‎‎ هل يحتاج العالم علميًا للولي الفقيه.. الليبرالية العلمية (4)‎‎

بلاد الليبرالية العلمية لم تقمع أو تُبعِد تشومسكي وغراهام فولر وآخرين من المواطنين الأميركيين الرافضين المنتقدين لسياسات الدولة الأميركية وفكرها وعلاقاتها، وعقائدها. انظروا حال إيران والعراق وسوريا.
أمثلة حية: عبدالكريم سروش ونعوم تشومسكي
نظرة في واقعين من وجهة نظر الليبرالية العلمية

عبدالكريم سروش: عبد الكريم سروش هو الاسم المستعار لحسين حاجي فرج الدباغ، أحد أبرز المثقفين في إيران ويكرس اهتماماته في الدين والديمقراطية والتنوير الديني. يعيش في الغرب بسبب ضغوط النظام الإيراني.

حائز على جائزة إيراسموس وهي جائزة سنوية يمنحها مجلس مؤسسة بريميم إيرازمانوم للأفراد أو المؤسسات التي قدمت مساهمات استثنائية للثقافة، أو المجتمع، أو العلوم الاجتماعية في أوروبا وبقية العالم. تعتبر تلك الجائزة من أكثر جوائز أوروبا تميزًا. سُميت الجائزة باسم دسيدريوس إراسموس، رائد النهضة الهولندية/ ويكيبيديا.

.........

يحمل الفصل الأول من الجزء الثاني من كتابي "هل يحتاج العالم علميًا للولي الفقيه" (قيد الإعداد) عنوان "الليبرالية العلمية". ضربت امثلة لتقبّل بعض البلدان لعباقرتها وعلمائها بينما بلدان أخرى ترفض العلماء والمفكرين وتُبعِدهم، وكذلك نشرت ما يتصل بهذه الفكرة في المقال المُعنون والمُرقَّم "هل يحتاج العالم علميًا للولي الفقيه.. الليبرالية العلمية"(1) المنشور على موقع ميدل إيست أونلاين. وأنا الآن، وفي هذا المقال أضرب أمثلة حية، وقد يُلحَق هذا المقال بالفصل الأول من الجزء الثاني لما فيه من أهمية وتبيان معتبر للفارق بين بلدان التقبّل وبلدان الرفض.

.........

في الولايات المتحدة ولِدَ نعوم تشومسكي، أبصر النور في فيلادلفيا، بنسلفانيا، 1928. وهو أستاذ لسانيات وفيلسوف أميركي وأيضًا عالمٌ إدراكيٍ وعالمُ منطقٍ ومؤرخ وناقد وناشط سياسي.

أشتهر "نُوعَم" بأنه من آباء اللسانيات، وكذلك ذاع صيته كناقد عتي لسياسات الولايات المتحدة (بلده)، وهو في بعض نقده لسياسات بلاده قاسٍ جدًا، وجريء جدًا، ورغم ذلك لم يُطرد من بلاده أو يُقمع، وظل يتحدث بآرائه بكل حرية، ووضوح؛ ينتقد الدولة الأميركية، ويوبخ العلاقة المتينة بين اميركا واسرائيل، ويتوجه مباشرة للصهيونية يقرن بينها والاستعمار وإبادة الشعوب الأصلية من قِبل دول أوروبا، وهكذا تصريحات لو صدرت من عالم أو مفكر أو فيلسوف في الدول الدكتاتورية مثل إيران والعراق وسوريا لاقشعرت جلود الحكام وأقاموا الدنيا ولم يقعدوها وأشهروا القانون المُدجَن والسلاح المؤدلج وأذاقوا اللسان الناطق بالنقد الويل، ولكن بلاد الليبرالية العلمية لا تفعل ذلك، ولكن بلاد الليبرالية العلمية لم تقمع أو تُبعِد تشومسكي وغراهام فولر وآخرين من المواطنين الأميركيين الرافضين المنتقدين لسياسات الدولة الأميركية وفكرها وعلاقاتها، وعقائدها!

بلسان سليط غير هيّاب يرد تشومسكي على سؤال أمام الملأ ووسائل الإعلام، فيقول:

"لماذا الولايات المتحدة تدعم اسرائيل؟

حسنًا؛ هناك تاريخ لهذا، هذا التاريخ مثير جدًا للإهتمام ويعود بالفعل الى فترة طويلة من الزمن. هناك شيء واحد يجب أن نتذكره ألا وهو أن المسيحية الصهيونية تشكل قوة كبيرة جدًا، وهذا كان قبل ظهور الصهيونية اليهودية بفترة طويلة، في انجلترا بالتحديد كانت الصهيونية المسيحية تمثل قوة كبيرة بين النخب البريطانية، وهذه كانت بدورها من الدوافع وراء وعد بلفور، وأيضًا دعم بريطانيا للإستعمار اليهودي في اسرائيل. تذكّر ما قاله الكتاب المقدس".(1)

بودي أن أخبر القارئ بأمر: لم تُحرِّك اميركا أو اسرائيل أو كندا واستراليا وبريطانيا عناصر مليشياوية للقصاص من نعوم تشومسكي، أو جرى التشكيك بولائه الديني وعقيدته، فإن وردَ ردّ مفاده أن تشومسكي محمي من العقوبات لكونه يهودي الأصل فأذكّر بأن السيد كمال الحيدري معمم بعمة سوداء كالتي يرتديها الولي الفقيه ومع ذلك لم يسلم من العقاب إذ وضِع حبيس داره في اقامة جبرية في إيران لأنه طرح رؤاه الدينية.

"أنتهى الأمر بعبدالكريم سروش بعد تقديم رؤاه الاصلاحية ورفض تيار الملالي لهذه الرؤية وتصديهم للرد عليه، خصوصًا عن نظرية القبض والبسط، ورفضهم لها والتشكيك في دينه وعقيدته، الى استقرار سروش بالعيش في الغرب".(2)

إشارات

(1) "كما تعلم هذا يُمثل جزء كبير من ثقافة النخب البريطانية، والأمر كذلك في الولايات المتحدة. لقد كان ودرو ويلسون مسيحي مُتدين وكان يقرأ الكتاب المقدس كل يوم، وكذلك فعل هاري ترومان في إدارة روزفلت. هارولد ايكس وهو واحد من كبار المسؤولين وصف عودة اليهود الى فلسطين بأنها أعظم حدث في التاريخ، انها تحقق درس موجود في الكتاب المقدس. هذه هي دولة شديدة التدين وتأخذ حرفيًا ما يوجد في الكتاب المقدس.

ونلاحظ أن الدول الأكثر قوة في دعم إسرائيل ليست فقط الولايات المتحدة، انها الولايات المتحدة واستراليا وكندا وفروع الانجلو سفير الانجليزية.

هذا أقرب الى ما حدث للمجتمع في جنوب افريقيا مثلًا أو مثل الجزائر تحت الإحتلال الفرنسي، في هذا المجتمع الاستعماري يقوم المستوطنون بالقضاء على السكان الأصليين، مدفوعة ايضًا بالمبادئ الدينية للجماعات شديدة التدين والتي تدعم الصهيونية المسيحية".

يوتيوب بعنوان:" لماذا اميركا تدعم اسرائيل؟ نعوم تشومسكي"

ماذا لو صدر عُشر هذا الكلام من ايراني أو عراقي تجاه حكومته والكُتب التراثية المقدسة وعمل الدولة بعقلية مُتدينة؟

(2) دراسة بعنوان "الإصلاح الديني في ايران.. قراءة في ضوء الولاية المطلقة للفقيه". د. أحمد سالم. استاذ الفلسفة بجامعة طنطا.