نجاتي من كورونا وحقيقة كسر حجازي

الشاعر الكبير أحمد عبدالمعطي حجازي وحقيقة الكسر الذي أدخله المستشفى.
حجازي: إغماءة باغتتني داخل شقتي فتسببت في كسر المنطقة الرابطة بين الساق والقدم
أطمئن قرائي بأنني بخير وسأعود إلى بيتي

تضاربت الأخبار التي تداولتها المواقع الإلكترونية حول ما حدث للشاعر المصري الكبير أحمد عبدالمعطي حجازي الثلاثاء الماضي؛ فمن قائل إنه تعرض لكسر في القدم، وفي الخبر ذاته يذكر أنه أصيب بكسر في الساق دون إدراك للتناقض الوارد في سياق واحد، فضلًا عن عدم توضيح الأسباب التي أدت إلى حدوث هذا الكسر للشاعر العربي الكبير.
وعلى الرغم من أنني - بأمر طبيبتي الدكتورة آمال سمير ونجت، استشارية الأمراض الوبائية، ورئيس قسم بمستشفى حميات العباسية، قد أكدت علي ألا أتحدث مع أحد لمدد قصيرة كانت أو طويلة حتى لا تتراجع حالة رئتي التي أجهز عليها فيروس كورونا المستجد في جولتين أولهما في منتصف ديسمبر/كانون الأول 2019، قبل أن تعلن منظمة الصحة العالمية أن هذا الفيروس يشكل وباءً أو جائحة، وقبل أن تسجل حالات في مصر أو في منطقة الشرق الأوسط، وأما الجولة الثانية فهي التي هاجمني فيها هذا الفيروس الملعون في الأسبوع الأول من يناير/كانون الثاني المنصرم 2021 فأجهز علي تمامًا وأوصلني إلى حدود العالم الآخر ولم يعيدني إلى الحياة سوى معجزة إلهية، رأت أن للعمر بقية رغم نفاد الأكسجين من الرئتين لعجز الحويصلات الهوائية عن توفير الأكسجين اللازم لأجهزة الجسم المختلفة بسبب فتك الفيروس لها، وعجز الجيب عن خوض تجربة دخول قسم العناية الفائقة في المستشفى الاستثماري ذي الاسم الرنان الذي توجهت إليه للعرض على استشارية الصدر التي تعتني بحالتي منذ سنوات، ولكنني فوجئت بها في هذه المرة تمتنع عن توقيع الكشف علي وترفض سماع صوت رئتي كما عودتني لتحديد مسار العلاج، وقالت: طالما أنك مصاب بالكورونا فأنا لن أوقع الكشف على رئتيك، وأمام تدهور حالتي خلال الدقائق التي قابلتها فيها، فإنها قالت: كتبت لك دخولا حالًا لأن حالتك خطيرة للغاية، فسألتها: وكم تحتاج المستشفى من أموال لتسمح لي بالدخول وكم ستحتاج لأكمل علاجي بها وأخرج بالسلامة. فأجابتني: مبالغ كبيرة بالطبع، وأنا نفسي كطبيبة لو اضطررت للدخول فلن أتمكن أنا الأخرى من سداد المطلوب.

حجازي عازم على مواصلة العكوف في بيته وفقًا للاحتياطات التي يتخذها للتحصن من الإصابة بهذا الفيروس اللعين
 

قلت لها: إذن أنا أمام المستحيل. فقالت: ليس بيدي سوى أن أكتب لك تقريرًا ربما يمكنك من دخول إحدى مستشفيات العجز إذا وجدت مكانًا.
فصمت ولاحظت هي تراجع حالتي، ومع ذلك سألتها: وماذا لو اشتريت جهاز توليد الأكسجين لأعالج نفسي في بيتي وأجعل منه غرفة عناية؟
فهزت رأسها، ثم قالت ولكن هذا الجهاز غير متوفر في السوق، ونصحتني بالاتصال بشخص ربما يساعدني في جلبه لي مقابل 18 ألف جنيه، ونظرًا لسوء حالتي أو سرعة تراجعها طلبت من زوجتي تدبير سيارة تاكسي تعيدني إلى البيت لأقابل مصيري فيه.
وما أن وصلت للبيت اكتشفت أنني غير قادر على ارتقاء درجات سلم الطوابق الثلاثة التي توصلني إلى شقتي، وتحاملت على نفسي إلى أن وصلت إلى سريري، مما زاد من تراجع الحالة، وفوق سريري قلت لزوجتي: اطلبي لي هذا الشخص من موبايلي "أحمد رمزي" مورد الأجهزة الطبية، الذي ما أن وصله صوتي منهكًا، فعلم أنني في أحرج حالة بسبب تراجع نسبة الأكسجين في الدم، وأبلغني بأن هذا الجهاز غير متوفر في السوق بسبب شدة الطلب عليه، لكنه عاد وطلبني بعد أقل من 10 دقائق ليبلغني أنه نجح في الوصول إلى جهازين؛ أحدهما أميركي وثمنه 20 ألف جنيه، والثاني صيني قرر أن يبيعه لي مخفضًا بـ 15 ألف جنيه، وقال: خلال ساعتين ونصف يكون عندك، فقلت له: مش حيلحقني! ولكن إبعثه.
وكانت المفاجأة أن يدق مندوب الرجل باب شقتي بعد نحو 35 دقيقة فقط. وأمام إدراكه أنني في الهزيع الأخير نجح في تشغيل الجهاز وتوصيله بفتحتي الأنف، وكأنه أعطاني قبلة الحياة ليبدأ وضعي الصحي في الاستقرار شيئًا ما. 

أحمد عبدالمعطي حجازي
حجازي أمام باب شقته

أعتذر لقارئي العزيز لأنني خرجت عن سياق موضوعنا، وهو إصابة الشاعر العربي الكبير أحمد عبدالمعطي حجازي بكسر، ونقله إلى إحدى المستشفيات الاستثمارية الشهيرة القريبة من بيتي في مدينة نصر، لأنني في الحقيقة خرجت عن تعليمات طبيبتي الدكتورة آمال سمير بعدم إجهاد الرئة في أي حديث قصيرا كان أم طويلا، إلا أن بلوغي نبأ نقل الشاعر حجازي إلى المستشفى خلو من أية تفاصيل جعلني أتخيل أن صديقي الكبير الذي طالما نصحني ونصحته بضرورة اتخاذ الإجراءات الاحترازية الكافية لعدم الإصابة بهذا الفيروس الملعون وتأكيده لي أنه لا يخرج من بيته ولا يقابل أحدًا، تمامًا كما أفعل الآن، فضلًا عن أن ما جادت به المواقع الإلكترونية والصحف الورقية من أخبار حول إصابة الشاعر الكبير بكسر ونقله إلى المستشفى لم تكن دقيقة في إحاطتي وغيري من عشاق هذا الشاعر الكبير وأصدقائه بحقيقة وضعه المرضي.
ومن هنا قررت أن أقطع الشك باليقين وأتصل به، فأوضح لي أنه أصيب بإغماءة في الحادية عشرة من صباح الثلاثاء الماضي داخل شقته الكائنة في الطابق الخامس في إحدى بنايات شارع الحجاز قرب محكمة مصر الجديدة، مما أدى إلى سقوطه على جانبه الأيمن وإصابته بكسر في المنطقة الرابطة بين الساق والقدم، وأوضح لي صديقي الشاعر الكبير أنه خاضع للعلاج حتى السبت، لكن الأمر الأهم بالنسبة إليه هو أن يوضح له الأطباء السبب الحقيقي وراء هذه الإغماءة التي باغتته عدة مرات من قبل. وفهمت منه أن لا أحد يرافقه في المستشفى من أفراد أسرته، ولكن زوجته الدكتورة سهير عبدالفتاح وأنجالهما: مها وزباد وعمرو يزورونه يوميًا، كما أن ابنته ريم المقيمة في باريس هاتفته لتطمئن على حالته  الصحية.
وأكد لي شاعرنا الكبير أن حالته المعنوية مرتفعة، وأنه عازم على مواصلة العكوف في بيته وفقًا للاحتياطات التي يتخذها للتحصن من الإصابة بهذا الفيروس اللعين، ثم اتجهت المكالمة إلى سؤاله عما حدث لي وكيف أن القدر كتب لي عمرًا جديدًا بسبب مهارة هذه الطبيبة التي تعاملت مع حالتي بقدر عالٍ جدًا من الاحترافية في مواجهة مثل هذه الأوبئة، ومما أهلها لذلك تجاربها الممتدة في مستشفى حميات العباسية التي تعتبرها مدرسة لتخريج الأطباء المهرة في التعامل مع الحالات الحرجة والأكثر إنسانية.