ملامح وإلماحات (5)

الدكتاتورية العضوية حالة من التخلف السياسي والاقتصادي والإداري والخدماتي والتعليمي والعلمي.. هي شمولية متخلفة، تضر بالمواطن بتخلفها وبتعنتها بالتمسك بمنظومة حكم وإدارة متخلفة.

في المقال السابق نقلت لكم التعليقات والردود التي جرت بيني وبوابة أور الإلكترونية للخدمات الحكومية، ولكني لم أتناول التعليقات والردود بتفصيل وتحليل وأنا هنا سأتحدث بما يرتبط بموضوع التعليقات والردود وتواصل الحكومة مع المواطن وبشيء من التعمق في الواقع والوقائع.

واحدة من المنغصات العملية التي تمارسها الدكتاتورية العضوية بحق جسد الدولة العضوي "المواطنين" أنها تتعمد عدم الاستجابة بما ينفع ويُصلح حواس وحاجات المواطنين، ولو انك عزيزي القارئ راجعت التعليقات والردود والمآل الذي انتهت إليه لاكتشفت خاصية عدم الاستجابة المعمول بها من قِبل نظام الدكتاتورية العضوية، الحكومات الدكتاتورية أو المُشتبَه بها، تعمل على حجب الخدمات والتسهيلات، أي أنها تحجب عن المواطن إمكانيات الدولة وقدراتها، فتحول بين المواطن وخيرات الدولة وتستأثر بها.

أقلية تستولي على خيرات الدولة وإمكانياتها وقدراتها وتوجهها لصالحها وتحرم أغلبية المواطنين منها وهذا بعينه دكتاتورية عضوية، الضرر الدكتاتوري أو الضرر الذي تسببه الدكتاتورية وقد جعلت العنوان يُقدِّم الضرر على الدكتاتورية، أي تقديم الفعل المتحقق على الوصف السياسي:

ضرر = فعل متحقق

دكتاتورية = وصف سياسي

ها أن الماء ينقطع عن الحي الذي أسكنه، مرت أيام والماء مفقود أو جدّ شحيح وليس من مسؤول يتدخل أو توضيح يُطرَح، وفي هذا المنوال يتوزع الإضرار على المناطق المُهمشة، مناطق التجاوِز، العشوائيات، الأحياء التي شُيدت دون ترخيص من الدوائر الحكومية المعنية، وذريعة الجانب الحكومي أن المنازل المُضافة لخارطة المدن الأصولية تفوق قدرة الدولة لتجهيز الكهرباء والماء وباقي الخدمات، ولهذا اضطر مواطنو هذه الأحياء لشراء أعمدة الكهرباء ودفع مبلغ مالي مقابل الربط مع الشبكة الوطنية ودفع مبالغ مقابل الماء والمجاري وترتيب الأزقة، وهي بالعموم أعمال دون الجودة المحترمة وهكذا تجد التشوه والقبح سمة هذه الأحياء.

يتوزع الإضرار على المناطق الشعبية، فزقاق يشكو عطل محولة الكهرباء ومنطقة تشكو انقطاع الماء وحي غزته الكلاب السائبة ومجموعة أحياء بلا مدارس ومناطق يكثر فيها الفقراء المنسيين وأضرار لا تُحصى تتوزع على جغرافيا البؤس وليس من حلول ولم تظهر تلك الحكومة التي ترتقي بهذه المناطق الضخمة المكتظة وترفع من تعليم وثقافة ووعي سكانها ولو أنك زرت أحدها أو اطلعت عليها لوليت منها فرارا ولملئت منها رعبا.

هذه الجيوب السكانية المتضررة بحواسها وحاجاتها خزانات بشرية متأزمة تُنذر دومًا بالانفجار.

تمشيت عصرا إلى دكانة سيد سعد، الناشط الاجتماعي والمطالب بحاجات المنطقة من ماء وباقي الخدمات هو حاد جاد دوما إن تعلق الأمر بحاجات سكان المنطقة وقد سمعت منه صباحا وعلى عجالة أثناء تسوق بعض الحاجيات أنه راجع دائرة الماء وطالبهم بضخ الماء نحو المنطقة وأن مشاجرة أو مشادة حدثت بينه وبين موظفي الدائرة، فماذا حدث؟

عند آخر كلمة سابقة على علامة الاستفهام توقفت بتاريخ 16/7/2023 وفي اليوم التالي كنتُ في العمل أثناء الخفارة الليلية، اتصلت بي زوجتي لتخبرني أن أهالي المنطقة خرجوا باحتجاج مطالبين بالماء.

شح الماء في العراق يتحول الى أزمة مزمنة
شح الماء في العراق يتحول الى أزمة مزمنة

سيكون لي غدا لقاء مع السيد سعد للاستفسار حول استجابة الدائرة المعنية لمطلب الأهالي، كما وقد بلغني أن عائلة أو أكثر غادرت منازلها لنفاد الماء. هذه تفصيلة مناطقية نتلمس من خلالها شكل الدكتاتورية العضوية وفق هذا الطرح.

اليوم 18/7 تعذر رجوعي للمنزل فقد اتصلت بي زوجتي لتخبرني أن الماء نفد من المنزل وأنها ستلجأ لبيت أختها ولهذا مكثت أنا في بيت أمي لعل الأزمة تخف.

اليوم 19/7 الأربعاء.. ما زلتُ في منزل والدتي.

أنا أضع في حواس وذهن القارئ شعورا  تجاه الدكتاتورية العضوية قدر الإمكان، فهذه تجربة شخصية اشترك بها مع جزء من منطقتي وأفضل تدليل على وقائع الدكتاتورية العضوية أن نلامس بحواسنا وحاجاتنا الأضرار التي تتسبب بها الدكتاتورية العضوية. ولست اسرد قصة شخصية أو في نطاق عائلة أو عدة عوائل وللقارئ ربط هذه الواقعة المأساوية بحالة يمر بها وآلاف الحالات لآلاف المواطنين.

اليوم الخميس 20/7.. ما زلت في بيت والدتي.. كم من مواطن عالق في مثل هكذا دوامة بسبب طريقة وإدارة الحكم والحكومة..

اليوم الخميس 27/7 وما زلت مبتعدًا عن المنزل وليس من مؤشرات ايجابية بخصوص الماء.

اليوم 30/7.. ولم تُعالج أزمة انقطاع الماء.. يلاحظ القارئ سياسة إلقاء المواطن في دوامات ضيقة، انقطاع الماء- انقطاع الكهرباء- مستشفى رديئة- زقاق غير مُعبَّد- منطقة بلا مدرسة- ترك المجتمع للسنن العشائرية وغيرها مما يضر بالمواطنين، وهكذا يحدث الإضرار بحواس وحاجات المواطن فيقع في أزمات نفسية تؤثر في علاقته العائلية لتتوسع الأزمة لتحكم العلاقات بين العوائل المتجاورة وتُخلَق مناطق سكنية تمر بأزمات وعلاقات متبادلة مضطربة ولو نظرنا في النظريات وآراء المتخصصين في موضوعة الأزمات التي تنجم عن إهمال المناطق الشعبية لوقفنا على تشخيصات علمية معتبرة، فما الذي ينجم عن إهمال الحكومات للمناطق الشعبية؟..

تصور بأنك تقطع صحراءً لا ماء فيها إلا ما ندر وأنك وفي كل مرة تضطر لحفر بئر للتزود بماء قليل إذ حتى المياه الجوفية شحيحة، إضافة لسعير الصيف. لعل الفارق الكبير بين هذا التصور وحالتك والماء مقطوع عن منزلك أنك تعيش بين أربعة جدران وعندك بعض الاحتياجات المتوفرة كماء الشرب والنقود ولكن هناك مشترك بين ذلك الضائع المنهك في الصحراء وحالتك التي أنت عليها أو التي أنا عليها، أي أن شيء من معاناة المسافر عبر الصحراء تتصل بحالتي ولهذا أقول بأن الدكتاتورية العضوية تضر بالحواس والحاجات، كما وأنها تعمل بشكل يعارض الحلول التي تقدمها التقنيات والتخصصات الخبيرة ووضع الشخص المناسب في مكانه الوظيفي المناسب، فالدكتاتورية العضوية حالة من التخلف السياسي والاقتصادي والإداري والخدماتي والتعليمي والعلمي هي شمولية متخلفة، تضر بالمواطن بتخلفها وبتعنتها  بالتمسك بمنظومة حكم وإدارة متخلفة.

الساعة الآن الثانية بعد منتصف الليل، الجمعة 4 آب، وأنا أراقب مضخة الماء الصغيرة لعلها تفرحني بسحب الماء من الأنبوب الناقل المتفرع في الحي وقد قضيت فترة الظهيرة في منزلي الذي عدت له اليوم صباحا في وضع مزري، ماكث في غرفة الضيوف الحارة رغم أنفي ودرجات الحرارة ناهزت الخمسين...

هل تزامن إنضاج النظام الديمقراطي مع ظهور نوعية من الموظفين الحكوميين يتمتعون بمزايا من المواهب والابتكار؟.

-ما العلل الدقيقة لعدم استجابة الحكومة لمتطلبات حواس وحاجات المواطنين؟

-ما العلل الدقيقة لحجب إمكانيات الدولة عن المواطن من قِبل الحكومة؟

-هل المدينة التي ننشد هي تلك المدينة المستحيلة؟