض السكري على خمسة عناصر أساسية تتمثل في الآتي: الحرص على التغذية السليمة المتوازنة المعتدلة، وممارسة النشاط البدني،والاستجابة المتعقلة الهادئة حين التعرض للتوتر والقلق، واتباع أنماط النوم السليمة، وتجنب السموم البيئية.

حيث تجدر ملاحظة أن الغالبية لا يدركون أن قلة النوم من الممكن أن تؤدي إلى حدوث حالات مقاومة الأنسولين بالجسم؛ فقلة النوم شكل من أشكال الضغط على وظائف جسم الإنسان، كما أن التعرض للضغط والتوتر من شأنه أيضاً أن يؤدي إلى ارتفاع معدلات السكر في الدم ويزيد من حالة مقاومة الأنسولين. كما أظهرت الأبحاث أن الأشخاص الذين لا ينامون إلا لمدة خمس ساعات أو أقل كل ليلة يكونون أكثر عرضة للإصابة بمرض السكري عن غيرهم ممن ينعمون بنوم كافٍ.

التغذية عامل جوهري بإمكانه أن يغير من مسار الإصابة بالسكري

كما أن التغذية تُعتبر العامل الجوهري الذي بإمكانه أن يغير من مسار سلسلة الإصابة بمرض السكري؛ حيث يقوم الجسم بهضم ما يستهلكه الإنسان من السكر والكربوهيدرات بمعدلات مختلفة، ويطلق على هذا المعدل للهضم مؤشر نسبة السكر في الدم المرتبط حسابياً بالسرعة التي يحول بها الجسم الطعام إلى سكر.

لذلك، كقاعدة عامة يجب ألا نأكل أنواع الطعام التي تؤدي إلى زيادة في مستوى الأنسولين في الجسم بشكل صاروخي؛ وتتمثل هذه الأنواع من الطعام بشكل أساسي في كافة الأطعمة المصنوعة من السكر المكرر أو التي تحتوي عليه في مكوناتها.

وتؤدي الألياف القابلة للذوبان دوراً جوهرياً في التقليل من معدلات الكوليسترول وسكر الدم عند الإنسان؛ وهذه الألياف القابلة للذوبان تتوافر في الشوفان والنخالة (قشور بعد الحبوب بعد نخلها) والفول والعدس وترجع أهميتها إلى قدرتها على تقليل سرعة امتصاص السكر في الجهاز الهضمي ،و بالتالي تجعل من ارتفاع سكر الدم بعد الطعام تدريجياً و ليس صاروخياً، وهو ما يقلل من الأعباء الوظيفية على البنكرياس ويقلل من احتمالية حدوث مقاومة في مستقبلات الأنسولين للأنسولين نفسه،  و التي يتسارع تكاملها جراء التحفيز المتكرر و المتواتر لتلك المستقبلات على سطح خلايا أعضاء البدن.

وتحتوي الخضروات الورقية ذات اللون الأخضر على نسبة قليلة من الكربوهيدرات؛ وبالأخص نذكر منها الخضروات الصليبية (الخضروات من الفصيلة الكرنبية) والتي منها على سبيل المثال: القرنبيط والبروكلي والملفوف (الكرنب)، وهي تعد خيارات جيدة للغاية لتحقيق غرض تخفيف الوارد من السكريات. علاوة على أنه يوجد بعض الخيارات الأخرى لتقليل الوارد من السكريات مثل تناول البيض والأسماك التي من الممكن تناولها شريطة أن يكون ذلك باعتدال. وكذلك يمكن تناول اللحوم الخالية من الدهون ومن أمثلتها أنواع الدجاج والديك الرومي والتي لن تؤدي إلى حدوث ارتفاع نسبة الأنسولين في الجسم.

أما عن أنواع الفاكهة، فمن الممكن أن تختار الفاكهة التي تمتاز بمؤشر جلايسيمي منخفض، أي بمستوى منخفض من الكربوهيدرات فيها، ومنها على سبيل المثال: التفاح والخوخ والكمثرى والبرقوق والتوت والبرتقال والغريب فروت. في حين أنه من الناحية الأخرى، يجب مراعاة أن بعض الفاكهة الأخرى والتي منها: التمر والموز والعنب والزبيب تحتوي على نسبة عالية من السكر.

وتُعتبر المكسرات ومن أمثلتها الجوز واللوز وجبات خفيفة جيدة، إلا أنه من الضروري أن تحرص على أخذ ما يعادل  15 غراماً فقط من المكسرات متى تناولتها في أي وقت من الأوقات وذلك لما تحتوي عليه من سعرات حرارية عالية.

ومن أمثلة الوجبات الخفيفة التي تجدي نفعاً أيضاً في الوقاية من ارتفاع سكر الدم المفاجئ، من الممكن تناول أعواد الكرفس والجزر الصغير؛ حيث يمتاز الجزر بأنه يحتوي على حمل جلايسيمي منخفض من ناحية، وعلى وجود نسبة عالية من الألياف به من الناحية الأخرى؛لذلك، فهو يساعد على امتصاص السكر ببطء ويخفض نسبة السكر في الدم.

ومما سبق يتضح لنا، أنه إذا ما كان الشخص يحاول خفض معدلات السكر في الدم، فإن هذا يعني أنه يحتاج إلى إيجاد بدائل صحية يستعيض بها عن تناول البسكوت والكعك والحلوى والآيس كريم. وبالإضافة إلى ذلك، يجب الابتعاد عن شرب الصودا أو عصير الفاكهة أو الكحول. بل أنه أيضاً سيتعيَّن على الساعي لتخفيض معدلات سكر الدم في بدنه أن يتوصل إلى بعض البدائل لكل طعام لونه أبيض؛ ومن أمثلة الأرز والخبز الأبيض أو الكعك المُعد من دقيق الأرز أو البطاطس .

وجدير بالذكر أن التوابل والإضافات والنكهات من الممكن استخدامها بطريقة إبداعية تساعد مريض السكري؛ ومن ذلك على سبيل المثال: تسطيع إضافة القرفة - حيث أثبتت الدراسات أنها تساعد على التقليل من نسبة السكر في الدم –وكذلك إضافة القليل من الجوز إلى وجبة الشوفان الكامل المقطّع في الإفطار. ومثال آخر، يمكن أن تستبدل احتساء القهوة مع الكريمة صباحاً بأن تبدأ يومك بشرب فنجان من الشاي الأخضر.

ومن العناصر الغذائية الأخرى التي تساعد بشكل كبير على خفض نسبة السكر في الدم يتصدر الثوم والبصل مركزاً متقدماً في تلك القائمة، لذلك من الضروري مراعاة أن يكونا ضمن ما تركز عليه بشكل عام عند تناول الخضروات ذات الأوراق الخضراء مصحوبة بكميات خفيفة من زيت الزيتون والكركم؛ حيث أن الكركم له أيضاً تأثير صحي كمضاد للالتهابات.

يمكن استخدام نبات الحلبة كأحد أنواع الأعشاب التي تعمل على تقليل نسبة السكر في الدم، علاوة على أنه من ناحية أخرى توجد ثمة خصائص في الخل أصبح من المؤكد أنها تخفض أيضاً من نسبة السكر في الدم.

وبالإضافة إلى كل ما تقدم، من المهم أن يخصص الشخص وقتاً من أجل ممارسة الرياضة؛ حيث أن ممارسة الرياضة تعمل على بناء العضلات وتقلل من الإصابة بحالة مقاومة الأنسولين وذلك عن طريق زيادة المرونة بالنسبة لخلايا العضلات وتقليل ضغط الدم وتحسين مستويات الكوليسترول كما تعزز من شعورك بالسعادة والتمتع بالعافية.

 وفي هذا السياق، تستطيع الاستعانة بجهاز عداد الخطى، وهو عبارة عن جهاز صغير يحسب عدد الخطوات أو المسافة التي يقطعها الشخص أثناء المشي، وحدد لنفسك هدف أن تمشي ما يصل إلى 10000 خطوة كل يوم.

وتوجد فائدة من أهم الفوائد الإضافية لممارسة التمارين الرياضية والتي تتمثل في أنها تساعد على النوم بشكل أفضل؛ وتتضح أهمية ذلك في أن النوم بشكل سليم وكافٍ كما أشرنا آنفاً يُعد خط الدفاع الأول ضد الإصابة بمرض السكري. 


تعريب فريق دار الأكاديمية للطباعة والنشر والتوزيع لملخص محاضرة قدمها الطبيب مصعب قاسم عزاوي باللغة الإنكليزية في مركز التثقيف الصحي المستمر في لندن.