مستقبل السينما المغربية بين دعم الدولة واستقلالية الإبداع
يطرح توقف دعم المركز السينمائي المغربي سؤالًا وجيها حول مستقبل السينما الوطنية، فقد دأبت الدولة على تمويل الإنتاجات السينمائية منذ عقود، وهذا الاتكال أدى إلى بروز عدد من المخرجين والأعمال التي لاقت صدى داخل المغرب وخارجه، لكن هذا الواقع لا يخلو من مفارقات: فهناك من لا يُخرج فيلمًا إلا إذا حصل على دعم، في مقابل مخرجين حقيقيين يصنعون أفلامهم بإمكانات محدودة، مدفوعين بشغف الفن لا المال، ومن هنا ينبثق السؤال الجوهري: هل سيتوقف الإبداع إذا توقفت المنح؟ أم هل سيولد جيل جديد من السينمائيين المستقلين؟
بينما ينتظر البعض فتح أبواب المركز السينمائي للحصول على الدعم لإطلاق مشاريعهم، يُقدم آخرون على خوض التجربة السينمائية ولو في غياب التمويل الرسمي، إذ يعتمد المخرج الحقيقي على عزيمته ورؤيته الفنية وأحيانًا على تمويله الذاتي أو شبكة علاقاته المهنية، لإنتاج عمله، في حين يربط المخرج المناسباتي مصيره بالدعم، ويكاد يغيب عن الساحة في حال عدم توفره، وهكذا يُمكن أن يفرز توقف الدعم السينمائيين الحقيقيين من الباحثين عن الريع.
ويؤدي الاعتماد المفرط على المال العمومي أحيانًا إلى نتائج عكسية، عندما ينشغل صناع الأفلام بتجهيز ملفات الدعم أكثر من انشغالهم بتطوير رؤى إبداعية متجددة، كما أن بعض لجان الدعم قد تُنتج ردود فعل سلبية، وتخلق نوعًا من الاحتكار غير المباشر لمنظومة الإنتاج، وبهذا الشكل يتحول الدعم من محفّز إلى أداة تقييد وتكريس للوساطة، وقد يكون وقفه فرصة لتفكيك هذه الحلقة السلبية.
فإذا أُغلق باب التمويل العمومي، فهل نملك خطة بديلة؟
تُظهر التجارب العالمية أن السينما يُمكن أن تزدهر من خلال الإنتاج الخاص، ففي هوليود مثلا، نجحت الشركات الخاصة في خلق صناعة ترفيهية بمليارات الدولارات، دون الحاجة إلى دعم حكومي مباشر، ففي مصر الشقيقة قادت شركات الإنتاج الخاصة طفرة فنية استمرت لعقود، بينما يمكن للمغرب أن يسير على هذا الدرب، من خلال تحفيز القطاع الخاص للاستثمار في السينما عبر إعفاءات ضريبية، وقوانين مشجعة، وضمان بيئة تنافسية شفافة.
ويمتد النقاش ليشمل مجالات ثقافية وفنية أخرى مثل المسرح والتلفزيون، والتي تعتمد بدورها على دعم الدولة، فإن توقف هذا الدعم سيؤدي إلى شح في الإنتاج، لكنه في الوقت نفسه سيشكل دعوة لاستكشاف بدائل مبتكرة: مثل التمويل الجماعي، الشراكات، الإنتاج المشترك، أو حتى منصات العرض الرقمية. إن كانت الدولة لن تبقى دائمًا الممول، فلا بد من خلق دينامية جديدة تؤسس لثقافة إنتاج ذاتي ومبادرات خاصة.
ويتطلب الانتقال إلى نموذج إنتاج سينمائي مستقل استعدادًا على جميع المستويات: تأهيل فني وتقني للكوادر، تبسيط مساطر تأسيس شركات الإنتاج وتحفيز البنوك على تمويل المشاريع الثقافية وتوسيع شبكة العرض، فبدون هذه الشروط، سيتحول توقف الدعم إلى كارثة، أما إذا استُثمر هذا التحول بشكل إيجابي، فسيشكل انطلاقة جديدة لسينما أكثر نضجًا واستقلالًا.
ويلزمنا حقيقة التوقف عند هذه الفرضية ليس باعتبارها تهديدًا، وإنما كفرصة لإعادة التفكير في أسس الإنتاج السينمائي المغربي، فإذا كان الدعم العمومي ساهم في انطلاقة السينما الوطنية، فإن استمراره بنفس الشكل يُعيق تطورها، فالمخرج الحقيقي سيواصل الإبداع رغم كل الظروف، بينما سيختفي من لم تكن له قناعة فنية حقيقية، لهذا فالتوازن بين دعم معقلن وتشجيع الاستثمار الخاص، هو السبيل إلى بناء سينما مغربية قوية ومستقلة ومبدعة.