'أنف وثلاث عيون' يعيد أجواء الزمن الجميل إلى السينما

سنكون مع رواية سبق وأن تم إعدادها سينمائيا قبل نحو نصف قرن وها هي تعود من جديد إلى الشاشات الكبيرة بوجوه ومعالجة جديدين.
النسخة الجديدة تعبر الزمن وتضع ظافر العابدين وجها لوجه مع محمود ياسين
الفيلم يعالج واقعنا من زوايا مختلفة ومبتكرة
العمل يضيء على أسماء ممثلات راسخات في الذاكرة

بدء تصوير فيلم "أنف وثلاث عيون" بمعالجة سينمائية مُعاصرة، وذلك بعد ما يفوق نصف قرن من خروجه لأول مرة إلى الشاشات الكبرى.

ومع فيلم "أنف وثلاث عيون" المأخوذ عن رواية بنفس العنوان للروائي المصري إحسان عبدالقدوس، سنكون مع رواية سبق وأن تم إعدادها سينمائيا قبل نحو 51 عاما، وها هي تعود من جديد إلى الشاشة بوجوه ومعالجة جديدين.

و"أنف وثلاث عيون" رواية للأديب المصري إحسان عبدالقدوس نقلها إلى الشاشة المخرج حسين كمال في العام 1972، وأسندت البطولة والشخصية الرئيسية "هاشم" إلى الفنان الراحل محمود ياسين، ولقي الفيلم في حينه جائزة الإخراج في المهرجان القومي.

وها نحن مع معالجة سينمائية مختلفة على يد السيناريست وائل حمدي والمخرج أمير رمسيس ومن إنتاج "لاجوني للإنتاج السينمائي" (Lagoonie Film Production) بالتعاون مع "استوديو رايز" (Rise Studio).

ومن المقرر طرح الفيلم برؤية درامية مختلفة بدور العرض خلال الشهور القليلة المُقبلة، وهو من بطولة النجم التونسي ظافر العابدين والممثلة الأردنية صبا مبارك والممثلة المصرية سلمى أبوضيف، إلى جانب النجمة المصرية دينا الشربيني كضيفة شرف.

وعرض الفيلم الذي قدم لأول مرة في نوفمبر/تشرين الثاني 1972 مجموعة من الشخصيات المأزومة وكأنه التقاط لشريحة اجتماعية متكاملة تتفجر في ما بينها العلاقات الأسرية المفككة والأهواء الشخصية والأطماع والخيانة والخديعة.

وتجسّد شخصيات الفيلم بأسلوبها الفريد، مدعومة بمشاهد تبادل الأنظار والرقص، هذا العرض البانورامي، فقد جمع العمل أشهر الممثلين في عقدي السبعينات والثمانينات من القرن العشرين في السينما المصرية، إذ يضم محمود ياسين، حمدي أحمد، ماجدة، نجلاء فتحي، ميرفت أمين وصلاح منصور.

وتمثل النجمة السينمائية الراحلة ماجدة الشخصية المحورية "أمينة" التي تنطلق منها الأحداث لتنتهي إليها.. وتسوقنا هذه الشخصية إلى التعرف على جملة من القيم والعلاقات الأسرية وتضعنا أمام نوعا من أنواع جلد الذات.

تفتح "أمينة" العشرينية من خلال علاقاتها المتنوعة بالرجال نافذة على عدة قضايا اجتماعية، إذ أنها شخصية تفتقد للحياة الأسرية المتوازنة، فهي موزعة بين والدها المتحرر وزوج والدتها الغليظ، وعندما تزوجت من "عبدالستار" (حمدي أحمد) وجدت نفسها موزعة من جديد بينه وبين والدته المتسلطة، حيث أنه رجل من الأرياف يبحث عن الدفء العائلي، لكنه يترك أمر تسير حياته لوالدته التي كانت وراء فتح كل سبل الهروب من البيت أمام "أمينة" بعد شهر فقط من الزواج، لتصبح مطلقة وفريسة للأقاويل بعد أن طردها زوج والدتها وفضل والدها حياته المرحة على استقبالها وتخلص منها الدكتور هاشم تحت غطاء الحفاظ على سمعتها، لتجد سندا جديدا ينقذها من الضياع، إلا أنه يغتصب ما بقي من براءتها تحت ستار الخطبة.. ويكون وراء بيع جسدها لمن يدفع.. وتقودها الأحداث للقاء جديد بهاشم مصادفة، حيث يتم استدعاؤها من قبل نادل بار لتسلية الدكتور الجريح من علاقاته الفاشلة.

والدكتور "هاشم عبداللطيف" الذي يجسد دوره "فتى الشاشة الأول" هو رجل ناجح في عمله وله مغامرات نسائية عديدة، يلتقي بـ"أمينة"، فتعجب به وتنجح في إقامة علاقة معه رغم أنها متزوجة، ومعه تتعرف على الحب الذي وصفه "هاشم" بأنه "أسمى شيء في الوجود.. وأنه يعطي للحياة معنى"، لكنه في المقابل أضمر منذ لقائهما الأول استغلالها في علاقة عابرة وظهر ذلك في قوله "حبيبتي الشخص الوحيد الذي لن يدخل هذه الشقة".

ثم يقابل "هاشم" "نجوى" تلعب دورها نجلاء فتحي وهي إحدى مريضاته، فيقع في حبها ويقرر أن يتزوجها، لكنها تصدمه بأنها ملك لرجل يصرف عليها وأنها لا تصلح للزواج منه، ومن خلال شخصية "نوجا" نرصد جانب آخر من العلاقات الأسرية، إذ أنها تعيش مع خالتها المرأة الغنية التي لا تنجب وتفرض على شقيقتها أن تمنحها أمومة وهمية من خلال التسليم لها في "نجوى" التي تعيش في قفص ذهبي تملك مفاتيحه "ماما عزيزة".  

ينهار "هاشم" الذي حاول أن ينسج لنفسه بشكل عصامي حياة مثالية فيقع في أحضان "رحاب" تؤدي دورها ميرفت أمين وهي فتاة متحررة تؤمن بتعدد العلاقات، إذ أنها لا تتوانى في أن تقيم علاقة مع أكثر من رجل في وقت واحد، وهو ما يرفضه "هاشم" الذي يجد نفسه مثقلا بالهموم والشعور بالضياع، فيقترح عليه نادل أحد البارات التي يرتادها أن يصاحب "مينا" فيفاجئ بأنه قاد الفتاة إلى الركن المظلم من المجتمع، فهو حين كان يغويها بالاستسلام له مرددا على مسامعها "الحب يرفع دائما صاحبه" كان في الآن ذاته ينحدر بها إلى هاوية الرذيلة والإغراق في مستنقع يصعب الخروج منه.

وهنا تحضر أسماء ممثلات راسخات في الذاكرة وكن من أبرز الممثلات في السينما المصرية، حيث جمع بين عذراء الشاشة "ماجدة" و"ليدي" السينما العربية ميرفت أمين ونجلاء فتحي.

ذائقة مختلفة.. من المرجح أن تؤثر بشكل أو بآخر على مسار الحبكة المعاصرة، لاسيما أن الحقب الكلاسيكية في تاريخ السينما أوجدت لها اعتباراتها على صعيد المعالجة السينمائية.

والأكيد أيضا، أن الأدوات الفنية والتقنية المعتمدة في فيلم "أنف وثلاث عيون" أتت بمستوى يمكن التأسيس عليه لتقديم فيلم يعالج واقعنا وحالنا بدرجة كبيرة وذلك من زوايا مختلفة ومبتكرة.

إحسان عبدالقدوس يُجسد الواقع في روايته كأن القارئ يعيش في أحداثها، وعلى امتداد أكثر من الساعتين حاول أبطال الزمن الجميل جعل الفيلم انعكاسا لمشاغل وهموم مشاهديه، واليوم يحاول صناع السينما الاستفادة من النجاح القديم للعمل ليتم من جديد إعادة توزيع الأدوار بمعالجة جديدة تستفيد من التطور التقني والفني للسينما.

لكن هذه المرة لن يقتصر دور أبطال "أنف وثلاث عيون" على التنافس في سوق تعج بالتجارب والأفكار السينمائية فقط، بل يشمل أيضًا تحديا لشخصيات كان لها وزنها وما زال على الساحة الفنية بعضها رحل تاركا إرثا لا يستهان به جاوز الـ150 فيلما.

ظافر العابدين "دُنْجُوان" السينما العربية اليوم سيكون ملزما أن يصنع الفارق ويكون مقنعا في أدائه، حيث سيقف وجها لوجه أمام "الإمبراطور" محمود ياسين، والأمر نفسه ينطبق على صبا مبارك، سلمى أبوضيف ودينا الشربيني.

والأمر اللافت أنه رغم مرور أكثر من 50 عاما ما تزال عبارات من قبيل "الحب يأتي بعد الزواج.. هو يعني كل المتزوجين يحبون بعضهم.. ماذا سيقول الناس.. الناس بتتكلم.." المحرك الأساسي لأحداث تتماهى مع الواقع.

أبطال العمل بنسخته الحديثة قد يفضلون اتباع تيار السينما النظيفة الخالية من القبل ومشاهد التعري

لا أحد يمكنه أن يشكك في مواهب مجموعة الفنانين المتعاقدين لتقديم الفيلم، فلكل عصر أبطاله الذين استفادوا من تجارب من سابقوهم ومن التطور الهائل الحاصل في القطاع، ومع ذلك سيكون الحَكم اليوم شباك التذاكر وما سيحققه العمل من إيرادات.

وما يمكن أن يثير تساؤل من سبق له أن شاهد الفيلم هل سيسعى طاقم العمل بنسخته الجديدة إلى تحقيق أكبر الإيرادات من شباك التذاكر بفضل القُبل؟

فـ"أنف وثلاث عيون" يزخر بالقُبل السينمائية التي لطالما تعامل معها المبدعون العرب على أنها مسألة تخص الضرورة الفنية، بمعنى أنها تكتسب مشروعيتها من خلال السياق الدرامي، بحيث لا يمكن استبعادها -بأي حال من الأحوال- إذا اقتضت الضرورة الفنية ذلك.

ومع ذلك قد يفضل أبطال العمل بنسخته الحديثة اتباع تيار السينما النظيفة الخالية من القبل ومشاهد التعري، بحيث يناسب الفيلم جميع أفراد الأسرة، ومن الممكن أن يعول الفريق على الإيماء بدلا من التعبير المباشر.

ومنذ ظهر هذا المصطلح أواخر التسعينات من القرن العشرين انقسم السينمائيون ما بين مدافع عن السينما النظيفة ومهاجم لها، فهل سيكون أبطال العمل من ضمن رافضي هذا التيار أم العكس؟ هذا ما سنراه بعد تصوير الفيلم الذي سيكون تحت عيون الرقابة والنقاد من أهل الاختصاص ومن الجمهور أيضا فالبعض بدأ يتساءل عن جدوى إعادة تصوير الأفلام القديمة حتى أن هناك من يرى أنها قد تحمل تشويها لا تلميعا لفن الزمن الجميل.