إغتيال هنية.. السيناريوهات أربكت المشهد تعقيدا
ما إن إستفاقت وسائل الإعلام والجهات الإستخبارية والأمنية ودول المنطقة برمتها على من قبل أجهزة المخابرات الإسرائيلية حتى بدأت عمليات النسج والفبركة والإختلاق وتسريب الأخبار من جهات لها مصلحة في إستخدام أدوات الحرب النفسية المختلفة كل بالطريقة التي يجد فيها أنها تثير الرأي العام وتلفت أنظار الحكومات وأجهزة إستخباراتها وتدخلها مرغمة في دائرة جدل وغموض لم يسبق له مثيل بعد أن تكتمت الجهات الإستخبارية الإسرائيلية على الطريقة التي جرى بها تنفيذ العملية داخل إيران.
وما زاد من حالة الغموض وأدخلت العملية في إطار التكهنات والتأويلات المختلفة هو ما حاولت بعض الفضائيات عبر محللين ودوائر دعاية وتضليل واختلاق مختلفة الأشكال والمضامين للحديث عن الكيفية التي جرت بها عملية الإغتيال لأكبر عملية إستخبارية إسرائيلية جرى التخطيط والإعداد لها في تاريخ إسرائيل وأجهزة إستخباراتها هذه الأيام.
لقد تعددت السيناريوهات عن عملية الإغتيال. فمرة يجري الحديث عن صاروخ ذكي موجه عبر سفن في الخليج والمحيط الهندي المجاور للسواحل الإيرانية، ومرة عن صاروخ ذكي عبر طائرات إستهداف نوعية ومتقدمة وجهت صاروخها عن بعد فأصابت هنية في غرفة نومه التي خصصت له في أحد البيوت العائدة للمحاربين الإيرانيين المخصصة لكبار القادة الذين شاركوا في الحرب العراقية الإيرانية، وفي أخرى عن عبوة ناسفة تم التخطيط لزرعها في غرفة هنية قبيل شهر أو اكثر من عمليات الإغتيال في حين تتحدث إيران عن أن الهاتف الخليوي الثريا الذي أهدته له قطر هو من جرت من خلاله عملية الإستهداف لكي تبعد الانظار عن أن الإستهداف قد جرى من داخل إيران أو حتى من خارجها.
الغريب أن العملية التي نفذتها أجهزة الإستخبارات الإسرائيلية لم تكشف عن نوعية ما تم إستخدامه من قدرات فنية وهنا تركت الباب للتأويلات المختلفة. ومن جهتها لم تضع إيران العالم أو تطلعه على حقيقة ما جرى وعن كيفية حدوث عملية كبرى من هذا النوع لإستهداف ضيف كبير في أراضيها في ظل أجهزة إستخبارات إيرانية كان يقال عنها بأنها ضليعة في مواجهة أحداث من هذا النوع لكنها بدت وكأنها في حالة ذهول وإرتباك مما جرى وهناك من يوجه الإتهام لإيران نفسها بأنها "باعت" هنية ضمن صفقة كبرى جرت مع إسرائيل مقابل تخفيف حالة العداء بين البلدين وإظهار تعاونهما في التخطيط المشترك لإستهدف دول المنطقة وترتيبها لصالحهما.
إيران من جانبها التي تجد نفسها محرجة في تبرير إستهداف ضيفها الكبير هنية والبناية التي أقام فيها وقد ظهرت أنها خالية من أي إستهداف خارجي زادت من تلك الحيرة ومن الشكوك ومن علامات الغموض في أن العملية قد نفذت داخل إيران وبتخطيط ودعم من المخابرات الإسرائيلية التي لابد وإن هيأت لها العملاء المنفذون سواء عن طريق عبوة لاصقة أو زرعت جهازا خفيا (سيم كارد) داخل ملابس هنية ومن ثم جرى استهدافه الكترونيا بصاروخ موجه عن بعد. لكن حتى تلك التوقعات دخلت في دائرة التخمين والتأويل وليس معرفة تفاصيل ما جرى وأخذ الكثيرون يلقي اللوم على أجهزة الإستخبارات الإيرانية بأنها لم تتخذ من الإجراءات الأمنية المشددة ما يكفي للحفاظ على حياة زعيم فلسطيني كبير مثل إسماعيل هنية في وقت كانت إيران قد حملت العراق مسؤولية مقتل الجنرال قاسم سليماني وأبو مهدي المهندس على مقربة من مطار بغداد الدولي.
نعود لنؤكد من جديد أن كل ما تم الحديث عنه يدخل في إطار الفبركات وتسريب الأخبار وإختلاق سيناريوهات عن أساليب جرى بها تنفيذ عملية الإغتيال وهي التي زادت من حالة الغموض عن تلك العملية وكل واحد منها يمكن أن يكون سيناريو قابلا للتصديق. وقيمة العملية وأهميتها وخطورتها هي من أدخلت الأجهزة الإستخبارية في حالة حيرة وذهول من الطريقة التي جرى لها تنفيذ العملية حيث لم تتكشف أوراقها لا من الجهات الإستخبارية الإسرائيلية ولا من نظيرتها الإيرانية. فكلا الطرفين له مصلحة في تضييع الكيفية التي جرت بها عملية التنفيذ فقد تكون العملية ليست معقدة وبأساليب تقليدية من داخل إيران وقد تكون عبر تقنيات الكترونية بصاروخ موجه سواء من داخل إيران أم من خارجه.
لقد شكلت عمليات الإغتيال الإسرائيلية المتعددة سواء في لبنان أو سوريا أو إيران صدمة كبرى لدول المنطقة برمتها وراحت تحسب الف حساب لما تريد إسرائيل تنفيذه من مخططات تآمر ضدها وضد قياداتها العسكرية والأمنية وقد أدخلت المنطقة في أتون مفاجئات وإحتمالات عن حدوث حروب مواجهة تدخل إيران وحزب الله واليمن وحتى جماعات مسلحة من العراق طرفا فيها بالرغم من أن هناك من يستبعد تنفيذ إيران لتهديداتها بالإنتقام الكبير ضد إسرائيل فقد تقتصر عمليات من هذا النوع على عمل إيران لتهديداتها بالإنتقام الكبير ضد إسرائيل على عمليات محدودة كالتي شهدنها سابقا بترتيب مع إسرائيل وبتوافق أميركي إسرائيلي إيراني لتدفع إيران عن نفسها تهمة أن العملية كانت بعلم إيران أو أنها جرت بترتيب منها في إطار ما يتم الحديث عن صفقة بين إسرائيل وإيران بالرغم من أن آخرين يستبعدون تورط إيران في إستهداف أكبر شخصية فلسطينية مقاومة معهم في وقت يعد هنية رجل إيران القوي، ما يبعد عنها الانظار في إشتراكها في عملية تسيء الى إيران أكثر مما تحصد من خلالها على نتائج سياسية.