الكوميديا الرمضانية في تونس تجتر نجاحات أفلام سينمائية

نقل الأفلام من السينما إلى التلفزيون يكشف عن شح الإنتاجات التونسية المقرر عرضها ضمن الموسم الرمضاني المرتقب.

فاجئ الممثل التونسي كريم الغربي متابعيه هذا العام أيضا بخبر تحويل فيلمه الكوميدي الجديد "سوبر تونسي" إلى سلسلة هزلية تقرر عرضها على قناة نسمة (خاصة) خلال شهر رمضان، وهو ما عمق مأزق برمجة رمضانية لا تَعِد بالكثير.

الفيلم عرف منذ انطلاق عروضه التجارية في ديسمبر/كانون الأول الماضي إقبالا جماهيريا لافتا، حتى أنه ما يزال متاحا للجمهور في مختلف قاعات السينما التونسية، فما الذي سيقدمه إذن للمشاهد التونسي المتعطش أكثر من غيره للجديد من الإنتاجات المخصصة تحديدا للشهر الفضيل على قلتها؟

هذا التوجه للقناة التونسية الخاصة الذي بدأته منذ الموسم الرمضاني الماضي مع فيلم "سبّق الخير" الذي يحمل توقيع المخرج قيس شقير أيضا، يطرح العديد من التساؤلات بينها هل يكشف تحويل الأفلام إلى سيتكومات رمضانية عن استجابة لرغبات المشاهدين، أم تعتيم عن أزمة نص وأفكار؟

نقل العمل من الشاشات الكبيرة إلى الشاشة الصغير ينفتح على العديد من القراءات بعضها يرى فيه استثمارا للنجاح الذي حققه الفيلم في القاعات، والبعض الآخر يجد فيه محاولة لسد الشغور الكبير الذي خلفه شح الإنتاجات الذي لا يزال سيد الموقف في تونس.

وبين هذا وذاك تجد قنوات البث في رمضان موعدا سنويا لجمع شرائح مجتمعية مختلفة أمام التلفزيون، وهو ما يلهب التنافس بينها لاستقطاب أكبر عدد من المشاهدين، ففي حين تركز قناة أو اثنتين على المسلسلات الدرامية، تهتم قنوات أخرى بالأعمال الكوميدية باعتبارها الأكثر طلبا لدى الجمهور التونسي العريض.

إلا أن الكوميديا في الإنتاج التلفزيوني التونسي ليست بمنأى عن الأزمة الخانقة التي طبعت الإنتاجات التلفزيونية سواء العمومية أو الخاصة في السنوات الأخيرة والتي تشهد تقلصا عاما بعد آخر، حيث أفرغت أو كادت البرمجة الرمضانية من الأعمال الجديدة لحساب الأرشيف الزاخر بالإعادات للقديم من الأعمال، ما يكشف عن إفلاس يتجاوز البعد المادي.

في السنوات الأخيرة، تناولت العديد من التقارير الإخبارية مسألة الإفلاس المالي لمؤسسة التلفزيون التونسي مشيرة إلى عُسر الخروج من هذا المأزق، إذ أن هناك الكثير من الإشارات التي تؤكد العجز الحد في الميزانيات المخصصة للإنتاجات التلفزيونية، من بينها شكاوى بعض الممثلين من عدم حصولهم على أجورهم عن مشاركتهم في أعمال بعضها يعود إنتاجه إلى سنوات.

وجدت بعض الجهات القائمة على الإنتاج في ورشات الكتابة ما يضمن لها تكلفة إنتاجية أقل، لكن هذا الحل لم يخف أن الإفلاس تجاوز البعد المادي ليكشف عن إفلاس في المضمون أيضا، حيث أظهر تحويل الأفلام إلى أعمال تلفزيونية أو تصوير عدد من السيتكومات عن افتقار سوق الدراما الكوميدية إلى كُتاب، لما أرجعه بعض المتابعين والمهتمين بالقطاع لصعوبة الكتابة اليومية التي تتطلب جهدا مضاعفا.

كان بإمكان طاقم عمل "سوبر تونسي" وهو الفريق ذاته الذي قدم العام الماضي فيلم "سبّق الخير"، أن يعمل على مشروع مختلف مخصص فقط للعرض في رمضان، لكن المخرج قيس شقير الذي شارك أيضا في ورشة كتابة السيناريو إلى جانب كل من زين العابدين المستوري وأحمد الصيد، خير وفريقه مواصلة التجربة الرمضانية السابقة على أمل تحقيق نجاح جديد خارج القاعات السينمائية.

و"سوبر تونسي" تجربة سينمائية كوميدية جديدة تضم إلى جانب كريم الغربي ثلة من أهم نجوم الكوميديا التونسية بينهم كمال التواتي، بسام الحمراوي، سفيان الداهش، نعيمة الجاني، لبنى السديري، سلمى المحجوبي، وأمين السافي، بالإضافة إلى مجموعة من ضيوف الشرف منهم صادق حلواس، جمال المداني، فتحي المسلماني، لطيفة القفصي، محمد حسين قريع، محمد السويسي، محفوظ الساحلي، ربيع إبراهيم، محسن بولعراس، محمد الجلاصي، عزيز باي، عصام عبسي، سنية السافي، وأسامة عبدالقادر.

وتدور أحداث الفيلم في زمن تكون فيه تونس أقوى دولة في العالم بفضل بطلها الخارق "عثمان"، حيث تفرض الإتاوات على جميع دول العالم مقابل حمايتها لهم، وفي انتقال مثير ومشوق للأحداث تتحول هذه القوة الخارقة بموت عثمان إلى "سليم" (يجسد دوره النجم كريم الغربي) وهو شاب تونسي انطوائي وجبان، ليصبح هو البطل الخارق التونسي الجديد.

نجح كريم الغربي مرة أخرى في التفوق على نفسه وأثبت علو كعبه في الكوميديا، وفق تعبير السيناريست زين العابدين المستوري، فقد شارك في عمل يعتبر نوعا جديدا من السينما الكوميدية التونسية الذي بدأ يأخذ حظه من الانتشار في تونس مؤخرا ويشهد إقبالا في قاعات العرض، وها هو سيطل على المشاهد التونسي من الشاشة الصغيرة وفي توقيت اختارت القناة أن يكون بعد الإفطار مباشرة ضمانا لكسب قاعدة جماهيرية عريضة.

لكن ذلك لا يقدم الإضافة المرجوة بقدر ما يكشف عن شح الإنتاجات، إذ أن توجه قناة نسمة (الخاصة) لاستثمار نجاح الأفلام الكوميدية بنقلها من القاعات إلى المنازل، شجع قنوات أخرى على أن تحذو حذوها، حيث عمدت أيضا قناة "تلفزة تي في" (خاصة) لتحويل فيلم "أولاد الحي في دبي" إلى عمل تلفزيوني سيعرض في رمضان.

و"أولاد الحي في دبي" عصارة أولى تجارب المخرج التونسي نجيب شلّاخي السينمائية، عن سيناريو لكل من صابر سيزار وطارق بعلوش اللذين يشاركان أيضا في التمثيل بالعمل إلى جانب مجموعة من الممثلين التونسيين بينهم أحمد الأندلسي، هدى صلاح، لطيفة القفصي وجعفر القاسمي.

والفيلم تدور أحداثه حول قصة شابين تونسيين تقودهما الصدفة إلى دبي مدينة الأحلام والعجائب، ليجدا نفسيهما أمام واقع جديد ومختلف عنهما، فيحاولان التأقلم مع حياتهما الجديدة المليئة بالمغامرات الكوميدية والمواقف الطريفة.

وينضم الفيلم الذي خرج للقاعات السينمائية منذ الثامن والعشرين من فبراير/شباط الجاري لقائمة الأعمال المقرر عرضها في رمضان متفرقة على القنوات التونسية العمومية والخاصة، فمع اقتراب حلول الشهر الفضيل لم يجر الإعلان حتى الآن سوى عن مسلسلين، الأول بعنوان "باب الرزق" للمخرج هيفل بن يوسف ويعرض على القناة الوطنية الأولى (حكومية)، والثاني "فلوجة2" للمخرجة سوسن الجُمني وستبثه قناة الحوار التونسي (خاصة)، في حين اكتفت بقية الفضائيات بالترويج لسيتكومات بينها "الفارماسي" بالقناة الأولى و"خوك من بوك" بـ"تلفزة تي في".

ولا خيار أمام المشاهد التونسي، إلا المشاهدة الممتعة!