هل يحتاج العالم علميًا للولي الفقيه.. الليبرالية العلمية (2)‎‎

التوتر بين الشعب والسلطة في إيران يتركز أكثر في المجتمع الطلابي الذي يُعلِن مناهضة حكومة العمائم، بوضوح وصوت مسموع، حتى أن الولي الفقيه اشار وبشكل صريح.

لماذا تتجه ايران الى تعديل دستورها ومراجعة الإجراءات البوليسية ذات الطابع الديني؟

نرجع ونؤكد على مسألة الحاضنة السياسية والاجتماعية التي تُمهد وتُعِد وتسمح لبلورة ليبرالية علمية ترفع الدولة الى مستوى الدول المتقدمة، فالتأصيل لأصالة الفرد بدءًا بسن الطفولة يخلق مواطنًا خلاقًا يُساهم في دفع البلاد نحو الإرتقاء، والإبداع متوفر في الجنس البشري، والمبدعون هم رافعة التطور العلمي، والدولة المُقيدة بعقيدة دينية ونظام حاكم ديني تُثبِط من دور الإبداع العلمي لأنها توجهه نحو اهدافها المُستلة من الماضي وتحاول جاهدة تجنيده في معركتها المقدسة الكبرى. وحينما نقول "معركة مقدسة كبرى"، فهذا يعني لزوم توفر امكانيات وعقول ضخمة وكبيرة لتلبية متطلبات الدولة الدينية، فتغيب الامكانيات والعقول عن حقول علمية متعددة لأنها تُكدَّس عنوة في مسار المواجهة المقدسة، وهذا ما حدث في ايران.

عندما تراجعت اليابان العقائدية وألمانيا العقائدية عن مسار المواجهة المقدسة وجدت كل منهما نفسها في مسار مغاير يخلق شعبًا مستقرًا وبلادًا متقدمة وحكومة ايجابية وحركة علمية وانتاجية تنفع العالم وتشاركه التقدم العلمي والتقني والاقتصادي.

صرّح الرئيس الإيراني إبراهيم رئيسي بإمكانية إعادة النظر في بعض مواد الدستور. والخبر يتضمن وصول تقارير أو دراسات أنجزها متخصصون يعملون في مراكز تخصصية بحثية ايرانية الى الحكومة تفيد بأن 70 بالمئة ممن تم التحقيق معهم لمشاركتهم في الاحتجاجات التي اندلعت مؤخرًا ليسوا من الفقراء أو العاطلين أو المحتاجين لزيادة مرتباتهم، بل هم من عوائل مرموقة وميسورة، ووجه اعتراضهم أنهم يطالبون بتغيير الدستور لأنه لا يُلبّي طموح الشباب الإيراني. وبوصول هذه التقارير البحثية تكوّن رأي عند السلطة الحاكمة بضرورة اجراء تغيير في الدستور فيما يخص الفقرات التي تحد من الحرية(1)، وهناك خبر آخر عن إلغاء شرطة الآداب.

هذا التوتر بين الشعب والسلطة في الجمهورية الاسلامية يتركز أكثر في المجتمع الطلابي الذي يُعلِن مناهضة حكومة العمائم، وهو يُعلن ذلك بوضوح وصوت مسموع، حتى أن الولي الفقيه اشار وبشكل صريح الى حالة المعارضة الطلابية للعمائم، وجاء تصريح الولي الفقيه علي خامنئي في لقاء عبر التواصل عن بُعد مع ثلة من الطلبة الجامعيين. وقد احتج السيد خامنئي لإصرار الطلبة الجامعيين على إهانة العمامة والتقليل من شأنها، واستذكر ما مر به هو ايضًا في عقد الثمانينيات من القرن المنصرم حيث وجه له طلاب الجامعات الإهانات والتقريع بالقول "وللتذكير ايضًا، لا تصحبوا المساءلة بالتهكم والشتائم، هذا رجائي لكم... طبعًا في الماضي سواء اثناء مدة الرئاسة أو حتى قبل الرئاسة عندما كنت أذهب الى الجامعة، احيانًا كنت أواجه مواقف تهكمية"(2).

وعاتب الولي الفقيه الطلبة الجُدد على معاودة نفس الاسلوب تجاه العمامة: "إنكم اعترضتم الآن على أن فلانًا وفلانًا وفلانًا لم يأتوا الى الحرم الجامعي رغم انه تمت دعوتهم. نعم؛ لقد نصحت المسؤولين مرارًا وتكرارًا بالذهاب والتحدث الى الجماعات، وتوجيههم، والحديث إليهم، وهذا هو رأيي ايضًا، ولكن ردًا على ذلك يقولون إنه عندما نذهب، هدف هؤلاء الشباب الذين يتجمعون هناك ليس فهم القضايا وتوضيحها؛ هدفهم هو التهجم، ولهذا السبب لا يأتون، أنا أرجو منكم ألا تحجبوا مساحة الحوار، أي عندما يتعلق الأمر بالتهجم والإهانة والشتائم وما شابه، فتصير مساحة الحوار مسدودة بطبيعة الحال. لا تسمحوا أن يحدث شيء كهذا، تحدثوا بإستدلال ومنطق. بالطبع قد تكون بعض الكلمات لاذعة. حسنًا، لا إشكال في ذلك، لكن التحدث بقسوة لا يتنافى مع منع التهجم والإهانة واشياء من هذا القبيل"(3).

هناك مؤشرات واضحة لوجود نزعة ليبرالية في المجتمع الطلابي الإيراني، وهذه النزعة تستمد القوة من عاملين:

1- التعليم العالي يرفع من درجة الوعي ويجذب الطالب للتحرر العلمي وتفضيل التحديث العصري على المفاهيم والمنقولات القديمة.

2- شريحة الطلبة في ايران كبيرة تضم الملايين.

هي معركة بين معسكر ايراني يحاول فرض إرادة المتغلب العلمية، ومعسكر يناهض الفريضة الولائية لإمارة المتغلب نصرة للتحديث؛ معسكر ينشد التحرر للحرم الجامعي والمجال العلمي، والمعركة شديدة، ولكن على الشريحة الطلابية الجامعية والعلمية الإيرانية أن تستذكر التالي:

في عهد ديكارت وكانط وغاليليو كانت الرقابة الدينية ومحاكم التفتيش تمنع وتُحاكم وتُعاقب، ولأن الفلاسفة والعلماء أصروا على التحديث ومواجهة الفرائض القديمة حلَّ عهد الليبرالية العلمية إذ لا رقابة ولا محاكم دينية ولا عقاب يقمع جاك دريدا وفوكو ونعوم تشومسكي وستيفن هوكينغ وريتشارد دوكينز.

إشارات

(1) فيسبوك: منقول مع محمد السيد محسن: ايران تعدل دستورها لتتجه نحو المدنية.. والعراق يتجه نحو التشدد الديني | 5/12/2022 | https://fb.watch/hfmPkltJ6Q

(2) يوتيوب: "خطاب الإمام الخامنئي (دام ظله) - إثارة الشكوك تمثّل العمود الفقري لحرب العدوّ الناعمة" بعد الدقيقة الثانية والخمسين. منشور بتاريخ 4 سبتمبر 2022.

(3) المصدر نفسه.