'يراعات طاغور' شذرات شعرية صوفية يابانية صينية

الكتاب يشكل ترجمة للعربية لمجموعة أمثال وحكم وأقوال مأثورة كُتبت في الأصل على قطع من الحرير في كل من الصين واليابان، قام الشاعر والمسرحي والروائي الهندي رابندرانات طاغور بجمعها في مفكرته ونشرها للمرة الأولى بالإنكليزية في العام 1928.

قدم الشاعر والمسرحي والروائي الهندي رابندرانات طاغور للتراث الإنساني أكثر من ألف قصيدة شعرية، وحوالي 25 مسرحية وثمانية مجلدات قصصية وثمان روايات، إضافة إلى عشرات الكتب والمقالات والمحاضرات في الفلسفة والدين والتربية والسياسة والقضايا الاجتماعية. وإلى جانب الأدب احترف طاغور الرسم في سن متأخر نسبيا، أنتج آلاف اللوحات، كما كانت له إسهامات في الموسيقى، فكتب أكثر من ألفي أغنية، اثنتين منها صارتا النشيد الوطني للهند وبنجلاديش.

وهذه الكتاب "يراعات طاغور- شذرات شعرية صوفية" يشكل مجموعة الشذرات التي تحمل عنوان يراعات (Fireflies) تُوصف بأنها مجموعة أمثال وحكم وأقوال مأثورة كُتبت في الأصل على قطع من الحرير في كل من الصين واليابان التي طاغور قد زارهما، وقد قام بجمعها في مفكرته ونشرها للمرة الأولى بالإنكليزية في العام 1928. وقد ترجمها للعربية أخيرا اليمني رياض حمادي وقدم لها الشاعر د.عبد العزيز المقالح، ووفقا للمترجم تتسم اليراعات بقصرها، وأنها أقرب إلى بنية قصيدة الهايكو، وتحمل في مجملها صوراً عن الحب والحياة والجمال والمُقدّس. يبلغ عددها 255، مع اختلاف أرقامها في النسخ المتوفرة على الشبكة العالمية، حيث يوجد في أصلها الإنكليزي أكثر من 18 طبعة.

وأوضح حمادي في مقدمته للكتاب الصادر عن دار نهضة مصر أن بعض اليراعات اتسمت في أصلها الإنكليزي، بقدر من الغموض. وللمواءمة بين مفهوم الترجمة باعتبارها تأويلاً والحيلولة دون الوقوع في فخ التفسير، الذي يحاول فك الغموض بالتوصل إلى معنى محدد، اقتضت القيمة الجمالية الإبقاء على ذلك الغموض الذي يسمح بتوليد دلالات متعددة. فالمهم في ترجمة الشعر، كما قال رشيد المومني في مقال له بعنوان "ترجمة الشعر كإشكال فلسفي"، هو جماليات النظم "المتحكمة في كل حكم أو تقييم، باعتبار أن الرسالة المضمرة في النص، تبقى ـ على أهميتها ـ ثانوية، إذا ما قورنت بخصوصية التفاعل العام، لمجموع مكوناته، والمتحقق أساسا باللغة، التي لم تعد يعنينا شأنها في كونها لغة أصل، أو لغة فرع، قدر ما تعنينا قوة حضورها داخل مدونة القول الشعري والفلسفي". المواءمة بين الترجمة والتفسير ليست هي المشكلة الوحيدة التي تقابل كل مترجم للشعر، فهناك مشاكل أخرى واجهت ترجمة هذه اليراعات".

وأضاف أن هناك أولاً اختلاف الأسماء بين اللغتين، فكثير من الأسماء المؤنثة في الإنجليزية هي مذكرة في العربية والعكس. من هذه الأسماء "الشمس" مذكرة و"النهر" مؤنث، وغيرها من الأسماء والضمائر. واليراعة التالية مثال على ذلك:

تهمس نجمة الصباح للفجر:

"أخبرني أنك لي وحدي".

يجيبُ الفجر: "نعم،

ولتلك الزهرة المجهولة وحسب".

اقتضى سياق الحوار، الذي يدور بين مذكر ومؤنث، تأنيث النجم، المذكر في الأصل، نظراً إلى استحالة تأنيث الفجر كما ورد في الأصل. وهذا مثال آخر:

تَعرف زهرة الياسمين

أن الشمس

ستكون أختها في الجنة.

وتابع حمادي أن سياق اليراعة، في الأصل، يدور بين مؤنث هو الياسمين، ومذكر هو الشمس، فكان لا بد من استبدال أخيها بـ "أختها". كما احتوت بعض اليراعات على ضمائر تحتمل الإشارة إلى مؤنث أو مذكر، حبيب أو حبيبة، أو مقدس.

وأضاف أن استهلال بعض الأسماء بحرف كبير ممتنع في العربية، خلافاً للإنكليزية التي قد يشير الحرف الكبير إلى تمييز ذلك الاسم بصفة مقدسة، كما في يراعة "حين يلامس صوت "الله" الصامت كلماتي." التي ميزت كلمة Silent بحرف كبير، وهو ما يقتضى تمييز الغائب بصفة أو اسم كما في المثال. إن ثمة يراعة تأسست على التلاعب اللفظي بين كلمتين تتقاربان صوتياً مثل "spilling" و"spell"، وهو ما لا يمكن نقله إلى العربية. وأخيراً، هناك مخاطب مجهول وجدنا أنه من المفيد الكشف عنه، وهو النحلة، كما في اليراعة:

حبك المرفرف، أيتها النحلة،

مس بجناحيه زهرة شمسي

ولم يسألها

إن كانت تود التنازل عن عسلها.

وأشار حمادي إلى أن رابندرانات طاغور، شاعر ومسرحي وروائي هندي. ولد عام 1861 في القسم البنغالي من مدينة كلكتا. تنتمي أسرته إلى طبقة البراهما، لكنها جمعت بين النزعة الغربية العملية ومثالية الهند وزهدها. عُرفتْ أسرته بثرائها وتراثها ورفعة نسبها، فكان والده مصلحا اجتماعياً ودينياً معروفاً وسياسياً ومفكراً بارزاً. أسس جده إمبراطورية مالية، وكان آل طاغور رواد حركة النهضة البنغالية. تلقى طاغور تعليمه بدايةً في منزل الأسرة ودرس القانون في إنكلترا، لكنه عاد إلى الهند ليدير أملاك والده الشاسعة. تزوج وهو في الثانية والعشرين بفتاة في العاشرة وأنجب منها ولدين وثلاث بنات. مُنح جائزة نوبل للأدب عام 1913، وأنشأ مدرسة فلسفية في غرب البنغال معروفة باسم فيسفا بهاراتي أو الجامعة الهندية للتعليم العالي في عام 1918.

وختم بأن طاغور أمضى ما تبقى من عمره متنقلاً بين العديد من دول العالم، وظل غزير الإنتاج حتى قبيل ساعات من وفاته حين أملى آخر قصائده لمن حوله، ودخل غرفة العمليات لإجراء عملية جراحية، توفي على إثرها عن عمر يناهز 80 عاما، وذلك في أغسطس/آب من العام 1941. كتاباته مفعمة بحب الطبيعة وحب الهند. البنغالية هي اللغة الأساسية التي كتب بها أعماله، وقد ترجم بنفسه العديد منها إلى الإنكليزية.

شذرات متفرقة من الكتاب:

(1)

افتح بابك لمن عليه الذهاب

فالفقد يصير غير لائق

حين يُعترض سبيله.

(2)

اليراعات المتلألئة بين الأوراق

تثير دهشة النجوم.

(3)

الجبالُ هي إيماءة الأرض القانطة

لما لا يُطال.

(4)

الجمال ابتسامة الحقيقة

وهي ترى وجهها

في مرآة الكمال.

(5)

الفراشة لا تحصي الأشهر

بل تعد اللحظات

ولديها وقت كافٍ لذلك.

(6)

قُبلة ليلة البارحة

على عينَيّ الصباح المغمضتين

تتوهج في نجم الصباح.

(7)

آملةً في شد عزيمة مصباح واهن

تسرجُ الليلة العظيمة جميع نجومها.

(8)

قطرة الندى لا تعرف الشمس

إلا من خلال جرمها الصغير.

(9)

السماء لا تنصبُ فخاً لاعتقال القمر

حريتها تُلزمها بذلك.

والضوء الذي يملأ السماء

يلتمس قيده في قطرة ندىً على العشب.

(10)

متوردة بوهج الغروب

تبدو الأرض ثمرةً ناضجة

تترقب أن يحصدها الليل.

(11)

الجمال ابتسامة الحقيقة

وهي ترى وجهها

في مرآة الكمال.

ينطلقُ الأطفال

من عتمة المعبد المهيب

ويفترشون التراب،

يشاهدهم الله وهم يلعبون

فينسى الكهنة.

(12)

من يفعل الخير يبلغ بوابة المعبد

أما من يحب

فيصل إلى الحرم المقدس.

(13)

الإيمان هو الطائر الذي يستشعر النور

ويغرد قبل انبلاج الفجر.