خامنئي يرقص على حبل ترامب

لم يبق لإيران من متسع للتفاهم مع إسرائيل. التوجه إلى الشيطان الأكبر مباشرة هو محاولة الإنقاذ الأخيرة.

لا مبالغة في القول إن المرشد الأعلى في إيران هو صاحب القرار النهائي ليس لمكانته الدينية وهو الولي الفقيه وهي المكانة التي ورثها عن سلفه الخميني، بل لأنه يقبض على مفاتيح الحرس الثوري، وهو القوة العقائدية الضاربة التي وضعت الجزء الأكبر من الاقتصاد الإيراني في خزائنها كما أن اللحظات الحرجة تضعه في مرتبة أعلى من المرتبة التي يحتلها الجيش الإيراني. فما من واقعة صدام مع العالم الخارجي إلا وكان الحرس الثوري ممثلا للطرف الإيراني فيها. والحرس الثوري لا يتبع أي مؤسسة من مؤسسات الدولة، لا مؤسسة الرئاسة ولا مؤسسة الدفاع.

صوريا يستمد الحرس الثوري قوته من ثقة خامنئي به في الوقت الذي يمكن القول فيه إن قوة خامنئي وهو رجل ملهَم بالنسبة لمقلديه هي مستلهمة من كفاءة الحرس الثوري في إدارة معاركه التي غلب عليها الطابع غير المباشر إلا في حالات القرصنة البحرية التي سبق للعصابات الصومالية أن أثبتت جدارة في القيام بما يشبهها. ما يهمني هنا التأكيد على أن هناك أسطرة تجمع بين خامنئي وحرسه الثوري كونهما يمثلان الطرف الأقوى في الجمهورية الإسلامية التي هي واجهة إيران في المفاوضات مع العالم الخارجي وهي مفاوضات لا يستعمل الإيرانيون فيها لغة خامنئي وجنرالات الحرس الثوري. تلك لعبة توسع الإيرانيون في استعمالها في مختلف المناسبات تعبيرا عما يٌسميه البعض بالدهاء لإيراني في الوقت الذي صار فيه العالم على معرفة بتفاصيل الخطاب الإيراني المزدوج. فما يقوله خامنئي لا يقوله المفاوضون. كما أن كلام خامنئي لا يعبر بالضرورة عما تريده إيران وما تصر على شروطه.

وليس من باب التكهن أن يُقال إن خامنئي على الرغم من تعاليه على سياسيي عصره كونه رجلا ملهَما يدرك أن دونالد ترامب ليس من السلالة الأوبامية. كانت هناك سنوات أربع مريرة عاشتها إيران يوم استلم ترامب الحكم في الولايات المتحدة في ولايته الأولى. أما أن يقول إن التجربة أثبتت أن إجراء محادثات مع الولايات المتحدة هي خطوة ليست ذكية أو حكيمة أو مشرفة فذلك لا يعني شيئا إذا ما قررت حكومة ترامب البدء بمفاوضات تهدف إلى إبرام إتفاق نووي جديد بشروط قد يؤدي تنفيذها إلى تخفيف العقوبات الاقتصادية المفروضة على إيران ولكن شيئا من ذلك الحلم الإيراني لن يكون قريبا في ظل حماسة الولايات المتحدة للمشروع الإسرائيلي الذي يهدف إلى إعادة إيران إلى حدودها الرسمية. لن يبرم ترامب اتفاقا جديدا مع إيران إلا بعد أن يتأكد من أنها ستكون في موقع الخضوع لإملاءاته. ذلك ما يخيف إيران وهي تنتظر بقلق البدء بتنفيذ الإستراتيجية الأميركية الجديدة في التعامل مع العراق.

أن يبقى العراق إيرانيا فذلك هو الانتصار الذي سيقطف ثماره الحرس الثوري من خلال استمرار ميليشياته في الهيمنة على الدولة العراقية التي فتح أمامها الإستثناء الأميركي من العقوبات الباب لكي تمول إيران بالعملة الصعبة. أما إذا قرر ترامب أن يلغي ذلك الاستثناء فإن وجود الميليشيات والأحزاب الموالية لإيران في العراق سيتخذ طابعا رمزيا قد يتمكن الشعب العراقي من إزالته إذا ما ساعدته الولايات المتحدة من خلال وسائل دعايتها. ولكن ذلك الأمل قد يكون ضعيفا إذا ما عمد الأميركان إلى إتباع مزاج معادلاتهم التي لا تراعي مصلحة الشعوب. لن يفكر ترامب في مصلحة الشعب العراقي بل يفكر في الحبل المشدود الذي مده إلى إيران من خلال العراق والذي هو على يقين من أن خامنئي سيرقص عليه بتصريحاته المتشددة التي يخاطب بها مقلديه من أجل رفع معنوياتهم التي يعرف أنها باتت اليوم قريبة من الإنهيار بعدما تحررت سوري ولبنان من الهيمنة الإيرانية.

بالنسبة للغرب وفي مقدمته الولايات المتحدة فإن ما يقوله خامنئي لا يعبر عن وجهة نظر رسمية إيرانية. قد قال الرجل كلاما كثيرا في معاداة الغرب في حين كان الوسطاء الإيرانيون يسعون إلى كسب الود الغربي في محاولة منهم للبحث عما يرطب الأجواء مع الدولة العبرية التي ظلت غير مقتنعة بصفاء النية الإيرانية إلى أن وقعت أحداث السابع من اكتوبر عام 2023 فانقطعت تلك الخيوط واسودت الصورة. لم يبق لإيران من متسع للتفاهم مع إسرائيل. لذلك فإن التوجه إلى الشيطان الأكبر مباشرة هو محاولة الإنقاذ الأخيرة. كل ما يقوله خامنئي في ذلك المجال يمكن قراءته بالمقلوب.