لغز سوريا الجديدة بالمنظار الإسرائيلي
أما أن تكون سوريا قد تعبت من حربها ومن نظامها السابق فذلك واقع لا يمكن إنكاره. سوريا بالأسد ومن غيره هلكت وليس في إمكانها أن تعد بشيء له معنى. لقد حولتها الحرب إلى أشلاء وقد تكمل حرب أهلية على ما تبقى منها. هذا إذا كان هنالك شيء لم يهلك. هي ليست سوريا الأسد، بل سوريا السوريين المعذبين بوطن فلت جماله من بين أيديهم.
يوم كان النظام السوري يتزعم جبهة الصمود والممانعة لم يتقدم العرب خطوة واحدة تقريهم من قضيتهم المركزية في فلسطين. كانت المسافة تبعد مع الوقت. وكانت سوريا كلما تعرضت لعدوان سياسي يأتي الجواب من دمشق محمولا على أجنحة الرد في الوقت المناسب. طبعا لم يحن ذلك الوقت إلى أن سقط النظام.
من المؤكد أن بشار الأسد قد التبست عليه الحالة. لقد توهم الرجل أو أوهم بأن الفلسفة السياسية التي كانت هي محور الحكم أيام أبيه يمكن أن تجعله أقوى كما كان أبوه. ذلك كان خطأه القاتل. فحافظ الأسد كان صانع للأجهزة الأمنية، العارف بخباياها، حامل مفاتيحها ومبرمج حركتها. في زمنه كان كل شيء تحت السيطرة. حتى أنه تمكن من تمرير كذبة الرد في الوقت المناسب. في حينها كان الجميع ينتظر كلمة منه لتحويل الهدنة المؤقتة مع إسرائيل إلى سلام دائم.
أما بشار الأسد، طبيب العيون الذي أُلزم بأن يكون رئيسا فقد اقتادته الأجهزة الأمنية من خلال حزب البعث الذي كان ملحقا بها إلى مجلس الشعب ليعلن من على منصته أنه سيكون رئيسا لسوريا. كان الشاب الذي بدا لأول وهلة كما لو أنه نبوءة غير متوقعة لانتقال سوريا إلى العصر الحديث قد عزم على إحداث تغيير ما في سوريا. غير أن ما لا لم يدرك الأسد معانيه أن عهد أبيه الذي انتهى أورثه أجهزة أمنية لن تكون تحت سيطرته بعد أن غاب القائد الذي عرف كيف يدجنها ويضعها في قفص خيلائه المأزوم.
ما هو صحيح أن المعالجات الأمنية كانت هي القاعدة في سوريا منذ أن استولى حافظ الأسد على السلطة وحتى اللحظة التي غادر فيها إبنه دمشق متجها إلى موسكو. سوريا كانت دائما هي مؤسستها الأمنية. ذلك ما يدركه الزائر ما أن تطأ قدماه أرض مطار دمشق. غير أن الفرق بين زمني الأب والإبن كان واضحا. لم تكن الأجهزة الأمنية تقوم بشيء في زمن الأب إلا بعد أن تتلقى الأوامر منه أما في زمن الإبن فإنها كانت هي التي تملي الأوامر على الرئيس لكي يكون واجهتها في كل ما تريد القيام به. لذلك فشل بشار الأسد في وضع حلول كريمة لمشكلة صغيرة نشأت في درعا وكان في إمكانه من موقعه أن يكسب حب السوريين من خلال إقناعهم بأنه يقف معهم. ولكنه لم يقو على القيام بذلك لأن الأجهزة الأمنية كانت قد دربته على بلاغة فارغة لا أثر لها على الواقع.
كل ذلك كان واضحا بالنسبة للعقل السياسي الإسرائيلي. لذلك أجهد سياسيو الغرب أنفسهم في محاولة إقناع الأسد الأب في الانضمام إلى اتفاقيات السلام مع إسرائيل ولم يفعلوا الشيء نفسه مع الأسد الإبن الذي انحدر بسوريا من موقع زعيمة تيار الصمود والممانعة إلى موقع صارت فيه تابعة لإيران التي تزعمت تيار المقاومة الذي لم يكن سوى السد الذي بنته إيران للدفاع عن مشروعها التوسعي في المنطقة وحماية مصالحها التي وجد الأسد الإبن نفسه مضطرا إلى أن يقوم بخدمتها بعد أن فقد القدرة على ترديد مقولة "الرد في الوقت المناسب". لقد صار ذلك الرد جزءا من الماضي في الوقت التي صارت فيه إسرائيل تملك الحق في مهاجمة الأراضي السورية من أجل تدمير القواعد العسكرية الإيرانية ومخازن الأسلحة التي فقد النظام السوري القدرة على الطلاع على خرائطها.
بعد سقوط نظام الأسد توحشت إسرائيل في مشروعها التدميري لكل ما هو موجود على الأرض السورية من معسكرات ومخازن أسلحة. يُقال أن حكام سوريا الجدد طلبوا من الولايات المتحدة أن تتدخل من أجل أن توقف إسرائيل هجماتها غير أن الناطق باسمهم وهو محافظ دمشق قال إن سوريا لا مشكلة لها مع إسرائيل.
وهكذا يكون اللغز قد انتهى إلى أن يكون حكاية مسلية.