هجرة سرية فاخرة وآمنة عبر اليخوت في تونس

نوع جديد من الهجرة غير الشرعية يقودها رجال أعمال وأثرياء هاربون من العدالة، والأمن يعجز عن القبض عليهم.

من المعتاد ان يشاهد التونسي تقارير مصورة عن قوارب موت تجر ركابها الى الهلاك بعد إيهامهم بحياة أفضل في جنة أوروبا، الا ان بروز مصطلح الهجرة السرية عبر اليخوت جعل صدمته مضاعفة بما ان تجار البشر لا يترددون في القفز فوق القانون وابتكار الحيل من أجل جني الأموال الطائلة.  
بثت قناة الحوار التونسي الخاصة تحقيقا حول نوع غير مألوف من الهجرة غير الشرعية وهي الهجرة الشرعية الراقية والفخمة عبر اليخوت.
وتصل أسعار الهجرة غير الشرعية عبر اليخوت او ما يطلق عليه بـ"الحرقة" الى حدود 20 ألف دولار.
وافاد واحد من "مهندسي" هذه الرحلات الجديدة والغريبة وغير المعتادة ان الحرفاء يكونون من الأثرياء وصادرة في حقهم منشورات تفتيش في قضايا تكون بالأساس مالية كالتورط في إصدار شيكات دور رصيد.
ويكون في العادة حرفاء "الحرقة" المترفة من رجال الأعمال الذين تدهورت وضعيتهم المادية ودخلوا في دوامة الإفلاس والقروض. 
واعتبر التقرير التلفزي الصادم ان هذه الرحلات غير الشرعية تكون آمنة وبعيدة عن أعين الأمن ويستحيل في غالب الأحيان ملاحقة أصحابها والقبض عليهم لا سيما وأن اليخوت تكون مجهزة بأحدث تقنيات المراقبة وترصد حالة الطقس بدقة وتتميز بسرعتها العالية وقدرتها على العبور الى الضفة الاخرى في ساعة او ساعتين على أقصى تقدير.
وأفاد التقرير التلفزي ان الأمن يكون عاجزا عن القبض عليهم بسبب تواضع امكانياته اللوجستية مقارنة بتطور تجهيزات اليخوت وقوتها وسرعتها.
 وتضم تونس ستة موانئ متخصصة في استقبال اليخوت والمراكب انطلاقا من ميناء طبرقة وبنزرت مرورا بسيدي أبوسعيد والحمامات الجنوبية والقنطاوي وصولا إلى المنستير.
وتشهد سياحة الترفيه البحري منذ سنوات عديدة في تونس توسعا ملحوظا بفضل التشجيعات الكبيرة المسندة لها.
وقامت الدولة بتحيين القوانين المنظمة لهذا القطاع وتسهيل اجرءات ترسيم اليخوت والمراكب والتقليل من الانتظار لعمليات نقل الملكية لها مع وضع دليل شامل للوثائق المطلوبة للتسجيل.
ويرى مراقبون أن "سياحة اليخوت في تونس واعدة"، وأفادوا انها تساهم في نمو الاقتصاد التونسي على أن تتم إحاطتها بالاهتمام اللازم.
لكنهم اعتبروا ان قطاع السياحة البحريّة يعاني من مشاكل هيكليّة وتشريعيّة تعيق تطوّره وتحدّ من مساهمته في الجهود التنمويّة. فعلى الرغم من المميّزات المناخيّة والجغرافيّة التي تتمتع بها تونس فإنّ القدرة التنافسيّة التونسيّة لا تزال محدودة ولم تستطع أن تتجاوز نسبة 0.5% من حركة اليخوت في الحوض المتوسطي.
وتصاعدت ظاهرة الهجرة غير النظامية نحو أوروبا بشكل غير مسبوق في تونس بتنامي الإحباطات والفشل الاقتصادي والاجتماعي.
و"الحراقة" تسمية تطلق على المهاجرين غير النظاميين في المغرب العربي وجنوب الصحراء الكبرى، والذين يدخلون في مغامرات قاسية ووخيمة العواقب للوصول إلى شواطئ أوروبا.
وتعتبر ليبيا الوجهة المفضلة للحراقة بحكم الوضع الأمني المنخرم فيها، وتصاعدت الظاهرة في تونس بشكل كبير منذ عام 2011 -على عكس المتوقع بعد الثورة- وارتفع عدد ضحايا غرق المراكب بشكل متواتر.
وكانت حصيلة الضحايا في مركب قرقنة -الجزيرة الواقعة جنوبي تونس- الأكبر في المنطقة منذ أن أعلنت الوكالة الأممية للهجرة في فبراير/شباط 2018 أن نحو تسعين مهاجرا لقوا مصرعهم حين غرق مركبهم قبالة السواحل الليبية.
وأثارت الكارثة سخط نشطاء المجتمع المدني إذ أكد عبدالرحمان الهذيلي الحقوقي والناشط في المجتمع المدني ان حادثة غرق المركب بسواحل قرقنة تمثل أكبر حصيلة في تاريخ الهجرة غير الشرعية بتونس.
وتسلل السخط الشعبي إلى قبة البرلمان إذ طالب النائب طارق الفتيتي بتسليط أقسى العقوبات على منظمي رحلات الهجرة غير الشرعية وقال "هذه ليست هجرة غير شرعية بل رحلة أكيدة نحو الموت.. ولو فرضت الدولة سلطتها في قرقنة لما حدثت الفاجعة".
ويرى مراقبون أن الواقع الاقتصادي المعتم الذي تسير فيه البلاد، ووقوعها تحت "براثن صندوق النقد الدولي" وتطبيق برنامج الإصلاح الاقتصادي الهيكلي كشرط للحصول على القروض وارتفاع نسب الفقر والبطالة وتضخم الأسعار، وتجميد التوظيف العمومي وتدهور المؤشرات الاقتصادية كلها عوامل تؤدي إلى فقدان الثقة بالمستقبل وتدفع إلى الهجرة بجميع أشكالها.
ومما عمق أرق غالبية التونسيين هو أن الظاهرة شهدت خلال السنوات السبع الماضية تحولا في تركيبتها وهيكليتها، إذ بعد أن كانت تشمل الشباب العاطل تسللت بشكل مفزع إلى طلبة الجامعات وتلاميذ المعاهد الثانوية والمدارس الابتدائية وأيضا إلى النساء والعمال وحتى إلى شباب العائلات الميسورة.
ووفق دراسة أجراها المعهد التونسي للدراسات الإستراتيجية بلغ عدد المهاجرين غير الشرعيين منذ العام 2011 إلى غاية 2017 نحو 38 الف مهاجر غير شرعي غالبيتهم اتجهوا إلى السواحل الإيطالية.
ويؤكد متابعون للوضع الداخلي التونسي ان المقاربات الأمنية وحراسة الحدود والممرات البحرية غير كافية، والحل الجذري يكمن في ايجاد حلول اقتصادية وتنمية اجتماعية ونزع عوامل الإحباط واستعادة روح المواطنة والانتماء.