ميسون صقر تناقش بمكتبة الإسكندرية 'سيرة مكان ثقافي'

الكاتبة الإماراتية في اللقاء المفتوح تصف كتابها 'مقهى ريش.. عين على مصر' بأنه كتاب سيرة مدينة.
نشوى الحوفي: ميسون صقر تتحدث عن مصر أكثر مما يتحدث عنها أبناؤها

استضافت مكتبة الإسكندرية الكاتبة الإماراتية الكبيرة ميسون صقر في لقاء مفتوح لمناقشة كتابها "مقهى ريش.. عين على مصر" الصادر عن دار نهضة مصر، والحائز على جائزة الشيخ زايد للكتاب 2022، ناقش الكتاب كل من الكاتب والناقد الكبير شعبان يوسف والشاعر والناقد الكبير د.هيثم الحاج علي، وقدمت اللقاء الكاتبة الكبيرة نشوى الحوفي.

حيث أشارت نشوى الحوفي في تقديمها للكتاب والكاتبة إلى أن ميسون صقر هي العربية التي تمتلك كل مشاعر الانتماء لوطنها الأم ولوطنها الأم أيضا مصر، فتتحدث عن مصر أكثر مما يتحدث عنها أبناؤها، وأشادت الحوفي بنجاح صقر في ألا تحاكم أحد، وضربت مثالا على ذلك بسردها حكاية وثيقة خطبة العرش للخديوي إسماعيل دون أن تقول رأيها.

وأضافت الحوفي أن مقدمة الكتاب كان أكثر ما جذبها في بداية قراءتها للكتاب، حيث تقول صقر في مقدمتها له: "عين على مصر، والعين عليها حارس، وعين الحسود فيها عود، وقولوا لعين الشمس ما تحماشي، وعيني يا عيني على الولد، وعين شمس، وعين الصيرة، والعين السخنة، وعين السلسبيل، وعيني بتدمع، وقلبي بيبكي، عين الحقيقة، وعين الحياة وأنف وثلاثة عيون، عين موسى، مجرى العيون، عيون القلب، عيون بهية".

من جانبها، عبرت ميسون عن سعادتها بوجودها بمكتبة الإسكندرية، مضيفة أنها نشأت في القاهرة، وتعلمت من طفولتها أن تتعامل مع كل صغيرة وكبيرة في هذا المجتمع، ولاحظت أن من يعيش في القاهرة يغض الطرف عن بعض التفاصيل، نظرالكثرة التاريخ المزدحم وكثرة التفاصيل داخلها وداخل مصر بشكل عام.

وأشارت ميسون أنها حاولت أن تكتب عن القاهرة، ولكن مهما كتبت لا تستطيع أن تكتب بقدر تاريخها، وبقدر هذا التاريخ المتروك فوق بعضه وحول بعضه ومع بعضه، لذلك دخلت من منطقة صغيرة جدا، مثل الطائر المحلق كلما نظر من أعلى وجد المدينة، وكلما نزل إلى تحت وجد المقهى، وهو مقهى الوطنية المصرية وليس مقهى السلطة المصرية مثل جروبي الذي كان يضم الحلفاء.

وأكدت أنها في بداية الكتابة كان هناك الكثير من الوثائق، فقامت بتحليل هذه الوثائق والقراءة عن هذه الأزمنة، فكل مخطوطة أو وثيقة هي بمثابة وثيقة عن مصر وليست عن المقهى فقط، بعض هذه الوثائق مكتوب بخط اليد، والبعض الآخر بالآلة الكاتبة، وهذا يعبر عن تاريخ الطباعة في مصر.

ومن الأحداث الهامة التي وثقتها داخل الكتاب، منع الموسيقى في المقهى في فترة من الفترات، وهذا تاريخ للحرب في ذلك الوقت، كذلك "أم كلثوم" تغني في ريش، وهذا تاريخ للفن المصري في ذلك الوقت، ومنها علاقة نجيب محفوظ بهذا المقهى، الغناء والطرب والمسرح، ومن كان يقف جانب مصر من اليونانيين ومن كان يقف ضدها، فكان هناك مداخل لأحاديث كثيرة داخل الكتاب الذي اختصرته الكاتبة حوالي 20 مرة حتى يكون بهذا الشكل الذي تجاوز عدد صفحاته الـ600 صفحة.

وفي بداية حديثه تساءل الناقد شعبان يوسف عن كيف غاب عن عيون الباحثين والمؤرخين المصريين الحديث عن مقهى ريش؟ وأكد أنه من أنصار أن الكتابة بدون معلومة لا يعول عليها، وأضاف أن كتاب ميسون مليء بالمعلومات التي أضافت إليه، فيتذكر بعض مما نسي منها أو يعلم معلومة جديدة لم يكن يعلمها من الأصل، ووصف يوسف الكتاب بأنه مثل الجسد، بينما مقهى ريش هو قلب الجسد، وأوضح كيف مزجت صقر البعد الجغرافي في الكتاب، حيث دللت اللغة بعشق للمكان.

وأضاف "لقد تحدثت ميسون عن تعاقب المجتمعات القاهرية، ولكنها ركزت على القاهرة الخديوية التي نشأت حول مقهى ريش، وقد شمل كتابها أكثر من بعد، البعد الوثائقي، حيث جاءت بكل الوثائق عن المقهى، والبعد الفني، والوطني للمكان. وهذا الكتاب يجمع بين الإمتاع والإفادة.

وأشار أنه يختلف معها في بعض التفاصيل مثل وصفها المظاهرة التي قادها يوسف إدريس ضد كامب ديفيد من مقهى ريش بالحاشدة، وفي حقيقة الأمر كان قوامها عدة أفراد فقط.

فيما تحدث د.هيثم الحاج علي عن الوعي الجمعي المصري، حيث أكد أن الاختزال جزء من ثقافتنا، فنحن نختزل مصر في القاهرة، بل أنه رغم أن كنية الرسول الكريم المعروفة هي أبوالقاسم ولكن في بحري كنيته أبوإبراهيم (لأنه ابن مارية القبطية).

وأكد أنه رغم تكرار "صقر" أنها لم تستخدم المنهج العلمي في الكتاب، إلا أنها تتبع منهجا علميا بالفعل.

وأشار أن الميدان يمتلئ بالتاريخ من خلال التراكمات بين البشر بعضهم البعض وبينهم وبين المكان كمكون للوعي الجمعي.

وعن عنوان الكتاب "عين على مصر" يرى أنه نوع من الاختزال أيضا، مثلما نعجب بشخص فنقول له: يا عيني عليك، إذن فالعنوان يشير إلى عين تحيط مصر بالمحبة.

شعبان يوسف: الكتابة بلا معلومة لا يعول عليها، وكتاب ميسون غزير بالمعلومات

وأضاف الحاج علي أن ميسون تطرح من خلال كتابها نفس سؤال الكاتب الكبير أسامة أنور عكاشة في مسلسل "أرابيسك": من نحن؟ وما هي هويتنا؟

فتضع "ميسون" عدسة لتجعلنا نرى التراكمات التي كونت تلك الهوية.

ومن المعلومات الهامة التي ذكرتها صقر في كتابها وهو أمر مثير للدهشة، أن بلد فيها أقل من 50 ألف شخص، بها 1200 مقهى، وكان هذا في أواخر القرن الـ19، وهذا يشير لفكرة أن المقهى هو خلق مجتمع يمكنه أن يناقش أموره فيه بالشكل الذي يخطط له، لذلك هناك مقاهي متخصصة كما أشارت ميسون مثل مقاهي الحرفيين.

وأضاف أنه وقت تأسيس قهوة ريش لم تكن الطبقة الوسطى قد تبلورت بعد، حيث بدأت تتبلور في ثورة 19، وكان هناك في مصر طبقتين فقط هما طبقة الأرستقراطيين وطبقة والبروليتارية.

والكتاب العظيم في رأي الحاج علي يكون فيه عامل من 3 عوامل هي:

  1. يترك بداخل قارئه بصمة
  2. يفجر داخل القارئ مجموعة أسئلة
  3. يرشحه القارئ للقراءة.

وفي "مقهى ريش" لميسون صقر توفر الثلاثة عوامل.

ومن جانبه أشاد الروائي والشاعر الكبير أحمد فضل شبلول بتنظيم مكتبة الإسكندرية للقاء مع الكاتبة ميسون صقر، كما أشاد بجهدها المتميز في توثيق مقهى ثقافي مهم في تاريخ مصر، كما يوثق لجزء مهم من الحركة الثقافية المصرية في ذلك الوقت، وهذا الجهد الذي فات المثقفين المصريين جمعه فجمعته هي بمحبة كبيرة، وأضاف شبلول أن الكتاب يوثق ليس للمكان فقط، ولكن لأحداث وشخصيات مهمة ارتبطت بها على مدار أكثر من قرن من الزمان.

وتصف الكاتبة كتابها في سردها له فتقول: "الكتاب سيرة مدينة من خلال المقهى، وترددات الحكي تعيد صياغته في سردية كبرى مع المدينة والواقع، كنت أنظر كمن يكتشف أن كل شيء يحدث في المدينة له تشكله في المقاهي والطرقات، وهناك أماكن اختصها التاريخ لتصبح جزءا من مرآة الواقع في تجلياته وتأثيراته بأشكال متعددة، سواء في صياغته اللغوية، أو تشكل ثقافته، أو تعدد صوره، فهذا المقهى مثلا رغم إدارته غير المصرية، إلا أنه اختص بتاريخ مصر من حيث الغناء والثقافة والتاريخ الموازي بدرجة عملية بما يحدث خارجه".