السرقة الادبية تطال 'تاجر بندقية' خليل مطران

كل ما فعلته دار الحرف العربي للطباعة والنشر والتوزيع في بيروت هو شرح مفردات من الترجمة الأولى لشاعر القطرين خليل قلنا عنها أنها صعبة بعض الشيء على القارئ بعد حوالي قرن، فضلا عن تعديل بعض الكلمات القليلة جدا لتناسب ذوق قارئ القرن الواحد والعشرين.

دعتني مهمة بحثية إلى مراجعة مسرحية "تاجر البندقية" لوليام شكسبير، وقبل أن أذهب للبحث عنها في مكتبتي أو شرائها من إحدى المكتبات أو استعارتها من أحد الأصدقاء، بحثت عنها في محركات البحث لدى غوغل: فوجدت أكثر من ترجمة لها للعربية، وفي الإمكان إنزالها بالمجان على جهاز الكمبيوتر.

فأخذني الحماس لأن أُنزل كل ما أجده يتعلق بترجمة "تاجر البندقية" التي صدرت لشكسبير عام 1600، وكانت الترجمة الأولى لشاعر القطرين خليل مطران (1872 – 1949) التي صدرت عام 1922 وأعادت مؤسسة هنداوي إصدارها في نسخة إلكترونية عام 2011، ولكنها لم تضع اسم مطران على الغلاف الخارجي، واكتفت بوضعه على الغلاف الداخلي، ونشرت المؤسسة دراسة للمسرحية توقفت عند مجمل الرواية، ومنابعها، والبناء المسرحي ووحدة الزمان والمكان، كما ألقت الضوء على شخصياتها أو شخوصها الرئيسيين: "أنطونيو"، "باسانيو"، "بورسيا"، "شيلوك"، "جسيكا"، "لورانزو". أعقبها مقدمة المترجم خليل مطران، ثم تتوالى فصول المسرحية أو الرواية الخمسة.

انتهيت من قراءة المسرحية، واستمتعت بسلاسة ترجمة مطران النثرية ولغته الرشيقة دون الحاجة إلى أي شروح لبعض الكلمات التي قد تكون صعبة - بعد أكثر من قرن على صدورها عام 1922 - ولكنها تفهم من السياق العام، وهي قليلة على أية حال.

ثم بحثت عن ترجمة أخرى للمسرحية الشهيرة، التي يبدو أن بعض القراء ربطوا مسمى "تاجر البندقية" باليهودي "شيلوك"، مع أنه ليس هو التاجر في المسرحية، لكنه المرابي الذي أقرض التاجر "أنطونيو" مبلغا من المال لفك أزمة صديقه "باسانيو"، فتاجر البندقية هو الإيطالي "أنطونيو" وليس "شيلوك"، بل البعض كان يطلق على المسرحية اسم "شيلوك تاجر البندقية". وكان المقابل في حالة عجز "أنطونيو" عن سداد قيمة الدين، وهو مبلغ ثلاثة آلاف دوقي خلال ثلاثة أشهر هو اقتطاع رطل من لحم صدر أنطونيو، وهنا تكمن عقدة المسرحية.

بحثت عن ترجمة أخرى للمسرحية فوجدت كتابا – من خلال محرك البحث – بعنوان "تاجر البندقية" إعداد وتقديم وتحليل الدكتور رحاب عكاوي، صادر عن دار الحرف العربي للطباعة والنشر والتوزيع في بيروت (الطبعة الأولى 2009 في صفحة الكوبي رايت) و2011 في صفحة أخرى.

ويبدأ الكتاب بالتعريف بويليام شكسبير (1564 – 1616) وتطور شاعريته (1592 – 1595)، وشكسبير المتفوق شعرًا (1595 – 1608) وشكسبير الفنان البارع، وشكسبير فيلسوفًا، وقطبًا من أقطاب المؤلفين بانكلترا. ثم يأتي الحديث عن شهرة شكسبير المدوية، ومسرد مؤلفاته الكوميدية والتاريخية والشعرية والتراجيدية، فضلا عن مسرد المؤلفات المشكوك في نسبتها إليه، وذكر أسماء المسرحيات الضائعة، ثم فقرة "من أقوال شكسبير"، ثم نبذة عن مسرحية "تاجر البندقية"، ومسرد بالأعمال المأخوذة عن المسرحية الشكسبيرية من أفلام سينمائية وتلفزيونية.

ثم يبدأ النص المترجم وتبدأ الحكاية، فهذا الكلام الذي اقرأه سبق لي أن قرأته منذ أيام قليلة، فرجعت إلى ترجمة خليل مطران، لدى طبعة مؤسسة هنداوي، فوجدتها بالنص هي الموجودة في كتاب دار الحرف العربي، دون الإشارة إلى اسم خليل مطران في أي صفحة من صفحاتها. وقد احتاطت دار الحرف العربي للأمر فكتبت على الغلاف "إعداد وتقديم وتحليل الدكتور رحاب عكاوي" ولم تكتب ترجمة رحاب عكاوي.

وأعتقد أن تلك الدار لو كتبت اسم المترجم الأصلي خليل مطران على الغلاف أو بالصفحة الداخلية، ما كان ضرها شيء ولا كان طالبها أحد بشيء، لأن – على حسب ما أعتقد – أنها أصبحت ملكًا مشاعًا فقد مضى أكثر من قرن على ترجمة مطران، وحقوق الملكية الفكرية تسقط بعد خمسين أو سبعين عامًا، لتصبح المؤلفات مشاعًا وملكًا للجميع بعد ذلك.

الشيء الوحيد الذي فعلته دار النشر اللبنانية هو شرح بعض المفردات التي قلنا عنها أنها صعبة بعض الشيء على القارئ بعد حوالي قرن، فضلا عن تعديل بعض الكلمات القليلة جدا التي تناسب ذوق قارئ القرن الواحد والعشرين. ما يؤكد أن هناك وعيًا لصوصيًّا عند إعادة النشر، وأن هناك من كان يقف وراء ترجمة خليل مطران يقرأها ويفحصها وينتقي منها، ولو طابقنا نص ترجمة خليل مطران، بالنص الوارد في الكتاب اللبناني، سنجد أن مطران يقول في بداية المسرحية:

(يدخل أنطونيو وسالارينو وسالانيو)

أنطونيو: لا أعرف لماذا أنا حزين حزنًا (يتعبني)، و(يشق) عليكما فيما أرى. إني لأسائل ضميري من أين جلبت (أنا) هذه الكآبة، أو كيف وفدت هي علي، أو في أي مكان صادفتني، أو من أي (غزل) نسجت، أو تحت أية سماء ولدت، فما أكاد أحير جوابًا، بل أشعر أن بي (بلاهة)، وأوشك أن أتنكر علي نفسي.

وفي طبعة دار الحرف العربي:

(يدخل أنطونيو وسالارينو وسالانيو)

أنطونيو: حقا لا أعرف لماذا أنا حزين حزنا (يرهقني)، و(ينكد) عليكما فيما أرى. إني لأسائل ضميري من أين جلبت (لنفسي) هذه الكآبة، أو كيف وفدت هي عليّ، أو في مكان صادفتني، أو من أي (خيوط) نُسجت، أو تحت أية سماء وُلدت، فما أكاد أحير جوابًا، بل إني أشعر أن بي (حماقة)، وأوشك أن أتنكَّر على نفسي.

وفي نهاية المسرحية يترجم خليل مطران:

غراتيانو: حبّا وكرامة. لكنني سأسأل نريسا بادئ بدء عما إذا كانت تؤثر التريث على المبيت إلى الليلة الآتية أو اغتنام الساعتين الباقيتين من السحر. أما أنا فلو كان الوقت نهارا لتمنيت عودة الظلام وقضاء ساعاته في هناءة مع كاتب القاضي، ولن أخشى ما حييت بعد الآن إلا أن أفقد خاتم نريسا.

(يبتعدان ويهبط الستار)

وفي الطبعة اللبنانية تكون النهاية نفسها:

غراشيانو: حبا وكرامة، لكنني سأسأل نريسا بادئ بدء عما إذا كانت تؤثر التريث على المبيت إلى الليلة الآتية أو اغتنام الساعتين الباقيتين من السحر. أما أنا فلو كان الوقت نهارا لتمنيت عودة الظلام وقضاء ساعاته في هناءة مع كاتب القاضي، ولن أخشى ما حييت بعد الآن إلا أن أفقد خاتم نريسا.

(يبتعدان ويسدل الستار)

سنلاحظ أن "غراتيانو" تحول إلى "غراشيانو"، ربما لإبعاد التهمة أن الترجمة مسروقة من مترجم آخر، وأن يهبط الستار تحولت إلى يُسدل الستار.

وقس على هذا مثل هذه الاختلافات الطفيفة جدا التي لا تذكر والتي تُثبت القصدية والتعمد أكثر من النفي.