هل يحتاج العالم علميًا للولي الفقيه.. الليبرالية العلمية (16)‎‎

التاريخ وصل بنا الى العقد الثالث من الألفية الثالثة، بما بلغه العالم من تقدم علمي وتطور تكنولوجي. إلا أن جموعًا من الشيعة تعتقد بتفوق النائب الفقيه والإمام المعصوم علميًا على كل علماء العالم.

في القرن التاسع عشر، بعد ما تحققت العلمانية والعقد الاجتماعي والتنوير أصبحت سلطة الفرد فوق سلطة المجتمع وهذه هي الليبرالية.

الديمقراطية مكونة من أربعة مكونات:

العلمانية "القرن السادس عشر"

العقد الإجتماعي "القرن السابع عشر"

التنوير "القرن الثامن عشر"

الليبرالية "القرن التاسع عشر"

وقد استغرقت أربعة قرون، وفي القرن العشرين ظهرت الثورة العلمية والتكنولوجية، اذن؛ انظر الى النتيجة الخطيرة: الثورة العلمية والتكنولوجية هي ثمرة رباعية الديمقراطية، فإن لم تتوفر رباعية الديمقراطية فلن تتحقق الثورة العلمية والتكنولوجية.

مراد وهبة

.................

الثورة العلمية والتكنولوجية

في عام 329 هجري - 940 أو 941 ميلادي - غاب الإمام الثاني عشر للشيعة الاثني عشرية غيبته الكبرى بموت سفيره الرابع والأخير علي بن محمد السَّمري، ومنذ تلك السنة والى هذه اللحظة ما زال الإمام مختفيًا في غيبته، هذا ما يعتقد به الشيعة، وأنا ناقل، وناقل الإيمان ليس بمؤمن.

نحن الآن في يوم الثلاثاء 7 شباط 2023 ميلادي، وأنا محدثكم محمد ليلو كريم.

من نافلة القول أن ولا اختراع أو منتج تقني وثقته المصادر بتفصيل علمي تخصصي من عمل إمام معصوم، وكل ما يُنقَل عن علوم سابقة لزمانها أو تقنيات غير مسبوقة - لم يتزامن ظهورها ووجود تقنيات مشابهة - أتى بها الأئمة المعصومون وقدموها للناس فأذهلوا بها العقول وحيّروا الألباب؛ هي روايات لا تتطرق الى التفاصيل التقنية، ومدونات المرويات التراثية متوفرة، مع أن مقولات الأئمة لم تصلنا مكتوبة بخط أيديهم، فنحن لا نعرف على وجه الدقة شكل خط الإمام الباقر أو الصادق أو المهدي، وهذا يُضاف الى عدم وصول تقنيات أو أوراق علمية تقنية تفصيلية ألينا منهم.

واحدة من المصابات الجلل في عقل الشيعة الأثني عشرية أنهم لن يعترفوا بتفوق آينشتاين على كل أئمة العصمة في الفيزياء بشهادة العمل المُدوْن المُقدَم للعالم، فالأئمة في عقيدة الشيعة أعلم وأبرع بالفيزياء من آينشتاين وألف من أمثال آينشتاين وألف ممن يفوقون ويتفوقون على أعلمية آينشتاين، بل هم أفضل وأبرع من الذكاء الصناعي وإمكانيات العقول الروبوتية وأسرع معالجات الكومبيوتر، أما اذا ما طُلِب من الشيعة دليل تخصصي دامغ يُثبت دعواهم فالرد سيكون العجز والعدوانية أو توجيه تهمة مناصبة آل البيت العِداء.

على أرض الواقع؛ لا يعترف الفقهاء وخاصة المراجع الأعلون منهم بعدم صحة المبالغات التراثية لتفوق أئمة الشيعة العلمي والتخصصي والتقني، فيطلقون سراح عقول الشيعة ليصحوا العوام من سكرة التهويل والكذب المنقول، ويلتفتوا الى ما فاتهم من التطور العلمي والتقدم التقني الذي تحقق بفضل عقول علماء نقلوا العالَم من عصور ما قبل الصناعة الى عصر الآلة والروبوت وآلاف التطبيقات التقنية فائقة الذكاء والسرعة والتواصل والمعالجة الطبية والحوكمة وغزو الفضاء والرفاهية والتعليم.

لو نظرنا الى رباعية الديمقراطية، والديمقراطية، نظرة بعين العقد الثالث من الألفية الثالثة لأبصرنا الحقائق التالية:

- ما عادت العلمانية ومنطلقها الكوبرنيكوسي بذات الأهمية التي نالتها في عصرها ونحن الآن في لحظة التمهيد لغزو قريب للقمر والمريخ وانشاء مجمعات استيطانية عليهما، فالعالم المتقدم علميًا يستعد لإفتتاح عوالم على القمر والمريخ وأقمار وكواكب أخرى.

- ما عاد العقد الإجتماعي والدستور وروح الشرائع بذات الأهمية وقد تقادم عليه الزمن ونحن في عصر الحوكمة والترابط التقني بين الأفراد والتواصل السهل اللحظي بين سُكان الكوكب وقيام تجارب دول مثالية كما هو الحال في السويد وكندا وفنلندا ودول أخرى.

- ما عاد التنوير مجموعة فلسفات كانطية وديكارتية تخاطب العقل لانتشاله من ظلمات الجهل والخرافات، أو مساهمة علمية لنيوتن تكشف عن قانون الجاذبية والحركة، بل عمليًا لم يعد الإنسان مرتبطًا بعصر التنوير إذ هو مشغول الآن بالبُعد ما دون الذري في فتوحات فيزياء الكم ورصد حافات الكون بعين جيمس ويب وتحسين الجنس البشري من ناحية العمر والصحة والإمكانيات عبر التخصصات والتقنيات ليُبصر لاحقًا حياة جديدة لم يبسق أن عاشها اسلافه وأجداده وآباؤه.

- ما عادت الليبرالية مثار إهتمام العالم الرأسمالي كمدونة اقتصادية وحقوقية وفكرية تقع في الصدارة من مكونات النظام، فالفرد في الدول الليبرالية المتقدمة عاش وأبوه وجده في كنف الليبرالية التي ظلت تتطور منذ قرون حتى وصلته كأجود ما يكون، فالحرية الفردية للمواطن السويدي والبريطاني والكندي أكثر تطورًا مما كانت عليه قبل قرن، وستدفعه الى ما بعد عصرها بعد أن انتجته مهيئًا لعصر مزاوجة الفرد بالتكنولوجيا لينتقل من مرحلة الإنسان الحر الى مرحلة الإنسان المتفوق.

- ما عادت الديمقراطية كنظام تداول سلمي للسلطة وحق الاقتراع ومراقبة الحكومة وحرية الرأي والمعتقد قضية متحركة يتفاعل معها جمهور الشعب ويُطالب بها وتؤسس لأجلها الأحزاب السياسية، فالنظام الديمقراطي في دول عديدة أستقر وأتخذ مسارًا نمطيًا بمثالية من الهدوء والسكينة، وقد ساهمت التكنولوجيا في إضافة تسهيلات تقدمها الدولة للمواطن في الإقتصاد والسياسة والحقوق والعلم، فالمواطن في الدول المتقدمة حاز على تعليم رفيع مكنه من العمل بمجالات وظيفية مدعومة بالتقنيات حققت له الرفاه والحياة السهلة فخفف من اهتمامه بالسياسة وما عاد متخوفًا من دكتاتورية أو نصف دكتاتورية أو سلطة دينية تتقاسم السطوة مع العرش.

عصر التكنولوجيا تجاوز العلمانية والعقد الاجتماعي والتنوير والليبرالية والديمقراطية بل وتجاوز مرحلة دولة المؤسسات التخصصية الى مرحلة الدولة التقنية، ومن ثم سنلج عصر الدولة التقنية الدقيقة حيث ستفضي الى تزاوج بين الإنسان والتقنية.

رغم أن التاريخ وصل بنا الى العقد الثالث من الألفية الثالثة، ورغم ما بلغه العالم من تقدم علمي وتطور تكنولوجي إلا أن جموعًا من الشيعة لا يُستهان بها تعتقد بتفوق النائب الفقيه والإمام المعصوم علميًا على كل علماء العالم على اختلاف تخصصاتهم، وأن مبلغ ما وصله العالم من علوم يرجع الى القرآن ونهج البلاغة، وأن الإمام المهدي سيظهر ليُضيف للعلم درجات يتمكن بها الشيعي من السفر الى الجنة عبر السماوات ليحل ضيفًا على أحد الأموات ومن ثم يعود إلى الأرض، وأن عقول الشيعة ستكتمل لتصير عبقريات فذة بمجرد أن يضع المهدي يده على رؤوسهم.

فهل يحتاج العالم علميًا للفقيه وللولي الفقيه وللإمام؟