سعادة إسرائيل بالمقاومة الإسلامية
بعد أن فرضت إيران ميليشيات الأمر الواقع باعتبارها مقاومة إسلامية تبين أن كل قواعد الحروب التقليدية لم تعد تنفع في درء خطر تلك الميليشيات التي ابتلعت دولا وصار في إمكانها أن تضحي بشعوب كاملة من أجل أن تنفذ تعليمات الحرس الثوري الإيراني ولا هدف لها سوى إثبات تبعيتها للولي الفقيه وإيمانها بمبدأ تصدير الثورة الذي اتخذ طابعا عقائديا بالرغم من أن غاياته السياسية لا تقوم أصلا إلا على أفكار استعمارية وهب صاحبه وهو الخميني من خلالها قومه الفرس حق التسلط والهيمنة على الشعوب الأخرى. تلك فكرة عنصرية تقوم على أساس نظرة قومية ضيقة لم يعد في الإمكان القبول بها في عصرنا الذي يشهد امتزاجا لا حدود له بين الهويات من غير أن تعلو هوية على سواها.
ليست تلك الحقيقة خافية على أحد. وهو ما يعني أن كل الميليشيات التي ترفع لواء المقاومة الإسلامية هي مجرد واجهات للمشروع الإيراني الهادف إلى الهيمنة على المنطقة سعيا وراء مستقبل تكون إيران فيه جارة لإسرائيل تتقاسم معها النفوذ في إدارة شؤون المنطقة وهو ما لا تثق به إسرائيل ذلك لأنها لا تثق بإيران بالرغم من أن هناك علاقات تعاون هامشية تحت الطاولة بين الطرفين تعود إلى ثمانينات القرن الماضي. الحوثيون في اليمن وحماس في غزة وحزب الله في لبنان والحشد الشعبي في العراق هي أذرع إيرانية مسلحة تعمل على تثبيت ما تحتاجه إيران في إطار توسيع الجمهورية الإسلامية خارج الحدود السياسية لإيران. ولهذا يمكن اعتبار مصطلح المقاومة الإسلامية شعارا مضللا أو أن القائمين عليه لا يقصدون ما يفهمه الكثيرون ممَن غُسلت عقولهم منه وأدمنوا على التعاطف معه.
تكذب التنظيمات المسلحة التي تقاتل في لبنان واليمن والعراق وغزة حين تدعي المقاومة. هل كان حزب الله مثلا في حاجة إلى مصادرة قرار الدولة اللبنانية السيادي لكي يقاتل إسرائيل؟ ثم هل يمكن لأية دولة في العالم أن تسلم قرار الحرب لميليشيا؟ ما كان لحزب الله أن تكون له الكلمة في الحرب من غير أن يبتلع الدولة اللبنانية. ذلك أدى إلى أن يكون لبنان من غبر دولة. كل بنى دولته الرسمية انما هي هياكل خاوية. الدولة تقع في مكان آخر. وهو ما انتهى بلبنان الرسمي إلى أن يكون دولة فاشلة، لا تقوى حكوماته على اتخاذ قرار حتى في ما يتعلق بالخدمات الإساسية. ذلك يصح على العراق بوجود الحشد الشعبي وعلى اليمن بوجود جماعة أنصار الله أما غزة فإن مصيرها صار كارثيا.
وإذا ما كانت غزة وهي تتعرض لعدوان إسرائيلي مباشر جعل منها عنوانا لكارثة إنسانية فإن الأمور لا تختلف في لبنان واليمن والعراق. فقوى المقاومة الإسلامية التي انتزعت سلطة الدولة واحتكرت السلاح لا تفكر في تصريف شؤون المواطنين التي أفرغت دولهم من محتواها. كل ما نشهده انما هو انقلاب صريح على مفهوم الدولة. كان انقلاب الحوثيين في اليمن على الدولة واضحا وهو انقلاب أدخل البلاد في حرب عبثية صار المقاومون يتوسعون في استدراج الأطراف المساهمة فيها. وكما يبدو فإن القوى العالمية التي صارت تدافع عن مصالحها في البحر الأحمر من خلال توجيه الضربات إلى اليمن سعيدة بما حدث. وفي السياق نفسه كان حزب الله قد استولى على دولة لبنان التي سرقت فيها المصارف أموال المودعين فيها. الشعب الذي أفلس لم يكن في إمكانه أن يستنكر إفلاس دولته على المستوى السيادي.
وفيما يتعلق بالعراق فإن قوى المقاومة وقد تمكنت من القبض على مفاتيح السلطة لم تتهاون في وضع العراق بكل ثرواته في خدمة المشروع الإستعماري الإيراني. ذلك ما يتعامل به كل المسؤولين الرسميين في الدولة العراقية المهمشة بكل تقدير وهو ما يصنع دائرة لحركتهم. صارت الحكومة العراقية سجينة في تلك الدائرة. علينا هنا أن نتخيل دولة وقد صارت خادمة لميليشيا أما حكومة تلك الدولة فليس لديها مهمة سوى إدارة تلك الخدمات. تلك صورة واضحة عن تلك الدولة الفاشلة.
سعيدة إسرائيل بالمقاومة الإسلامية. ينبغي لها فعلا أن تكون سعيدة. فهي إذ تبني مستقبلها ترى أعداءها وقد فقدوا دولهم مجرد شعوب مهمشة لا تملك ما يجعلها قادرة على رؤية مصيرها.