
أمجد توفيق يفك شفرة الرواية الناجحة
أن تخرج من بين ضجيج المطابع رواية يضعها كاتبها على واجهات المعارض والمكاتب فلا نجد صعوبة فيما يقوم به، لكن الصعوبة البالغة والمهارة العالية والقدرة الفائقة في كتابة رواية مستوفية لشروط نجاحها وخصائص قدرتها على التفاعل بعيدة عن كل اشكال الحشو المقرف والتقريرية الساذجة والترهل القبيح، رواية مشدودة في حبكتها كأفعى الصحراء، ولغة روائية واسلوب سردي قادر على خلق حاضنات التصريح والتلميح ضمن مبناه ومعناه .
الرواية صنعة قائمة على الابداع وعلى التفاعل الواعي اثناء كتابتها يرافقها ذاكرة متقدة ووجع داخلي ومخاض عسير.
أتحدث هنا عن الرواية الناجحة وعن الروائي الناجح وعن الجهد الفني القائم على اساس التميز ودقة الاختيار والمراجعة الدقيقة والمحاكمة الصارمة لكل خصائص هذا الفن ابتداء من منبعه وحتى مصبه و: (ما يكتب دون جهد، يقرأ دون متعة) كما يقول الاديب صموئيل جونسون.
الرواية الناجحة التي تقوم على منظومتين أساسيتين هما اللغوية والدلالية ونجاحهما مرتبط ارتباطا وثيقا على وثيقة الزواج الشرعية وقدرتهما على الانجاب والخلق .
والقصة فن آخر يختلف عن فن الرواية من حيث العناصر المكونة لهما، ولسنا هنا بصدد التفريق بينهما فهذا الامر يحتاج الى بحث مستفيض ووقت طويل، فما نريد الوصول اليه هو عدم القول إن الرواية تمثل قمة الجبل والقصة تمثل السفح رغم وجود القواسم المشتركة بينهما، فالقصة الناجحة تحتاج ربما الى جهد اكبر من الجهد الذي يبذله الروائي كونها تعتمد على تقنيات دقيقة ومعقدة اهمها التكثيف في الاسلوب القصصي والوحدة في البناء والشطارة في زرع بؤر الاثارة والانارة في رسم الفضاء القصصي وما يتعلق بالشخصية المحورية دون الشخصية النامية وفي التخلص من كل الخيوط السائبة التي تتعلق بمكان وزمن القصة وخلق التوتر المطلوب الذي يشكل الفاتحة لخلق الصراع داخل جسد النص.

من يقرأ ما كتبه القاص الأستاذ امجد توفيق يدرك براعته في كتابة القصة رغم درجات التفاوت بين مجموعتيه القصصيتين "الثلج .. الثلج" و"الجبل الابيض".
ومن يقرأ ما كتبه الروائي الاستاذ توفيق يكتشف دون جهد مهارته في كتابة الرواية، هذه المهارة التي تتجلى بوضوح في روايتيه "الظلال الطويلة" و"الساخر العظيم".
سأدعوكم الى سياحة سريعة بين مرافئ القاص والروائي أمجد توفيق الحاصل على بكالوريوس إعلام والذي شغل العديد من الوظائف من بينها انه تولى خطة مدير الثقافة الجماهيرية في بغداد ورئيس تحرير مجلة "الطليعة" ورئيس تحرير مجلة "فنون" رئيس تحرير مجلة "قطوف".
كما شغل منصب رئيس سلسلة القصة والرواية والمسرحية في وزارة الثقافة، ومدير الاخبار والبرامج السياسية في قناة "البغدادية" وتولى ايضا خطة مدير عام قناة "الرشيد" الفضائية، ومدير عام مؤسسة "الوسيط" الاعلامية الى جانب تقلده منصب المستشار.
وأصدر الكاتب والقاص والروائي أمجد توفيق كتبا في القصة والرواية والنقد منها: "الثلج.. الثلج" (مجموعة قصصية) 1974 وزارة الثقافة والاعلام، "الجبل الأبيض" (مجموعة قصصية) 1977 وزارة الثقافة والاعلام- طبعة ثانية 1985، "قلعة تارا" (مجموعة قصصية) 2000 - اتحاد الكتاب العرب في دمشق، "موسيقى الحواس والغرائز" - وزارة الثقافة دائرة الشؤون الثقافية 2000
كما أصدر "برج المطر" رواية 2000 -وزارة الثقافة دائرة الشؤون الثقافية، "طفولة جبل"رواية 2002 وزارة الثقافة دائرة الشؤون الثقافية، "نحل القلم، عسل الثقافة" كتاب نقدي 2001 -وزارة الثقافة الموسوعة الصغيرة، "الطيور الحرة" رواية 2002- طبعة ثانية 2019، "الظلال الطويلة" رواية 2008- اتحاد الكتاب العرب في دمشق- طبعة ثانية الدار العربية 2018، "الساخر العظيم" رواية 2018- دار فضاءات في عمان-طبعة ثانية بغداد 2021 .
كما رصع رصيده الأدبي بمجموعات قصصية ودراسات نقدية من بينها "الخطأ الذهبي" مجموعة قصصية دار الصحيفة العربية-دمشق 2020، "رحلة مع الساخر العظيم" اعداد دراسات لمجموعة من النقاد والأدباء عن الرواية 2019، "امجد توفيق نهر بين قرنين"-كتاب نقدي لحمدي مخلف الحديثي عن تجربة امجد توفيق الابداعية، "تحولات أمجد توفيق في الخطأ الذهبي" كتاب للاستاذ حمدي مخلف، "للنار ظل المعنى" قراءات في رواية الظلال الطويلة لأمجد توفيق،"كتاب القصة" اعداد أمجد توفيق ولطفية الدليمي- صدر عن مجلة الطليعة الادبية 1978 .
ونشر امجد توفيق مئات المقالات والدراسات في الصحف والمجلات العراقية والعربية، وتم ترجمة أعماله إلى اللغات الانكليزية والفرنسية والاسبانية والروسية وحولت بعض أعماله إلى أفلام وتمثيليات .
وقد نال العديد من الجوائز من بينها جائزة الدولة لأفضل رواية عراقيـة، جائزة العنقاء الذهبية الدوليــة، جائزة أفضل مجموعـة قصصية، جائزة أفضـل إعلامي عراقي، جائزة قلادة الصحـافة، كما اقتنص عشرات الدروع والشهادات التقديرية وهو مرشح العراق لنيل جائزة اليونسكـو.
وانخرط امجد توفيق في العديد من المنظمات والهيئات المعنية بشؤون الاعلام والكتاب وهو عضو اتحاد الأدباء والكتاب، عضو اتحاد الكتاب والأدباء العـرب، عضو نقابـة الصحفيين العراقيين، عضو منظمة الصحافة العالمية.
"ثقافية الزوراء" دخلت بيدر القاص والروائي امجد توفيق وخرجت منه بهذا العطاء:
ماهي نسبة الروايات الجيدة في كل ما ينشر
- ما تعليقك على ما يقال ان سطوة الشعر تراجعت لصالح القصة والرواية.
هذا القول يفترض أن ثمة منافسة بين أنواع الابداع حسب تجنيس أي نوع، وهو افتراض من الصعب عليّ قبوله، فالشعر كان وسيبقى ديوان العرب، والأنواع الابداعية تشترك في جذر واحد هو القيمة الجمالية، ومن الواضح أن الموجة الكثيفة في انتاج الروايات ونشرها شكل أرضية لهذه الفرضية، لكن ذلك مرتبط بأسباب وظروف يطول البحث فيها، المهم ماهي نسبة الروايات الجيدة في كل ما ينشر، وهل هناك قراء حقيقيون لها؟
حديقة الابداع تضم أزهارا متنوعة ومن حق أي إنسان أن يعجب بالزهرة التي يختارها لكن اختياره ليس موجها ضد الاعجاب بزهرة أخرى، وما هو أهم من وجهة نظري أن نسبة القراء في تناقص، وأفضل ديوان أو رواية لا يطبع أكثر من ألف نسخة تعاني من سوء توزيع كارثي. فالجسور شبه مقطوعة بين المبدع والقارئ، وليس هناك فرصة حقيقية للتغيير فما زال الكتاب مطروحا على الأرصفة، بينما تحظى الأحذية بعرض أخاذ وراء زجاج نظيف. وما زالت وسائل الاعلام من قنوات تلفزيونية أو وسائل التواصل الاجتماعي تعلن عن كل شيء وتضع ميزانيات لكل منتوج إلا الكتاب.
متعة قراءة الرواية
-ما الذي يدهشك في الرواية الناجحة ؟
يدهشني الجمال، يدهشني الفكر، تدهشني اللغة، يدهشني البناء الذكي، يدهشني ثراء المبدع في التجربة وثراءه المعرفي، ينبغي أن نتمتع بقراءة الرواية، والمتعة التي أقصدها ليست مرادفة للتسلية بل إثارة الحافز لخوض تجربة.
مدخل الرواية
- تأخذ الجملة الاولى اهتماما استثنائيا في كتابة الرواية، في روايتك "الظلال الطويلة" كنت رائعا في افتتاحيتها (الشجاعة الحقة لا تبحث عن شهود وتوثيق واعلان)، يرى البعض ان المدخل الذي سبق الفصل الاول والذي كان خارجا عن حدود النص الروائي قد اختطف وهج هذه الافتتاحية، وقد اعدته في روايتك الأخرى (الساخر العظيم) فبماذا تفسر ذلك؟
ـ لكل شيخ طريقته كما يقال، المدخل مفتاح قد يكون ضروريا في رواية ما، أو زائدا في رواية أخرى، وطبيعة المداخل مركزة ذلك أنها تستهدف ثيمة الرواية، أما الجملة الأولى في أية رواية فلا تحظى بالأهمية نفسها فهي جزء من بناء متشعب مقسم حسب طبيعة الرواية وأسلوب كتابتها، والاشارة إلى الجملة الأولى في رواية "الظلال الطويلة" تكشف طبيعة وعي المؤلف أو الشخصية الروائية، عموما أجد أن الاهتمام ينبغي أن ينصب على عبارات الرواية بأكملها .
الملاحظة لا تبعد القارئ عن أجواء الرواية
- هل تعتقد ان ثمة ضرورة لوجود ملاحظة في روايتك "الساخر العظيم"؟ وهل هي محاولة لإبعاد القارئ عن المشاركة في اكتشاف ما تريد توضيحه ؟
ربما تكون رواية "الساخر العظيم" هي الرواية الوحيدة التي كتبت ملاحظة في مقدمتها، أقول : إن طبيعة الرواية مسؤولة عن وجود ملاحظة ما فهي رواية ممتدة تأخذ زمنا طويلا، وتتعرض للحواف الحادة في حياتنا، وهناك شخصيات وأحداث كثيرة يمكن أن تقترب أو تتشابه مع أحداث وشخصيات واقعية، ولأن الروائي ليس مؤرخا ولأنه مهموم بالقيمة الجمالية فهو غير مطالب بتحقيق نوع من الدقة مع أي حدث قد يكون معروفا للقراء، والروائي إنسان أعزل لا يملك سوى قلمه وأفكاره وسعيه لجعل الحياة أجمل لذلك يحاول أن يحمي نفسه والشواهد على تعرض المبدعين في العالم إلى تساؤلات ومحاكم وشكاوى كثيرة جدا، المبدع بشكل عام يخشى من سوء التفسير أو اطلاق قناعات من قبل الآخرين لم يكن يفكر فيها أو يقصدها .
ومن المؤكد كما أرى أن الملاحظة لا تستهدف إبعاد القارئ عن المشاركة في استلهام أجواء الرواية قدر كونها اجراء دفاعيا لحسم سوء التلقي بما ينعكس سلبا على المبدع.
لملمة الخيوط الروائية السائبة
- تعتمد رواياتك على الكثير من الشخصيات الروائية الرئيسة او الثانوية وجميعها مرتبطة بأحداث الرواية، كيف تستطيع لملمة الخيوط الروائية السائبة حفاظا على حبكة الرواية وابعادها عن حالات الترهل "الساخر العظيم" مثلا؟
أظن أن الاخلاص للعمل وقيمه والخبرة والتجربة يمكن أن يكونوا جوابا عن القدرة في عدم الوقوع في متاهة التشظي غير المسيطر عليه، فـ"الساخر العظيم" رواية تحاول الامساك بجمرة هي خلاصة فهم فني لواقع يمر بالأحداث في زمن يشهد تصدعات سريعة مفاجئة.
تنفتح الرواية على شخصيات وحوادث ومدن وتاريخ وآمال، تبدأ من مدينة الموصل في لحظة تاريخية صعبة تمثلت بسقوط كارثي أمام مسلحي داعش، عبر عائلة موصلية تشهد ما حدث وتكون مركزا لصورة متسعة الزاوية لقراءة شرفها الوصول إلى فهم بدل الدفاع عن قناعات أو تبني آراء، وهاجسها اشادة قيم جمالية وتكوينات فنية لتؤكد بصمتها الابداعية.
حلقات وعلاقات متشعبة، مدن وتاريخ، وأحداث تكون الاحاطة بتفاصيلها مناسبة تعطي الحق كله للساخر العظيم أن يكون على موجة ساخرة قادرة على استحضار المعنى العميق للبحث عن الحرية. تلك هي حكمة الساخر العظيم في قدرته على وخز العقل، ومده بأسباب الحيوية.
طبيعة العمل الابداعي تشكل تجنيسه
- في تاريخك الحافل بالعطاء والابداع طبعت لك خمس مجاميع قصصية او اكثر، ودخلت الى عالم الرواية وانجزت العديد من الروايات، أي الجنسين أحب الى نفسك في الكتابة؟
نعم كتبت القصة القصيرة، وكتبت الرواية، وكل جنس محكوم بمساحة ومحددات أو مواصفات، فما يصلح أن يكون قصة قصيرة لا يمكن أن ننفخ فيه ليصبح رواية، والرواية الحقيقية لا تصلح أن نختصرها كي تكون قصة قصيرة. زمن وأحداث وشخصيات وأفكار، منها ما ينفتح ليشكل عالما تستلهمه الرواية، ومنها ما يركز على قيم محددة تكون القصة القصيرة شكلا مناسبا له.
وشخصيا أحب القصة القصيرة وأحب الرواية أيضا، ولا أعتقد أن أحدهما بديلا عن الآخر أو يمكن أن يلغيه وفي تجربتي الخاصة فإن طبيعة العمل الابداعي تشكل تجنيسه، فالأعمال الكبيرة الممتدة تستلزم مساحة لاتستجيب لها سوى الرواية.
اللغة ليست وسيلة إنما طريقة تفكير
-السردية الشعرية نراها واضحة في مجموعاتك القصصية، هل تعتقد ان هذا اللون من الاسلوب السردي يصلح في كتابة الرواية؟
اللغة ليست وسيلة إنما طريقة تفكير، وكائن حي وفضيلة أية مفردة تستخدم إبداعيا أن تكون حاضنة لإحساس صادق همه القيم الجمالية والتعبير عن قلق الإنسان المعاصر في بحثه عن الحرية والمعنى العميق لوجوده.
نعم، في تجربتي كنت معنيا بتنمية هذا الإحساس وكسر المعنى القاموسي للمفردات لصالح بنية تستفيد من الشعر والموسيقى والفنون التشكيلية، وما زلت أعتقد أنها طريقة تعبر عن فهمي لهدف الأعمال الإبداعية.
شرط أية جائزة الاستحقاق الشرعي لها
- نلت العديد من الجوائز، وكنت مرشحا لنيل جائزة اليونسكو عن العراق، ماذا تعني الجائزة لديك؟
كل مبدع يسعد بنجاح عمل له، ويعتز إذا ما نال هذا العمل جائزة، شرط ذلك أن تكون الجهة المانحة جديرة بمنحها وعلى وفق منهج شفاف وقيم إبداعية لا تخضع لاعتبارات السياسة والأجندات التي تحاول لوي عنق الإبداع لصالح قيم غير إبداعية.
إن الجوائز والتقدير في تجربتي الابداعية جاءت اعترافا بجهد وقيمة، ولم أكتب في يوم ما عملا معدا لجائزة ما مهما كان نوعها، ولست مستعدا لتبني منهج لا ينبع من قلبي استجابة لشروط واضعي الجوائز. فشرط أية جائزة هي الاستحقاق الشرعي لها ولا شيء غير ذلك .
كتب الكثير من النقاد والباحثين حول منجزك السردي، كيف تنظر الى المشهد النقدي عبر مسيرة ابداعك الطويلة؟
المشهد النقدي يعاني من الأمراض
ــ على مستوى شخصي لا شكوى لدي، فأعمالي حظيت بمتابعات ودراسات نقدية لنقاد وأدباء أكن لهم الكثير من الاحترام والتقدير، بل عمدت في الفترة الأخيرة إلى جمع ما كتب عن أي عمل لي واصداره في كتاب بهدف التوثيق بعد أن فقدت عشرات الدراسات والمقالات التي تناولت تجربتي.ولكن كمتابع للحياة الثقافية أقول : ما زالت المشهد النقدي يعاني من أمراض، حاله في ذلك حال بقية عناصر المشهد الثقافي بشكل عام ، فليس غريبا أن يهمل كتاب مهم لصالح كتاب آخر يشكو من ضعف واضح في مفاصله كافة، وليس غريبا أن تقع بعض المقالات النقدية في مجاملات بعيدا عن قيمة النقد ودوره المهم في الكشف والاحاطة، وليس غريبا أن يدخل الجانب الحزبي والانتماءات الفكرية في الاهتمام بعمل دون آخر، ولكن هذه الأمراض ليست حكرا على النقد بل هي أمراض مستعصية في واقعنا العام.
انفصال عن العالم الخارجي لحظة الكتابة
- لكل كاتب طقوسه في الكتابة، ما هي طقوس القاص والروائي الاستاذ امجد توفيق؟
ــ ليس لدي طقس خاص، أو مستلزمات ينبغي توفرها، لا شيء غير أن أكون على موجة صافية، ففي لحظة الكتابة انفصل تماما عن العالم الخارجي مستغرقا في عالم الرواية أو القصة، متابعا للأحداث والشخصيات، لا قرارات مسبقة، ولا خريطة صارمة ألتزم بتفاصيلها فالقواعد والوصايا والمعايير وجدت، ووجد أيضا أسلوب خرقها في كل زمان ومكان، وتجربتي قائمة على نظرة متسعة الزاوية، وفهم يتعاطف مع الآخر، فالحقيقة كانت وما زالت أقرب الأكاذيب إلى نفسي.
وأكثر مفردة لا أستسيغها هي الكراهية لأني لا أستطيع أن أكره أحدا، قد لا أحب شخصا ما أو حالة ما، ولا أحب سلوكا بعينه، وأتمنى أن يتغير، لكن كلمة الكراهية صعبة للغاية.
هل منحت جائزة نوبل لأفضل الأدباء في العالم؟
- ما رأيك بالذي يقول : النص الجيد يفرض نفسه على الجميع في هذا العالم الذي تتلاعب فيه قوى الدعاية والاعلام ؟
ـ نظريا يمكن أن نفهم العبارة ونتعاطف معها، أما عمليا فلدينا من الشواهد ما يجعلنا نخجل أمام حالات ومشاهد مناقضة لهذه العبارة، هل منحت جائزة نوبل لأفضل الأدباء في العالم؟ هل كانت معايير الجوائز الدولية متطابقة مع أهدافها المعلنة؟ ألم نشهد ذبول وانكسار أدباء كبار على خلفية مواقف معادية لتوجهاتهم الفكرية؟ هناك أدباء تم تصنيع الهالات التي تحيطهم عبر جوائز ملفقة واهتمام اعلامي مدفوع الأجر، وهناك مبدعون حقيقيون يعانون من نقص أبسط مستلزمات الحياة.
عالم ما يزال يئن من فشله، وتاريخنا للأسف الشديد تاريخ اخفاق بالرغم من التقدم الحاصل في مجالات الحياة كافة، وإلا كيف نفسر الحروب في العالم؟ وكيف يوافق هذا العالم المجنون على مجاعة شعوب؟ وكيف يتعامل مع بشر لا يستهدفون سوى حياة مستقرة عبر الهجرة أو الهرب من واقعهم البائس؟ الحق لوحده لا يغير شيئا، والجودة لوحدها لا تكفي لا بد من وسائل كي يفعل الحق فعله، ولا بد من وسائل لتؤكد الجودة نفسها وللأسف نحن بعيدون عن ذلك جدا.
الحب يشكل علاقتي بالمكان
- ما تأثير المكان في قلمك القصصي والروائي؟
منذ البداية كان الجبل معلمي الأول لم يكن مكانا، كان صديقا، توضأت بلغته المهيبة بصوته الواثق بشجاعته التي لا تحتمي بشهود، تعلمت أن الصدق الذي يرغمك الخوف عليه غير الصدق النابع من قلبك غير الصدق الذي يمتحن شرفك وقيمك، منحني الجبل حبه، لا شيء غير الحب والحب وحده هو ما يشكل علاقتي بالمكان منذ اليوم الذي تعلمت فيه درس الجبل، وغادرته إلى مدن وأماكن، فتحول الجبل من مكان إلى قيمة. دهوك والموصل وكربلاء وبغداد محطات سكنت قلبي، لم أغادرها ولست معنيا بأي بديل، ولأنها كذلك، فلها شواهد ، بل أن وجودها كان حاسما في كل ما أكتب.