من يبدأ الضربة الأولى في حرب عظمى؟

البحر الأسود قد يكون الشرارة الأولى لحرب عظمى.

عوامل الإثارة في العلاقات الروسية-الأميركية تطرح المواجهة بين القوى العظمى، أمرا محتملا في أي لحظة، في ظل التساؤل عن شكل المواجهة إن كانت حربا سيبرانية أو عسكرية؟

التوتر يزداد حدة بين موسكو وواشنطن، أخذ في البدء شكل مواجهة دبلوماسية، واتهامات متبادلة بالتجسس، ووصل إلى حد إعلان الخارجية الروسية عن تعزيز الولايات المتحدة وجودها العسكري في الجوار المباشر لحدود بلادها، ليأتي التوتر تباعا حسب تطور التحرك العسكري للبلدين في البحر الأسود.

الرئيس الروسي فلاديمير بوتين أكد هذا التعزيز العسكري غير المقتصر على التحشيد الأميركي، وهو يعبر عن قلقه من تعزيز حلف شمال الأطلسي "الناتو" من تعزيز قدراته، وتوسيع بناه التحتية قرب الحدود الروسية.

الأزمة تشتد في البحر الأسود، مسرح المواجهة العالمية المؤجلة، ودافعها واقع شبه جزيرة القرم التي ضمتها روسيا، وما زالت تعترف بها الولايات المتحدة وأوروبا أرضا أوكرانية بالمياه الإقليمية التي تطل عليها. والمواجهة كادت أن تحدث بإبحار المدمرة البريطانية في البحر الأسود قبالة القرم قبل الهجوم على أوكرانيا، وقابلتها طلقات تحذيرية روسية.

الولايات المتحدة وبريطانيا، ودول حلف شمال الأطلسي كلها، ترى أن وجودها قبالة سواحل شبه جزيرة القرم يعد وجودا قانونيا في المياه الدولية، باعتبارها لا تعترف بضمها من قبل روسيا، وهي تتحرك عسكريا في حدود المياه الأوكرانية.

الاتحاد الأوروبي وصلت علاقاته إلى توتر أكثر حدة مع روسيا والسبب هو ضم شبه جزيرة القرم، واجتهد في البحث حينها عن قنوات خاصة به، غير القناة الأميركية التي توجها لقاء جو بايدن وفلاديمير بوتين في جنيف 16 يونيو/حزيران 2021، للتفاوض مع موسكو بغية إيجاد حل لما يراه استفزازا له، بدفع قوي من فرنسا وألمانيا.

رئيس الوزراء البريطاني السابق بوريس جونسون أكد هذا الموقف حين برر تحرك قطع بلاده البحرية قبالة شبه جزيرة القرم، بقوله "نحن لا نعترف بضم روسيا لشبه جزيرة القرم لذا نعتبر أن سفينتنا كانت في المياه الأوكرانية" بالبحر الأسود.

ما أثار احتمال الرعب في مواجهة عسكرية عظمى هو اتهام قائد البحرية الأميركية في أوروبا وإفريقيا، لروسيا بتعمد دفع واشنطن نحو القيام بتوجيه الضربة الأولى، رغم استبعاده هذا الخيار إلا ردا على استفزاز روسي.

أصل الأزمة التي دعت أميركا إلى التلميح بتوجيه الضربة الأولى المنذرة بحرب عظمى، ويتحاشاها العالم أجمع، هو المخاطر التي تتعرض لها الدوريات البحرية لدول حلف شمال الأطلسي في البحر الأسود، نتيجة ضم روسيا شبه جزيرة القرم عام 2014، واتساع مساحات مياهها الإقليمية المحرم على القوات البحرية الأميركية والأوروبية دخولها.

توتر روسي أميركي أوروبي يشتد، ومفاوضات الحد من التسلح، اشتدت جديتها في جنيف قبل سنتين بين خبراء واشنطن وموسكو أملا في "انفراجة كبيرة" ترتقي إلى ما أسماه الرئيس جو بايدن حينها "الاستقرار الإستراتيجي" قد تقلص حجم الخلافات المتعلقة بالهجمات السيبرانية وأزمة أوكرانيا والتحرك في البحر الأسود.

تزامن التوتر مع المفاوضات، هو تكتيك أميركي بلا جدوى، كان هدفه تعزيز التوجه نحو مواجهة الصين الآخذة دور الأولوية في "حروب" جو بايدن، معتقدا بإمكانية تحييد الشراكة الإستراتيجية الصينية – الروسية في مناورات حربية، لكن الرياح تجري بما لا تشتهي السفن.

 لكن لم تتحقق الانفراجة الكبيرة ولم يبلغ أحد الاستقرار الاستراتيجي!

أما الضربة الأولى فلا يفكر أحد بتحمل مساوئها، طالما اكتفى بنزال غير متكافئ في أوكرانيا.