نجاة السعيدي حامد ريفية في مجتمع مدني معاصر  

الشكل الإجتماعي للمرأة الريفية تغير وتجاوز عملها حدود الحقل الذي تعمل فيه، حتى اتسعت دائرة حضورها في مجتمع أوسع.
"المرأة الريفية أنت الأقوى" مبادرة أطلقتها السعيدي في إنشاء أول جمعية تنموية في خارطة منظمات المجتمع المدني التونسي
الهدف من المبادرة انتشال المرأة من واقع همشها في مراحل من الزمن، وشل دورها في حركة التنمية الاقتصادية

تغير الشكل الإجتماعي للمرأة الريفية، وتجاوز عملها حدود الحقل الذي تعمل فيه، حتى اتسعت دائرة حضورها في مجتمع أوسع، أضحت فيه الفاعل في الدائرة الإقتصادية المتكاملة، فدورها لم يقف عند حد الإنتاج حين وصل إلى التحكم بنظم تسويقه، وتنظيم علاقات حضارية منتجة في مجالات الحياة كافة .
وتقف نجاة السعيدي حامد أنموذجا تونسيا معاصرا في هذا العالم الاجتماعي المتغير، إذ تراها في قمة ربوة، تتأمل أرضا تنتظر حرثا يكشف عن خزائن عطاء يثري الإنسان، ويجدد بقاءه شامخا.
"المرأة الريفية أنت الأقوى" كانت مبادرتها التي أطلقتها في إنشاء أول جمعية تنموية في خارطة منظمات المجتمع المدني التونسي، هدفها انتشال المرأة من واقع همشها في مراحل من الزمن، وشل دورها في حركة التنمية الاقتصادية. 
استقطبت مبادرتها اهتماما وطنيا وعربيا وعالميا، حتى تمكنت من فتح أبواب الحوار مع المؤسسات الاستثمارية في العالم، لجذب استثمارات زراعية، ترتقي بأهدافها الاقتصادية الكبرى على أرض الواقع.
أدركت نجاة سر قوة تنبض في داخلها، تحركها إرادة أقوى في فرض وجودها، امرأة تأبى الركون في زوايا الاسترخاء، أو الاعتكاف في محراب العزلة، فعبرت الحدود الإقليمية، ودونت حضورها في برلمان المرأة العربية، الذي كرمها بشهادة التميز والاقتدار، وطرقت أبواب القارة الإفريقية، فتفاعلت مع نضال المرأة فيها، ونقلت إليها تجربتها الوطنية. 
كسرت كل الحواجز، فوحدت بنهوضها جنس البشر في أداء أدوار الحياة، أنثى تتعادل قدرتها مع الرجل، فتنتزع مكانتها في مركز القرار، مشرعة، منتجة، راسمة لرؤية استشرافية، ترسي دعائم النهوض دون انقطاع.
لا تجد حياة تتمناها في أزقة ضيقة، تنتهي بجدار عازل، فرحلت باحثة عن أفق أوسع، في مساحات غير متناهية، حيث يبدو الخيط الفاصل بين الأرض والسماء ماثلا في رؤيا البصر.
فأثثت بيتها في ريف هادئ، تلفحه نسمات جنوب المتوسط، يسقي نهر مجردة أشجار الزيتون الملتفة حوله، صفوفا صفوفا منتظمة. 

دورها لم يقف عند حد الإنتاج
تنتظر جني الزيتون

تنتظر نجاة جني الزيتون، في مواسم فرحها الدائم، ثمار جهد، تستقيم فيه قامتها بعد انحناء، ريفية هي، ما انقطع نظرها إلى السماء، تنتظر غيثا تدر به غيوما، تزهر بقطراته أغصان "شَجَرَةٍ مُّبَارَكَةٍ زَيْتُونِةٍ لَّا شَرْقِيَّةٍ وَلَا غَرْبِيَّةٍ يَكَادُ زَيْتُهَا يُضِيءُ وَلَولَمْ تَمْسَسْهُ نَارٌ".
هي ذي مسيرة حياة، بدأتها تأملا أنجب فكرة، تتحقق في واقع متاح، منهاج لتحقيق إرادة ذاتية، تسمو بأهدافها، التي كتبتها في ورقة مذكراتها ذات يوم طفولي، رأت فيه عز منزلة تنتظرها في يوم آت.
أما العز الذي بلغته في حقل ريفي، لم ينسها مبدأ العيش مع الآخر، فهي المدركة أن "الأنا" المعزول في ركن أنانيته، لن يضمن البقاء لها إنسانا فاعلا في دنياه، حتى فتحت الأبواب على آفاق عالم أوسع، عالم متحرك في مجتمع مدني، يقف مؤمنا فوق قواعد عصر جديد.
لقد استقطعت جزءا من أراضيها، فأنشئ فوقه مركز للنهوض بقدرات المرأة الريفية، وإعدادها كادر منتج يتحكم بآليات الصناعات التحويلية، التي تدعم الحركة الإقتصادية، فيتصاعد مؤشر نموها.
التجربة اتسعت وفق طموحاتها، فكان لمركز التكوين الفلاحي فروعا في جل الولايات التونسية، تستوعب مقاعدها المرأة والرجل معا، وهي المسؤولة عن إعداد الكادر الشابي في بعث المشاريع الفلاحية.  
أملها كان أكبر وهي تتجول في معرض باريس للصناعات الغذائية، إذ ترى فلاحة تونسية، تكفلت هي بإعدادها، تعرض منتوجاتها في معرض دولي. 
حين ترى هذه المرأة التي انتزعت مكانتها القيادية في الاتحاد التونسي للفلاحة والصيد البحري، لا يخيل إليك إنها ناشطة، منتجة في القطاع الريفي، بشعرها المصفف، وأناقتها المبرمجة في أحدث دور الأزياء، وعطرها الباريسي الأخاذ.
مشهد الحياة تغير، هكذا ترى نجاة الحياة الريفية الجديدة، نظرة أخرى تلغي المفهوم التقليدي المتوارث لـ "فلاحة" تحرث وتحصد تحت أشعة الشمس الحارقة، أو تتساقط فوق رأسها المغطى بقبعة صوفية حبات الثلج في فصل شتائي، ينسيها الاعتناء بجمالها الأنثوي.
لكن لا تنسى حياة البؤس في حقول زراعية، متباعدة عن مراكز المدن، تفتقر لبعض مقومات الحياة، لا تخفيها، مع الأمل في الإرتقاء بها، أمل مازال يحدوها، هو محرك نضالها في مبادرة "المرأة الريفية أنت الأقوى" التي تقودها في تونس.
نجاة السعيدي حامد رئيس منظمة "المرأة الريفية أنت الأقوى" فتحت التجربة أمامها الآفاق، حيث نصبت رئيسا للمنظمة العالمية "المتوسط لتنمية الثقافات" في تونس قبل تأهلها للمراحل النهائية نحو اعتلاء الكرسي الملكي في البرنامج العالمي "الملكة" بهدف النهوض بالمرأة اجتماعيا واقتصاديا وثقافيا، وإيصال صدى صوتها لمركز القرار السياسي في كل مكان.