نجحت ثورة التحرير الجزائرية وتعثرت ثورة تحرير فلسطين

أولى المبادئ التي انطلقت منها ثورة التحرير الجزائرية، شعب موحد متأهب لخوض ثورته الكبرى من أجل هدف واحد. هل نستطيع قول نفس الشيء عن فلسطين؟

ثورة التحرير الجزائرية ثورة فريدة من نوعها في العالم الثالث، قادتها جبهة التحرير الوطني، لم تتلكأ أو تتعثر أو تساوم أو تنحرف عن منهج تحرري رسمت تفاصيله بدقة اختيار الزمان والمكان، واستنفار قدرات التحكم بهما من أجل بلوغ الهدف الإستراتيجي المنشود.

غيرت ثورة التحرير الجزائرية مسار التاريخ في شمال إفريقيا بالقضاء على أطول حقبة استعمارية، في ثمان سنوات (1 نوفمبر 1954 – 5 يوليو 1962) وأعلنت استقلال الجمهورية الجزائرية الديمقراطية الشعبية.

جبهة التحرير الوطني، لم تكن حزبا مؤدلجا يغلق الأبواب بوجه من لا يؤمن بفكرته، ولم تكن خلية تنزوي بفكر متطرف في زوايا العزلة، هي جبهة شعبية مفتوحة في مساحات الوطن الكبير لأبناء شعب موحد لا تفرقه النزعات العقائدية والعرقية، أو إغراءات تيار فكري، أو نزوة في تجمع خطابي ضيق لفئة انعزلت بنفسها عن إرادة الأمة في استعادة سيادة دولتها ورفع راية استقلالها.

هذه أولى المبادئ التي انطلقت منها ثورة التحرير الجزائرية، شعب موحد متأهب لخوض ثورته الكبرى من أجل هدف واحد، شعب منضو بكل شرائحه في ظل قيادة وطنية واحدة تسير على هدى استراتيجية متكاملة الأبعاد، وضعت في وقت مبكر من إنطلاق الثورة اللبنات الأولى لدولة مستقلة ترتقي بسيادتها، مع إعلان الحكومة المدنية المؤقتة، التي تحمل على عاتقها مسؤولية إعادة بناء الدولة الجزائرية الحديثة، لها تمثيلها الدبلوماسي في معظم دول العالم، وتنفذ برامجها السياسية والتنموية والإعلامية والثقافية، وتستشرف المستقبل بأبرام الاتفاقيات الدولية التي تتيح لها إعداد وتأهيل الكادر الوطني في مجالات الحياة كافة.

ما من ثورة تحررية فرضت احترام العالم لإرادتها المستقلة مثل ثورة التحرير الجزائرية، حتى كانت تتحرك بقادتها في المجتمع الدولي كدولة مستقلة لها هويتها وكيانها، ابتعدت عن كل أشكال الصراع الإقليمي والدولي، لم تكن تابعا لأحد، أو عنصرا بمحاور الصدام في عالم بدأت تتشكل اقطابه وتتعدد، دون التخلي عن التزامها المطلق بمبادئ الحق والعدل في تقرير مصائر الشعوب.

حققت الثورة الجزائرية انتصاراتها تحت راية وطنية واحدة، وقيادة لها اسم واحد "جبهة التحرير الوطني" وجيش شعبي وطني واحد، ونشيد وطني واحد "قسما"، قرارها السياسي العسكري موحد مستقل غير قابل للتجزئة بعيدا عن أهواء أو مصالح ضيقة قد تفرضها قوى دخيلة.

ثورة التحرير الجزائرية التي تحتفل بذكراها الـ 70 ثورة تحررية وطنية، تحصنت منذ البدء باستقلال قرارها، انفتحت على العالم ورحبت بدعمه المادي والمعنوي لكنها لن تسمح لأي كان بالتدخل في شؤونها أو فرض الإملاءات الخارجية عليها تحت أي عنوان كان، أو استغلالها في تحقيق مشاريع سياسية تتبناها قوى ما.

امتلكت ثورة الجزائر شروط قوتها الذاتية، وهي تفاجئ العالم بانطلاق رصاصاتها الأولى في الأول من نوفمبر 1954 وتعلن الاستقلال في 5 يوليو 1962، شروط تجعلنا نتساءل لماذا عجزت ثورة التحرير الفلسطينية عن امتلاكها وهي تتعثر في نضالها التحرري منذ 76 عاما؟

إذا ما تخطينا المرحلة التاريخية وخصائص ظرفها الإقليمي وصولا إلى قيام منظمة التحرير الفلسطينية كممثل شرعي وحيد للشعب الفلسطيني، نرى أن وحدة الموقف الفلسطيني غائبة، في ظل جبهات تعددت بمعتقدات فكرية او دينية، لا تلتقي الواحدة مع الأخرى إلا في شعارات غير قابلة للتطبيق، ولكل جبهة برنامجها السياسي والنضالي وفقا لما تمليه حاضناتها الداعمة لها، وعندما تتعارض البرامج تتصادم الجبهات فيما بينها بنزاع مسلح يراق فيها الدم الفلسطيني بسلاح فلسطيني، فيتغير عنوان الصراع الفلسطيني – الإسرائيلي إلى صراع فلسطيني – فلسطيني تستثمره إسرائيل وتغذيه قوى إقليمية تمكنت من مصادرة القرار الوطني المستقل وتوظيفه لصالح مشاريعها الكبرى تحت غطاء "تحرير فلسطين".

شروط انتصار ثورة التحرير الجزائرية قد لا تتكرر في سياقات ثورة التحرير الفلسطينية المحاصرة في زنقة البحث عن حلول سياسية عير قابلة للتطبيق، لكن يمكن استلهام مبادئها وقيمها الأخلاقية التي تجسدت في وحدة شعب توج تضحياته الكبرى في استعادة دولته والارتقاء بسيادتها.