هل كان الكاتب جون شتاينبك عميلا سريا للمخابرات الأميركية؟

فرضية تتجه بقوة الى ان صاحب رواية 'عناقيد الغضب' والمتوج بجائزة نوبل للآداب استغل مكانته المرموقة وشهرته لجمع معلومات حساسة وهامة لحساب وكالة المخابرات المركزية الأميركية.
صدور كتاب بعنوان 'شتاينبك: المواطن الجاسوس'

في صيف عام 1954، كان الكاتب الأميركي الشهير جون شتاينبك يعيش حياة جيدة في العاصمة الفرنسية باريس، لكنه كان يعاني في ذلك الوقت من الشعور بالعجز واليأس والإحباط والقنوط. 
كان صاحب "عناقيد الغضب" مشهورًا جدًا وغنيًا رغم أنه لم يكن قد حصل بعد على جائزة نوبل للآداب التي سينالها عام 1962، فقد كان يعاني من الاكتئاب. وفي ذلك الوقت كتب إلى وكيلة أعماله في نيويورك يقول: "يبدو لي أحيانا أنه عندي مكان يمكنني أن أهرب إليه". 
على ما يبدو كان شتاينبك الذي تحولت روايته "عناقيد الغضب" الى فيلم سينمائي أخرجه سيد الدراما السينمائية الأميركية جون فورد عام 1940 ونال عنه أوسكار أفضل مخرج ثم منحه نقاد نيويورك جائزة أفضل فيلم في العام، يعاني من الاكتئاب الناتج عن عجزه عن استئناف الكتابة. ورغم ذلك وقع شتاينبك عقدا مع صحيفة "لوفيغارو" الفرنسية اليومية، لنشر عدد من الأعمدة الصحفية وبعض القصص القصيرة التي لم يكتبها بعد، باللغة الفرنسية التي لم يكن يعرفها. 
ولكن هناك الكثير من التساؤلات التي ثارت مؤخرا حول ما كان يفعله بالضبط جون شتاينبك في باريس في صيف 1954 حيث اتخذها مقرا لإقامته ولو بصفة مؤقتة، مع زوجته الثانية وابنيه توماس وجون.  
يفترض الكاتب البريطاني كريستوفر ديكي في مقال نشره حديثا، أن شتاينبك كان يجمع معلومات حساسة وهامة لحساب وكالة المخابرات المركزية الأميركية. 
ويقول إن الشقة التي أستأجرها في باريس كانت تقع في شارع ماريني في قصر ملاصق لأحد قصور عائلة روتشيلد ومقابل قصر الاليزيه مقر الرئاسة الفرنسية، وعلى بعد خطوات من السفارة الأميركية، وبالقرب من استراحة السفير الأميركي خلف ساحة الكونكورد. كما كانت قريبة جدا من مطعم ومقصف كان يتردد عليه نخبة المثقفين ومشاهير الطبقة الراقية، وهو نفس المكان الذي وصفه شتاينبك بالتفصيل في قصته القصيرة المشار إليها مضيفا إليها الكثير من الأشياء الأخرى من خياله الخاص إليها. فهل كان كل ما يشغله وقتها هو مثل هذه الأماكن ومن يترددون عليها؟ أم أنه كان يكتب عن أمور أخرى "أكثر أهمية"؟ 
يقول كريستوفر ديكي إن من المعروف أن شتاينبك قبل أن يقوم بجولته التي استغرقت شهرا في بلدان البحر المتوسط، تطوع للقيام بمهمة من تلك المهام الخطيرة، من خلال طلب تقدمه به الى ويليام بيدل سميث مدير وكالة المخابرات المركزية وقتذاك، وجاء فيه حرفيا: إذا كان باستطاعتي خلال هذه الفترة أن أقدم أي خدمة لك أو للوكالة، سأكون فقط سعيدا للغاية".
ومعروف أن رد فعل سميث على هذا الطلب (وهو متاح للاطلاع من خلال أرشيف الوكالة على شبكة الانترنت) كان الترحيب بطلب شتاينبك. كما أن أرشيف وكالة الاستخبارات السوفيتية (كي جي بي) يكشف أنه عندما قام شتاينبك بزيارة الاتحاد السوفيتي في عام 1947، ثار الشك لدى عملاء الوكالة في أنه قد يستخدم شهرته العامة واتصالاته لكي يحاول تشويه صورة الاتحاد السوفيتي أو التجسس عليه. وكان من أول الزيارات التي قام بها زيارة السفير الأميركي في موسكو وهو نفسه وليام بيدل سميث الذي سيصبح مديرا لوكالة المخابرات المركزية عام 1950، الذي سيتطور العمل فيها لتصبح أهم أجهزة المخابرات في العالم.
شخصية شتاينبك المرموقة وشهرته العالمية، أتاحا له التواصل مع عدد من أهم الشخصيات في العالم، كما أن وصفه المؤثر لمظاهر الفقر في الولايات المتحدة في الثلاثينات في روايته الشهيرة "عناقيد الغضب" جعله معبودا لدى اليسار في العالم. وقد طبعت رواياته وكتبه الى طبعات عدة في الاتحاد السوفيتي. ورغم أنه عمل لحساب "مكتب المعلومات" خلال الحرب العالمية الثانية، وهو الذراع الدعائي لوكالة الاستخبارات، إلا أن مخابرات الجيش لم تكن تثق فيه بسبب ما كان معروفا عن ميوله الشيوعية.
يقول ديكي أن شتاينبك كان في الحقيقة مناهضا للشمولية السوفيتية ولكن في نهاية الاربعينات أصبح الكثير من أصدقاء ومعارف شتاينبك يخضعون للاستجواب أمام لجنة مكارثي للتحقيق في النشاط الشيوعي الأميركي حيث كان مطلوبا منهم الوشاية بزملائهم وادانتهم علانية والتبرؤ من أي صلة بالحزب الشيوعي أو المشاء اليساري بشكل عام. ومن يرفض كان يوضع في القائمة السوداء الشهيرة التي شملت أسماء شهيرة في عالم الفن والفكر والأدب. "هل ضمنت علاقة شتاينبك بالمخابرات الأميركية له الإفلات من الخضوع للاستجواب؟ ليس هناك دليل على ذلك. أما الحقيقة فهي أنه لم يمثل قط أمام لجنة مكارثي رغم سمعته اليسارية! 
ويقول الكاتب الأميركي في مقاله إنه بفضل البحث الذي قام به الكاتب بريان كانارد بموجب قانون حرية تبادل المعلومات أمكن الكشف منذ سنوات قليلة، عن مراسلات شتاينبك مع سميث، ومنها نعلم أيضًا أن الابن الأكبر لشتاينبك، توماس، اشتبه في حدوث شيء غريب في صيف عام 54 في باريس على الرغم من أنه كان في العاشرة من عمره فقط في ذلك الوقت. 
يتذكر توماس بوضوح أن رجلا من السفارة الأميركية في باريس كان يأتي ويترك حقيبة صغيرة لوالده. وبعد يومين كانت الحقيبة نفسها يلتقطها موظف من موظفي السفارة الأميركية. وقد وردت هذه المعلومات في كتاب "شتاينبك: المواطن جاسوس" Steinbeck: Citizen Spy الذي أصدره بريان كانارد عام 2013.
والغريب كما يقول ديكي، أن توماس ابن شتاينبك الذي توفي عام 2016، كان يتذكر كل هذه التفاصيل بعد أن أصبح في أواخر الستينات من عمره، وكان يتصل في أوقات متأخرة من الليل بالكاتب كانارد لكي يتحدث معه ويطلعه على ما يتذكره. لكنه بالطبع لم يكن يعرف ماذا كان يوجد داخل تلك الحقائب.
والأكثر مدعاة للدهشة ما يسوقه كانارد في كتابه عن معلومات مكتب التحقيقات الفيدرالي عن شتاينبك من واقع أرشيف المكتب المتاح على شبكة الانترنت للاطلاع العام.
"في 10 مارس 1954" - أي قبل ذهاب شتاينبك إلى باريس مباشرةً- "كان مكتب التحقيقات الفيدرالي أعد ملفا عن شتاينبك لارسالها الى طرف مجهول. ويحتوي هذا المستند المكون من ثماني صفحات على ثلاث فقرات تم صياغتها بصيغة معدلة "لوكالة المخابرات المركزية" وتحمل أرقامًا مرجعية للملفات مع عناوين للتقارير تحمل عنوان "التجسس والخيانة".
وفي نظر كانارد يكفي هذا التقرير مع مصادر الملفات التي يتضمنها من معلومات سرية، كدليل قوي على أن الوكالة كانت تقوم بفحص دقيق في نشاط شتاينبك قبل أن تسمح بعودته لمزاولة نشاطه القديم في التجسس مجددا.
وكما يحدث غالبًا عندما يتجول غير الأكاديميين في حقول محفوفة بالمخاطر، أصيب كانارد بخيبة أمل عندما وجد أن بحثه تم تجاهله إلى حد كبير، ولم يساعده أنه كان قد أصدر الكتاب من خلال شركته الخاصة، إلا أن باحثًا واحدًا على الأقل، كتب في مجلة  Steinbeck Review بجامعة ولاية بنسلفانيا، يقول إن كتاب كانارد "عن دور شتاينبك كجامع معلومات استخباراتية لوكالة المخابرات المركزية الأميركية، يستند الى أرضية قوية ويستحق أن يؤخذ على محمل الجد".
وتظل المشكلة تتمثل في عدم وجود دليل دامغ على أن شتاينبك قدم بالفعل معلومات سرية مفيدة إلى المخابرات المركزية.