هيثم الزبيدي رحل ولم يرحل

المعلم ليس بالضرورة من نلتقيه وجها لوجه، المعلم قد نتعامل معه من وراء الشاشات.

عرفته دون ان أعرفه، قابلته دون أن أقابله، إنه الراحل الكبير د. هيثم الزبيدي، عرَّفني عليه أستاذي الكاتب والشاعر والروائي الكبير أحمد فضل شبلول، بارك الله في عمره، الذي أعتبره أستاذي في الصحافة، حيث قدمني للدكتور هيثم الزبيدي للنشر مع ميدل إيست أون لاين، وصحيفة العرب اللندنية ودعمني في ذلك.

كانت ومازالت فرصة كبيرة بالنسبة لي أن أكتب مع مؤسسة صحفية كبيرة، لها باع وانتشار كبير في الوطن العربي كله، كانت نقلة كبيرة في حياتي حين بدأت النشر فيهما، أن تصل كلمتي لقراء كثر بالعالم العربي، مقالات وتقارير وتغطية فعاليات مهمة، استقبلها الراحل بكل دعم وتشجيع وترحيب.

كنت أتمنى لقاءه، ولكن لم يسعدني حظي بذلك، وكل التواصل معه كان من خلال الإيميل حين أرسل مقالاتي للنشر، أو يكون لدي طلب معين يتعلق بنشر المقال، كان سريع الرد، شديد الذوق والتواضع، دائما ما يختم إيميله ب "أخوكِ هيثم".

حتى ولو لم تجمعنا مواقف في أرض الواقع وكانت تلك المواقف قليلة، إلا أنها كبيرة في نظري، فحين طلبت منه نشر حوار مع إحدى الكاتبات تأخّر في النشر وعلمت أن الكاتبة غير معروفة على المستوى العربي وهذا سبب تأخر النشر، لكنه نشر الحوار بترحاب احتراما لجهدي فيه، وحين أرسلت له طلبا - وكان هذا آخر إيميل بيننا - بطلب تغيير لقبي إلى "دكتورة" بعد حصولي على الدكتوراه، هنأني بشدة وتم تغيير اللقب فورا على كلا الموقعين والصحيفة الورقية، كان يرد بنفسه على تلك النوعية من الإيميلات رغم وجود محررين ورؤساء أقسام، وهذا دليل كبير على احترامه للكاتب وجهده.

يصح أن أقول عنه معلما مثلما أطلق عليه الكثير ممن عاملوه وعايشوه، فالمعلم ليس بالضرورة من نلتقيه وجها لوجه، المعلم قد نتعامل معه من وراء الشاشات، وهذا الرجل الكريم الخلوق لم يعلمني الصحافة نفسها مثل أستاذي أحمد فضل شبلول الذي كثيرا ما وجَّهني بملاحظاته، ولكني أراه أستاذا في الخلق والتواضع والاهتمام بالتفاصيل واحترام كتاب المؤسسة الصحفية الكبيرة.

أقول بكل حزن، ليتني قابلتك وسمعت منك وتعلمت، ليتني عرفت أكثر عن نثرك البديع الذي عرفته من مقالات من رثوك، ولكن لا مجال لليت، فقد انتقلتَ إلى عالم آخر الآن، عالم بلا ضغوط، عالم أتمنى لك فيه الراحة بلا ألم فقد علمتُ عن مرضك قبل وفاتك، عالم بلا مسؤوليات تؤرقك، عالم أكثر أمنا وسلاما وطمأنينة.. رحمك الله وأسكنك فسيح جناته، وأعزّي فيك أسرتك وأهلك وتلاميذك ومحبيك، وأدعو الله أن تستمر المؤسسة الصحفية التي رعيتها بعدك بنفس القوة والتأثير ليستمر أثرك إلى ما لا نهاية ولا ينقطع برحيلك.