‎ ملامح وإلماحات (4)

من الضروري إكمال مشروع الإدارة التكنولوجية لمعاملات المواطنين بغض النظر عن أماكن تواجدهم.

تساءل صديقي المهم علي العقيل: لماذا تتغير طباع وتصرفات الشخص في بلادنا بعد استلامه زمام المسؤولية، سواء كانت سياسية أو ادارية، أو أي كانت؟

تفكرت لأيام في هذا السؤال وتوصلت الى حقيقة مفادها أن الفرد متأثر وبقوة ببيئته البشرية، وهو يفصح بوضوح عن تربيته الإجتماعية عندما يشغل منصبًا رفيعًا، أما من يصل لمركز القرار أو أي منصب للمسؤولية ويتصرف بعدالة ورأفة واحترام رغم انحداره لمجتمع لا يحبذ التعامل وفق هذه الطباع المحمودة فإما أنه قد أخذ ذلك بالوراثة عن والديه أو أنه ثقف نفسه بما يخالف التربية الإجتماعية التي أحاطته، ولكن هذا الرؤوف اللين لن يطيل مكوثه في موقع المسؤولية والحكم فهو نقيض شروط اخضاع المجتمع الذي اعتاد الركوع والخضوع للطاغية المخيف والنبرة الحادة والنظرة المتوعدة.

بمرور الزمن، ارتقت مجتمعات بشرية، وانفصلت عن الطباع البشرية البدائية وعن المجتمعات العنيفة، القمعية، القبلية، المتطرفة، المتخلفة، وشيئًا فشيئًا ما عادت تمارس تلك الطباع المذمومة ولا تحبذها، فإن شغل فرد منها منصبًا، ولنقل رئاسة الوزراء؛ شوهد وهو يقود دراجة هوائية متوجهًا لمكان عمله، أما الفرد الذي من المجتمع المذموم الطباع فمجرد توجهه لمكان عمله يكلف الدولة: أموال وسيارات فاخرة مجهزة بإحتياطات أمنية، تهدر الكثير من الوقود، وعدد من افراد الحماية يكلفون خزينة الدولة مرتبات ضخمة..

اذن؛ التربية الإجتماعية تتحكم بنزوع الفرد، فالمجتمع إما مربية سيئة أو حسنة، وفي طريق تكوين هذا الفرد يوفر المجتمع سلطة حكومية معينة، ونظام تعليمي معين، ودوائر دولة معينة، وعائلة ومارة في الشارع وسوق وإعلام ووسائط نقل واصدقاء ورجال دين وووو، كلها وكلهم عوامل التربية الإجتماعية، وهي عوامل تلاقحية، تبادل تربية عكسي، دائري، فالفرد نتاج هذه التغذية التربوية المتبادلة.

هذا هو جوابي لسؤال صديقي المهم العقيل.

هذا الجواب يتعلق بمكونات أو روافد الدكتاتورية العضوية، فما هو معنى: عضوي؟

لكي نكون على صلة وثيقة بمسار هذا الطرح ونتحرك ضمن صلب الموضوع لزم اعادة صياغة السؤال ليكون بالصيغة التالية:

ما هو المرض العضوي؟

سبب اعادة الصياغة أن الدكتاتورية مرض يصيب جسد الدولة العضوي (المواطنين)، وينبغي أن يُربط اثبات الدكتاتورية بتحقق الضرر من سياسة الحكومة على المواطن، وقد تعمل دائرة حكومية بالضد من مصلحة المواطن وتضر بحواسه وحاجاته، وعلى كل مواطن إبلاغ الجهات المختصة في حال اكتشافه مؤسسة حكومية تضر به أو تتلكأ في تطبيق إجراءات تحد من معاناته عند مراجعة المؤسسات الحكومية، ولنأخذ مثال:

كنتُ قد قصصت عليكم المراجعة التي قمت بها لدائرة الجوازات والنفوس لنقل نفوسي من محافظة التولد الى محافظة السكن وكيف انتهى بي المطاف الى نصيحة بمراجعة نائب برلماني لتيسير عملية النقل، وقد أبلغتكم أنني تراجعت عن طرق باب النائب، وتحدثت لكم عن "البواب"، وسأبين لكم هنا التالي.

يعمل هذا الطرح بالآلية التالية:

العنوان الأساس ليس الدكتاتورية الضارة بل ضرر الدكتاتورية، إذ معيار الرصد يُفعَّل عند تحقق ضرر تسببه مؤسسة حكومية أو شخص حكومي، وأنا كلي أمل بوضع قانون سياسي أخلاقي، وحكومي فني، وأيديولوجي فكري، ومؤشر اقتصادي للدولة، يدق جرسه عند وقوع ضرر بالحواس أو الحاجات البشرية بعمل حكومي واضح، حتى وإن كان العمل الضار لمؤسسة أو دائرة حكومية واحدة، أو شخص حكومي، فالضرر الصادر من الجزء يواجه بشعور المواطن بكرامته في النظام الديمقراطي، وهو وفي كل مرة يختبر التزام السلطة الحاكمة تجاه المواطنين.

والآن؛ أضع أمام انظاركم إختبار أجريته أنا المواطن العراقي محمد ليلو كريم، والجهة التي أجريت عليها الإختبار "بوابة أور الإلكترونية للخدمات الحكومية"، وكانت قد نشرت البوابة منشورًا هذا نصه:

"نقل نفوس

يمكنك الاستفادة من خدمة نقل النفوس واستحصال الموافقات المتاحة عبر منصة الحكومة الإلكترونية. للوصول إلى هذه الخدمة، يرجى الاطلاع على الرابط التالي."

تعليقي: لماذا لا تتحول الدولة الى نظام تقني يوفر الجهد والمال للمواطن بدل البقاء على نظام المعاملات القديم، وخاصة نقل النفوس أو اصدار البطاقة الوطنية الموحدة.

ولحين اكتمال التحول للنظام التقني المستحدث يُزوَد المواطن بمستمسك مؤقت من محافظة السكن وتُلغى عملية اجباره على مراجعة محافظة النفوس وما يرافقها من مشقة وتعقيدات.

من فوائد هذا التحول التخفيف عن بغداد لاسيما وكثير من سكانها من تولد محافظات أخرى وهم يرغبون بنقل نفوسهم للخلاص من مشقة مراجعة محافظة التولد والنفوس.

رد البوابة: عزيزي محمد ليلو كريم يمكنك الدخول لبوابة اور الالكترونية وتعرف على مزايا الخدمات التي تتيحها البوابة من خلال الرابط التالي.

تعليقي: وهذه واحدة من مشاكل المراجعات التي تعترض انجاز معاملات المواطنين بسهولة ورشاقة، فهناك من المواطنين من لا يجيد القراءة وبالتالي يصعب عليه قراءة المنشورات الحكومية، وكيف لمثل هكذا مواطن الدخول على موقع إلكتروني أو قراءة إعلان حكومي؟

الانتقال الى التعامل الالكتروني ينبغي أن يكون اولًا في خدمة المواطن مع الأخذ بنظر الاعتبار كافة الشرائح الإجتماعية ومستويات التعليم، إذ ينبغي أن يكون تدريب وتثقيف المواطن على سياق حكومي جديد مشابه للتدرج المدرسي.

رد البوابة: عزيزي من سمات المجتمعات المتقدمة هو استخدام التكنولوجيا في كافة مفاصل الحياة، صحيح ليس كل المجتمع بنفس الثقافة او المستوى التعليمي لكن يجب على الجميع التعود والتعلم على كيفية استخدام التكنولوجيا لكي نرتقي ونصل الى مصاف الدول المتحضرة، كما اننا ليست اول دولة تدخل التكنولوجيا في مجالات الحياة وليس مجتمعنا هو اول مجتمع مختلف الثقافات والمستويات التعليمية ولكنهم جربوا وحاولوا ونجحوا فيما نسعى اليه الان. نشكر اهتمامك.

تعليقي: بوابة أور الإلكترونية للخدمات الحكومية ادخال التكنولوجيا الى عمل المؤسسات الحكومية خطوة ضرورية في ظل التطورات العالمية، وهذا أمر مفروغ منه.

الأمر الذي اتحدث عنه هو إكمال مشروع الإدارة التكنولوجية لمعاملات المواطنين، فتَسهُل وتُحوكَم، ودور التكنولوجيا في عمل مؤسسات الدولة تبسيط إنجاز معاملات المواطنين الى أقصى حد مما يُمكن كل المواطنين من الحصول على ما يريدون من الدوائر الحكومية بوقت يسير وجهد قليل وقطع مسافات أقل بكثير، أما أن يراجع المواطن - الذي يريد نقل نفوسه- دائرة بنفسه، ويُزود بقصاصة فيها موقع الكتروني، ويدخل عبر الموقع الالكتروني، ثم يُحدد موعد لقبول طلبه، ويذهب بنفسه لمحافظة تولده ونفوسه، ويجري معاملة هناك، وقد يواجه عقبات في محافظة تولده ونفوسه، وبعدها يعود لمحافظة السكن ليُكمل النقل، ومن ثم يراجع لإصدار البطاقة الوطنية، وقد يواجه عقبات؛ فهذا ما لا يُعتبَر نظام تكنولوجي بمستوى دولة تعمل فعلًا على التحول المطلوب لحوكمة متقدمة.

هناك الكثير من كبار السن والمرضى يواجهون المشقة والأذى من مثل هكذا اجراءات حكومية لم تنتقل بالكامل الى نظام تكنولوجي يخدم هذه الشرائح.

بغداد وميسان والبصرة والنجف وديالى والموصل محافظات عراقية، فلماذا لا يُصار الى اصدار البطاقة الوطنية من محافظة السكن وإلغاء عملية مراجعة محافظة التولد والنفوس مما يضطر المواطن الى نقل نفوسه الى بغداد بجلب نفوسه من محافظة النفوس، اصلًا هذا الاجراء، أي نقل النفوس، يُسبب زخما كبيرا على دوائر بغداد في عملية غير متوازنة ما كانت لتحدث لو أن الحكومة تحولت الى نظام تكنولوجي حقيقي يربط كل معاملات المواطنين بمجالسهم البلدية في عملية تقنية تُعبِّر عن إمكانية دولة.

كما وأوردت في تعليق حديث لرئيس الوزراء في اجتماع حكومي، قال فيه:

"أخوان، الأخوات، أتمنى عليكم البحث عن اسرع الطرق وأسهل السبل لتحقيق المنجز وخدمة المواطن، لا نروح للتعقيد، وأفضل طريقة؛ أستمعوا للمواطن، الإستماع للمواطنين، سواء كان مراجعين أو لعامة الشعب، كونوا على ثقة ينطيكم برنامج عمل دقيق لكل وزير في وزارته، ويوصله الى نقاط الضعف والقوة، قد ما يصل ألها من خلال سياقات المطالعة والدوائر الموجودة يومية، فأنطوا وقت كافي للإستماع للمواطن والوقوف على معاناته أو مقترحاته."

أكتفت البوابة بترك إعجاب "لايك" على آخر تعليق لي.

في أول المقال تحدثت عن الشخص الذي يتسنم المنصب فتتبدل طباعه وتصرفاته، وأرجعت سبب التبدل الى التربية الإجتماعية، وفي نهاية المقال أضع المواطن أمام مسؤولية حماية حواسه واحتياجاته، وفهم الدكتاتورية العضوية، واعتبارها كالمرض العضوي الذي يصيب الجسد، وعدم التهاون أمام خلية سرطانية صغيرة فهذه الخلية مهما صغرت مؤشر واضح لفساد معين لزم أن نضعه في خانة الدكتاتورية العضوية، والوقاية خير من العلاج.