هل يحتاج العالم علميًا للولي الفقيه.. الليبرالية العلمية (17)‎‎

العقدة العصية في العقل الجمعي الشيعي العراقي أنه سن سُنّة تقديسٍ خاصة به هذا مُلخصها: سيدي أعلم ولكن لا أريد مناقشة اعلميته.

هناك ثلاث كتل جماهيرية شيعية عراقية كبيرة وقوية؛ الصدريون والسيستانيون والولائيون. ولا أقفُ على معلومات مؤكدة فيما يخص حجم الكتلة الجماهيرية الحكيمية، ولكن، وبحكم القوة والحضور لنعتبر الكتلة الجماهيرية الحكيمية ذات تأثير، ليصبح لدينا أربع كتل جماهيرية شيعية عراقية تدين بالولاء لأربعة قادة؛ السيد مقتدى الصدر، السيد علي السيستاني، السيد علي خامنئي، السيد عمار الحكيم.

ما زلتُ لا أعوِّل على مقولة: تشرين خالية من اختراق الموالين للزعامات الدينية. أن عناصر الميليشيات والمال الطائفي اجهض الحركة وأنقذ مجمل النظام الحاكم والإسلام السياسي الشيعي. أقصد حركة تشرين الاحتجاجية والتي اندلعت في شهر تشرين عام 2019. وإلا لِمَ لم تتمكن حركة احتجاجية كبيرة تتوزع على عدة محافظات اضافة لبغداد، من اسقاط نظام الحكم، ولا يُعتد بسقوط رئيس حكومة فالنظام تشاركي وليس فرديا، إذ بسقوط الحاكم الفرد الدكتاتور تسقط الدولة، على العكس من النظام الذي يشترك فيه ممثلو مكونات تتوزع السلطة فيما بينهم، فبعد سقوط رئيس الحكومة لم تسقط رئاسة البرلمان ولا رئاسة الجمهورية، والمنصبان من حصة جماهير عراقية تقع خارج جغرافيا الشيعة المحتجين، ولهذا ظل النظام قائمًا بمكوناته السياسية السيئة والجيدة. فالجمهور السُني وكذلك الجمهور الكردي أبقيا على ممثلي حصتيهما بينما خلع الشيعة ممثل حصتهم، ولم يسقط النظام كله، ولم يُخلَع كل الاسلام السياسي الشيعي الحاكم، ولم تكن حركة تشرين عامل جذب ناجح للتكتلات الشيعية.

ظلت جماهير الزعامات الدينية الأربعة تستحوذ على القدر الأكبر والاقوى في جسد شيعة العراق، وعليه؛ لم يتأثر كثيرًا نظام الولاية والتقديس المتحكِم بعقول الناس، وظلت الديمقراطية ضعيفة، والحريات ضعيفة. والانتقال الى حالة الاحزاب السياسية ودولة المساواة والمواطنة عملية فاشلة، وإن الانتقال الى حالة دولة متقدمة حديثة لن يتحقق ما لم تُطرح اسئلة كبرى تواجَه بأجوبة أكبر وأعمق واشجع، ففي جغرافيا الشيعة العراقيين غير مسموح طرح اسئلة كبيرة تضع العقل الجمعي في أتون جدلية تفاعلية تفضي الى اجوبة ترفع العقل وترتقي به وتخرجه من صندوق التقديس المغلق، فهل يُسمح بطرح الاسئلة التالية لإحداث مقارنة تفاعلية في الذهن العام: من هو الأعلم وعلمه نفع الناس فعلًا وواقعًا؛ السيستاني أم كوبرنيكوس، مقتدى أم نيوتن، عمار الحكيم أم آينشتاين، خامنئي أم نيكولا تسلا.

سينبري شيعي موالي ليصد هذه المقارنات ويفندها من الأصل ويحتج أن لكل واحد من طرفي كل مقارنة تخصصه وعمله ومساهمته، وأقول: يا سيدي الشيعي الغيور على دينك ومذهبك وسيدك، هل لي بجواب ضمن تخصص الطرف الثاني من كل مقارنة، فهل السيستاني أفضل مساهمة من كوبرنيكوس في مجال الفلك؟

وبقية اجوبة الاسئلة على هذا المنوال..

العقدة العصية في العقل الجمعي الشيعي العراقي أنه سن سُنّة تقديسٍ خاصة به هذا مُلخصها: سيدي أعلم ولكن لا أريد مناقشة اعلميته.

في واقع تقدم الشعوب والمجتمعات ينبغي الإجابة على الاسئلة الكبرى، وهي اسئلة كبرى لأنها تتعلق بأشخاص أو اعتبارات كبرى. فالسيستاني كبير في الوسط الشيعي العراقي، هو المرجع الأعلى، أي أكبر المراجع، ولن يكون جواب السؤال الكبير في مقارنة السيستاني بكوبرنيكوس جوابًا صغيرًا أو مستصغرًا، ولا يعلم غير الشيعي حجم الجواب أن ثبت قطعًا أفضلية مساهمة كوبرنيكوس الفلكية على مساهمة السيستاني في نفس المجال، بل قد يتبين أن لا مساهمة تُذكر للسيستاني في هذا المجال، وهلم جرًا بالنسبة للسيد مقتدى والسيد عمار والسيد خامنئي.

بدأت أفهم مؤخرًا ضرورة البدء بالعلمانية على يد كوبرنيكوس في عملية الانتقال الأوروبي التحديثي، وفي واقع شيعة العراق يلزم البدء بطرح علماني علمي يناقض المعهود الديني ويُدشن تسلسل علمي استكشافي يفضي الى اثبات علمي لا يمكن دحضه من قِبل الحوزة والمرجعية وآيات الله ونواب الإمام المعصوم والفقيه الأعلم ومن تقدست اسراره الباطنية. اثبات علمي يضرب بدهية متسالم عليها بين الشيعة المُقدِسون للسادة المؤلَهين. وبعد الضربة العلمية الدامغة وسقوط معتقد أو رمز بشري ديني كبير يمكن الولوج الى مسائل الفكر والثقافة والسياسة والدولة الديمقراطية والليبرالية والعقلانية والتنوير.

هل للسيستاني مساهمة فلكية أفضل من مساهمة كوبرنيكوس.

هل لمقتدى مساهمة فيزيائية أفضل من مساهمة نيوتن.

هل لعمار مساهمة أفضل من مساهمة آينشتاين.

هل خامنئي أعلم من نيكولا تسلا.

عزيزي الشيعي، أي منهم كنتَ تُقدِّس، تفضل عليّ بجواب مختصر هذا شكله: سيدي أعلم من...، سيدي ليس بأعلم من...