نظرة على جذور الاحتفالات الشعبية برحلة العائلة المقدسة في مصر

الرحلة تشكل احد اهم معالم الحقبة التاريخية والعقيدة الدينية لدى مسيحي العالم عامة واقباط مصر خاصة وقد استمرت قرابة الثلاث سنوات داخل الاراضي المصرية وارتبط مسارها بالعديد من الطقوس لدى كافة طوائف المجتمع المحلي بقطبيه لما لها من سمات وخصائص جمعت العديد من عناصر الموروث الثقافي الشعبي.

تعد الاحتفالات الشعبية احد وسائل التعبير الجماعى لافراد الجماعة والتي تمكنهم من ممارسة عاداتهم ومعتقداتهم الراسخة في وجدانهم مما يتوافق وتاريخهم وثقافتهم الشعبية، وهي ضرورة اجتماعية وميراث توارثوه من الاجداد والاباء من شأنه تلبية احتياجاتهم الطقسية المرتبطة بعقيدتهم الدينية، وأحد الممارسات الشعبية التي تحمل بين جوانبها العديد من فنون الابداع الشعبي العقائدي.

ان الاحتفالات الشعبية لدى المجتمع المصري تتوافق تاريخيًا وحضاريًا مع الخلفية الثقافية لدى المصري منذ نشأته حيث اهتم المصري القديم بتواريخ محددة خلال العام بدأت في اول الامر ذات طابع ديني ثم ما لبثت ان تحولت الى احتفالات شعبية ويرى ولكنسون ([1]) انه لا يوجد شعوب اكثر مرحًا وبهجة من الشعب المصري في طقوسه الاحتفالية.

        وبرغم تعدد انواع الاحتفالات الشعبية في مصر الى انها جاءت جميعًا محملة بطابع فلسفي واحد نبع من العقيدة الدينية لدى المصري القديم وان حمل في ظاهره سمات متعددة ومختلفة.

لذا شكلت رحلة العائلة المقدسة احد اهم معالم الحقبة التاريخية والعقيدة الدينية لدى مسيحي العالم عامة واقباط مصر خاصة، وقد استمرت هذه الرحلة قرابة الثلاث سنوات داخل الاراضي المصرية، وقد ارتبط مسار رحلة العائلة المقدسة بالعديد من الاحتفالات الشعبية لدى كافة طوائف المجتمع المصري بقطبيه، لما لها من سمات وخصائص جمعت العديد من عناصر الموروث الثقافي الشعبي.

كونت الخلفية التاريخية والارض الواحدة والاعياد الشعبية سمات اساسية اجتماعية لقطبي هذه الامة من مسلمين ومسيحيين ويشير د/ محمد الجوهري([2]) الى ان "الكثير من المعتقدات المصرية هي ارث مشترك يؤمن به الشعب على اختلاف فئاته وبيئاته بل على اختلاف دياناته رغم تعارض اكثر تلك المعتقدات مع العقائد السماوية " ويعلل د/ الجوهرى ذلك ويرجعه الى وحدة الجذور القديمة ويرى ان " هذه الظاهرة إن دلت على شئ فإنها تدل على ان اغلب المعتقدات الشعبية تستمد جذورها من مصادر اقدم من الدين السماوى واسبق عليه في الوجود " ([3]).

        اننا اذا نظرنا الى العقيدة المسيحية نجدها قد قامت على فكرة القدسية والتقديس واعتبر السيد المسيح هو المصدر الاساسي للقداسة وان حياته هي الحياة المثالية للقديسين، وان الله هو القدوس الاعلى صاحب القداسة الالهية يهب من يشاء من الانبياء والصالحين عطيه من عطاياه وهي القدسية.

        فالقديسون في المعتقد الشعبي هم الصالحين يشبهون في ذلك الاولياء ويذكر لهم بعض الكرامات والمعجزات التي تخالف في طبيعتها قوانين الطبيعة ([4]).

وقد ارتبطت الاحتفالات الشعبية لدى اقباط مصر بثلاث مناسبات اساسية وهي : احتفالات ارتبطت بحياة السيد المسيح، احتفالات ارتبطت بحياة احد القديسين، واحتفالات ارتبطت بأحداث تاريخية في تاريخ الاقباط.

لذلك نجد ان الاحتفالات الشعبية القبطية توافق تاريخ ثابت من كل عام يحسب طبقًا للتقويم لقبطي ويحدث مرة واحدة في العام، ويشارك في تلك الاحتفالات جموع الشعب المصري بقطبيه وترتبط بالعديد من العادات والمعتقدات والممارسات الشعبية التي تأتى ك انعكاس لثقافة الجماعة الشعبية.

ويأتى مسار رحلة العائلة المقدسة على رأس تلك الاحتفالات الشعبية بما له من جوانب متعددة تدخل ضمن تشكيل نسيج هذه الامة، وهي اهم عناصر التراث لقبطي واحد مكونات الهوية القبطية حيث شقت السيدة مريم العذراء الطريق الى مصر بصحبة ابنها المسيح عيسى عليه السلام ومعهما يوسف النجار هرباً من بطش هيرودوس.

ويضم مسار العائلة المقدسة 25 نقطة تمتد لمسافة 3500 كم ذهابأوعودًة من سيناء حتى اسيوط ويحتوى مسار العائلة المقدسة على العديد من الكنائس والاديرة الدالة على مرور العائلة المقدسة بهذه المواقع، وتقام الاحتفالات الشعبية يوم 24 بشنس الموافق 1 يونيو من كل عام وهو تاريخ دخول العائلة المقدسة الى مصر حتى يوم 28 يونيو/حزيران وهوتاريخ انشاء اول كنيسة حملت اسم السيدة مريم العذراء في العالم كانت على النحو التالى : -

بدأت الرحلة من مدينة رفح الشمالية مروراً بمدينة الفرما - بورسعيد حتى بلدة سخا بكفر الشيخ وتل بسطا بالشرقية وسمنود بالغربية.

انتقلت العائلة المقدسة بعد ذلك الى وادي النطرون حيث دير الانبا بشوى وديرالسريان ودير البراموس ثم دير القديس ابو مقار.

عقب ذلك اتجهت العائلة المقدسة الى منطقة المطرية ومسطردثم كنيسة زويلة ثم كنيسة ابو سرجة بمنطقة مصر القديمة.

اتجهت العائلة المقدسة من منطقة مصر القديمة الى منطقة المعادى وهي نقطة عبور العائلة المقدسة عن طريق نهر النيل وصولًا الى دير جبل الطير بالمنيا.

اعقب ذلك الاتجاة الى اسيوط حيث دير المحرق وتم تدشين اول كنيسة هناك على يد النبى عيسى عليه السلام ثم انتقلوا الى مغارة درنكة.

سلكت العائلة المقدسة ذات الطريق مجددًا للعودة الى الوطن في بيت لبحم ([5]).

حظيت الاماكن التي مرت بعا العائلة المقدسة خلال رحلتها داخل الاراضي المصرية مكانة خاصة لدى قطبى الامة وهي دلالة واضحة على الهوية الثقافية المصرية،وتتم الاحتفالات الشعبية بنقاط رحلة العائلة المقدسة حيث تعبر عن عمق الروابط بين هذا الشعب وكذا المكانة المقدسة التي تحتلها العائلة المقدسة داخل قلوب جميع المصريين عامة، ويحمل اول يونيو من كل عام حدثًا دينيًا وشعبيًا مميزًا تحتفل فيه جميع الكنائس المصرية وخاصة كنيسة كوم ماريا بدير ابو حنس بالمعادى وسخا وسمنود وكذا دير القديسة دميانة وحارة زويلة وجبل الطير ودير الجرنوس وكنيسة مسطرد وتستمر الاحتفالات مدة سبعة ايام في الكنيسة الكاثوليكية بالمطرية و15 يوم بكنيسة العذراء مريم بمسطرد تنتهي بتذكار تكريسها،  كذا يقام من 19 الى 28 يونيو احتفالًا كبيرًا بكنيستها بحارة زويلة ويأتى صيام العذراء في الفترة من 7 الى 22 اغسطس، وتحتفل كافة الكنائس التي تحمل اسم السيدة العذراء مريم بتلك المناسبة،كما تقام احتفالات شعبية من 12الى 20 مايو كل عام في دير العذراء مريم بجبل الطير.

يجد الباحث في التراث لقبطي ان الاحتفالات الشعبية بمسار رحلة العائلة المقدسة تحمل الطابع الدينى والعقائدي والطقسى لدى الاقباط برغم ان هناك عدة جوانب ضمنية داخل تلك الاحتفالات وتشمل:

الجوانب الاقتصادية

- يروج الاحتفال الشعبي للعديد من السلع الاستهلاكية التي يقبل على شراؤها معظم الطوائف كما تكثر الاغذية والمشروبات والسلع التذكارية التي تحمل طابع  مكان الاحتفال.

- تنشط حركة النقل من والى مكان الاحتفال.

- تنشط حركة ايجارات المنازل والفنادق القريبة من مكان الاحتفال. 

الجوانب الطقسية

- تنشط مظاهرالايفاء بالنذور سواء من الذبائح او المبالغ النقدية اوتلبية احتياجات الكنائس

- ينشط الاقبال على الاماكن المقدسة طلبًا للبركة.

- تنشط حركة زيارة الاماكن المقدسة طلبًا لتدخل القديس في شفاء مريض او انجاب طفل او توفيق في زواج. 

- تنشط حركة معمودية الاطفال في الكنائس والاديرة.

الجوانب الفنية

-تنشط العروض الموسيقية والغنائية الشعبية المتعلقة بطلب البركة او تمنى الايفاء بالنذور او بعض الترانيم والتراتيل الشعبية المتوارثة من التراث لقبطي او بعض المدائح من الرواة الشعبيين مثل مكرم المنياوى.

- تنشط عروض الدراما مثل سير القديسين و كورال الترانيم.

- ينشط فن الوشم وهو فن له دلالات عقائدية طقسي اذ يعتبره الاقباط نوع من الفنون الذى يعبر عن عقيدتهم الدينية ونوع من انواع التبرك بالرموز المسيحية والتحصن بها كما يحمل الوشم ايضًا في الديانة القبطية دلالات فلسفية اذ يعد نوع من التعبير عن الهوية والشخصية الاعتبارية للاقباط كما انه يستخدم احيانًا ك نوع من العلاج الشعبي.

الالعاب الشعبية

-تنشط العاب النيشان في ساحة الاحتفال وتقام بشكل بدائى.

- تنشط العاب القوى في ساحة الاحتفال ويقبل عليه الشباب ك نوع من التباهي بالقوة.

- تنشط العاب الحظ في ساحة الاحتفال و هي متنوعة.

اما الصغار فلهم النصيب الاكبرفي الالعاب وتنقسم العاب الصغار الى مجموعتان :-

- المجموعة الاولى :العاب الممارسة وهي مثل المراجيح و الساقية الكهربائية.

- المجموعة الثانية : العاب الشراء وهي الالعاب التي يشتريها الاطفال من الباعة المتواجدين بساحات الاحتفال.

ومما لاشك فيه ان المعتقدات الشعبية الدينية جاءت لتكون الحل الذى ارتأه الضمير الشعبي لايجاد مكان للعقائد الشعبية داخل مناخ الدين كون المعتقد الشعبي يحمل بين جنباته هوية وشخصية هذا الشعب بين شعوب الارض.

لذلك يعد مسار رحلةالعائلة المقدسة تراثًا عظيمًا في نقاط عديدة من مسار رحلتها التي بلغت 3500 كم ذهابًا وعودة داخل الاراضي المصرية وهو ما دفع الباحثين والتراثيين المختصين بتقديم هذا الارث المصري العظيم كملف لهيئة اليونسكو لإضافته لقائمة التراث الثقافي اللامادي امام العالم بأجمعه حيث تختص مصر فقط بهذا التراث الديني العالمي ومايصاحبه من احتفالات شعبية تجعلها نقطة تفرد في التراث الثقافي المصري.


1–Wilkinson, manners and customs of the ancient Egyptian, Vol 3, London, 1977

2 - د/ محمد الجوهرى، علم الفولكلور ج2 ، دراسة المعتقدات الشعبية ، دار المعارف ، ط1 ،1980

[3]- د / محمد الجوهرى ،المرجع السابق

4 - Youssef Farag, Die Coptes, Hamburg , 1983

[5]- السنكار القبطى ،القاهرة ،طبعة مكتبة المحبة ،ط3، 1978