هل حوّلك هاتفك الذكي إلى حلزون بشري!

على الرغم من فوائد لا حصر لها للهواتف المحمولة، إلا أنها جعلت منا حلزونات نحمل منازلنا في جيوبنا، مما جعلنا نتجاهل العائلة والأصدقاء عندما نكون معا بشكل واقعي.
الهواتف الذكية قتلت المسافة وقتلت معها القرب أيضا
التكنولوجيا وسيلة اتصال تفاعلية يعتمد استخدامها على الرقابة الذاتية
الهاتف الذكي الشيء الوحيد الذي ينافس مفهوم المنزل نفسه
حل إدمان الهواتف الذكية يكمن في تغيير السلوك

ربما لا يخطر على بال أحد منا أن يسأل نفسه كم مرة أستخدم هاتفي الذكي في اليوم؟ وربما لا يعرف الكثير منا أيضا ميزة توجد في بعض الهواتف الجديدة تتعقب المدة التي نقضيها في استخدام تطبيقات معينة.
وقد لا تسر هذه المعرفة أحدا منا، فنحن نقضي كل وقتنا تقريبا مع هواتفنا حتى ونحن نعمل أو نأكل أو نتمشى ونختم النهار قبل أن نخلد للنوم بتصفح مواقع التواصل الاجتماعي أو مشاهدة مسلسل أو فيلم، وكل هذا على الشاشة الزرقاء.
لا عجب فالبشر بطبيعتهم يميلون إلى الإلهاء، لكن تأثير الاستخدام المفرط لهذه الأجهزة الصغيرة يتعدى التسلية بشكل مرعب حقا، فهو يتعلق بصحتنا الجسدية والعقلية وعلاقاتنا مع الآخرين وإنتاجيتنا في العمل أيضا.
فبعد أن كان الهاتف المحمول مجرد أداة للاتصال، أصبح الآن نظاما لتحديد المواقع وكاميرا وجهاز ألعاب وجهاز تتبع صحي، والقائمة تطول فنحن نلجأ إلى أجهزتنا في كل شيء ابتداء من الانتظار في طابور في متجر البقالة إلى قراءة الأخبار، وليس انتهاء في دفع الفواتير وإجراء المعاملات المالية.
وتغذي ثقافة العمل عن بعد التي تنامت بعد جائحة فيروس كورونا، مع إمكانية التحقق من رسائل البريد الإلكتروني والرد عليها في جميع ساعات النهار والليل، مثل هذا الإدمان.
خلاصة الأمر، أن هواتفنا هي نحن، جزء لا يتجزأ منا، نعتمد عليها في كل شيء فلا يكاد أحد يصدق حقا مقدار ما يمكن لهذه الأجهزة الذكية فعله اليوم.

ادمان الهواتف
لقاء مع الأجهزة!

وبات معروفا للجميع مخاطر الإدمان على استعمال الهواتف على الصحة الجسدية والنفسية وارتباطه بأوجاع الرقبة والرسغ والظهر والأصابع واضطرابات النوم ومشاكل العين والاكتئاب والقلق والتوتر وغيرها الكثير.
كما يؤدي الاستخدام المكثف للأجهزة إلى تفاقم اضطرابات نقص الانتباه فالتدفق المستمر للرسائل والمعلومات من الهاتف الذكي يربك الدماغ ويجعل من المستحيل التركيز على شيء واحد لأكثر من بضع دقائق دون الشعور بالحاجة إلى الانتقال إلى آخر.
وكثيرا ما يتم انتقاد مصطلح "إدمان الهواتف الذكية" في الأدبيات العلمية، فبعض الخبراء يرون أن عدم وجود عواقب سلبية وخيمة مقارنة بأشكال الإدمان الأخرى يجعل الاسم مضللا. 
ويقول البعض إن المعضلة الحقيقية ليست في الهاتف الذكي، لأنه مجرد وسيلة للوصول إلى وسائل التواصل الاجتماعي والإنترنت.
واقترح خبراء مصطلحات بديلة مثل "استخدام الهاتف الذكي المثير للمشاكل"، لكن على الرغم من الجدل الدائر حول المصطلح، إلا أنه لا يزال هو المصطلح السائد في الوسط العلمي.
هل أنت حلزون بشري؟
كل عواقب الإدمان على استعمال الهاتف النقال قد يعرفها الجميع، لكن سؤالا مثيرا يلفت الانتباه بشدة، شكل عنوانا لدراسة نشرتها صحيفة "ديلي ميل" البريطانية: هل أنت حلزون بشري؟ 
فخبراء الدراسة يحذرون من أن الهواتف التي نعتمد عليها بشكل كبير قد تصبح منازلنا، نحملها معنا إلى كل مكان مثل الحلزون. 
تعتقد الدراسة التي قام بها علماء الأنثروبولوجيا من جامعة كاليفورنيا في لوس أنجليس حول استخدام الهواتف الذكية لدى كبار السن في جميع أنحاء العالم، أنه بدلاً من أن يكون الهاتف بالنسبة للناس شيئًا يلعبون به لتمضية الوقت، فإنهم يعاملون هواتفهم الذكية مثل منازلهم، إنه بالفعل مكان يعيشون فيه.

نحن لا نستطيع التوقف نهائيا عن استخدام الهواتف المحمولة ولكننا بحاجة إلى استعادة ملكية خياراتنا

فاستخدام هذه الأجهزة قتل المسافة وقتل معها القرب أيضا، بمعنى أنه وضع حدا للتفاعل وجها لوجه بين جميع الفئات العمرية وغير العلاقات الأسرية وجعل التواصل الاجتماعي عبر المنصات الافتراضية أكثر قابلية للتوسع، ففي هذه التطبيقات يجتمع فيها الأشقاء لرعاية الآباء المسنين، ويرسل الآباء الفخورون صوراً لا نهاية لها لأطفالهم ويعيد المهاجرون الاتصال بالعائلات، وغيرها الكثير.
وعلى الرغم من أن هذه الوسيلة هي التي يمكننا من خلالها التواصل عن بعد مع الآخرين، إلا أنها أدت بنا إلى أن نصبح حلزونات نحمل منازلنا في جيوبنا، مما جعلنا نتجاهل العائلة والأصدقاء عندما نكون معا بشكل واقعي.
وربما أصبح الهاتف الذكي الشيء الوحيد الذي ينافس مفهوم المنزل نفسه من حيث مقدار الوقت الذي نقضيه فيه أثناء الاستيقاظ.
وعلى الرغم من الشكاوى حول هذا النوع من الإدمان، إلا أن الفوائد مثل الاتصال البعيد المدى والوصول الفوري إلى الخدمات، يجعل الذين كانوا يتحدثون باستمرار عن الضرر الذي تسببه الهواتف الذكية يرون في الوقت نفسه الأشياء العظيمة التي يمكنهم القيام بها باستخدام تطبيقات معينة داخل الهاتف الذكي.
فلنتذكر مثلا أن الأزواج توقفوا عن الصراخ على بعضهم عندما يفقد السائق فيهم طريقه إلى مكان معين، فخرائط غوغل وغيرها من التطبيقات وضعت حدا لمشكلة قد تبدو للبعض غير مهمة، إضافة إلى تطبيقات النقل التي وفرت على الكثيرين الانتظار والوقت والجهد.
استعمالات الهواتف الذكية لا حصر لها، فمن خلال النظر في تنوعها وتعددها الكبير يمكننا أن نفهم تماما عواقب استخدامها المفرط على حياة الناس في جميع أنحاء العالم.

إدمان الهواتف الذكية
حتى بين الحياة والموت!

هل أنت مدمن؟
عندما تكون مدمنا على الطعام مثلا فمن السهل رؤية آثار هذا الإدمان على جسدك، كذلك بالنسبة للكحول أو التدخين، أما الإدمان على استخدام الهواتف الذكية ليس له أعراض بصرية في كثير من الأحيان، لكن علامات الانسحاب من الهواتف الذكية لا تختلف عن غيرها من أنواع الإدمان الأخرى، فهي تشمل الشعور بعدم الراحة أو الغضب أو التهيج أو صعوبة التركيز أو مشاكل النوم أو الرغبة الشديدة في الوصول إلى الهاتف.
وإذا كنت تريد أن تعرف إذا كنت مدمنا أم لا، فانظر لنفسك كيف تتفاعل عندما تكون البطارية فارغة أو عندما لا يكون لديك اتصال بالإنترنت.
هل تشعر بالفزع أو القلق أو الذعر إذا نسيت هاتفك الذكي في المنزل أو نفدت فجأة طاقة البطارية؟
وهل تعمل لوقت متأخر لإكمال المهام لأنك تقضي الكثير من الوقت على هاتفك الذكي؟ وهل تعاني حياتك الاجتماعية بسبب كل الوقت الذي تقضيه على جهازك؟ وهل تفقد ما يقوله الناس لأنك مشغول جدا بفحص هاتفك؟ وهل تخفي أو تكذب بشأن استخدام هاتفك الذكي بالتسلل إلى مكان هادئ لتكون على الإنترنت؟ وهل تشعر أنك تفقد أخبارا مهمة إذا لم تتحقق من هاتفك بانتظام؟
إن الإجابة بنعم على كل أو حتى بعض هذه الأسئلة تعني أنك بحاجة إلى إدارة استخدام هاتفك الذكي بشكل أفضل.
يعتقد الكثير من الخبراء أن حل إدمان الهواتف الذكية يكمن في تغيير السلوك، وكما هو الحال مع أنواع الإدمان الأخرى، فليس هناك علاج فوري وقد يستغرق الأمر بعض الوقت للتعامل مع أعراض الانسحاب أولا، ثم إيجاد طريقة متوازنة لاستخدام التكنولوجيا.
الأمر يستحق فعلا، ويتطلب منا تطوير علاقة أكثر نضجا مع التكنولوجيا وتعلم كيفية تنظيم رغباتنا حتى نتمكن من استخدامها بشكل لا يضر بصحتنا، ففي النهاية تبقى التكنولوجيا وسيلة اتصال تفاعلية تعتمد على الرقابة الذاتية، فنحن لا نستطيع التوقف نهائيا عن استخدامها ولكننا بحاجة إلى استعادة ملكية خياراتنا.