'عبور' يصدم التونسيين بإيصال المتحولين جنسيا إلى الشاشات الكبيرة

مخرج الفيلم منصف زهروني في مساحة عريضة من التداعيات النفسية للبطلة تينا يمرر رسائل ومواقف تدين بعض الأحداث المرتبطة بما بعد الثورة التونسية.

"إلى كل الجميلات الكافرات بالقبح وبالعجز..." بهذه العبارات اختار المخرج التونسي منصف زهروني أن يستهل فيلمه "عبور" (Transtyx) الذي يسلط من خلاله الضوء على تفاصيل خفية من حياة العابرين جنسيا، لكنه في خضم ذلك يفتح أمام المشاهدين نوافذ على المستقبل تصور لهم تطور تونس ما بعد الثورة برؤية افتراضية تتجاوز الواقع لكنها تتغذى منه.

والفيلم وهو للمخرج وكاتب السيناريو منصف زهروني ومن بطولة سنية الهذيلي وهالة عياد ومانويلا لا ستيلا وإميلي فارمر، ليس إلاّ امتدادا لمسرحية تحمل نفس العنوان وهو ما أفرز عملا يمزج بين تقنيات المسرح والسينما.

وحاول منصف زهروني من خلال هذه الخلطة المتداخلة مع الخيال العملي إعادة بناء هوية المجتمع العابر الجنسي في تونس الذي يعتبر السياسيون والمؤسسات الدينية أعضاءه مواطنين من الدرجة الثانية، لكنه في مساحة عريضة من التداعيات النفسية للبطلة تينا مرر رسائل ومواقف تدين بعض الأحداث التي ارتبطت بما بعد الثورة التونسية كأحداث الرش بسليانة واغتيال السياسي شكري بلعيد وتوقيع وثيقة قرطاج وعرض أول حصة تلفزيونية تتناول المتحولين جنسيا.

فالفيلم يتتبع لأكثر من ساعة بقليل وفي فصول قسمت إلى أربعة عشر فصلا حياة تينا التي تجسد دورها سنية الهذيلي وهي متحولة جنسيا ولدت في 14 يناير/كانون الثاني 2011 في تونس العاصمة، إلا أنها في سن السابعة والعشرين تدخل في غيبوبة، بينما كانت على طاولة العمليات لإجراء جراحة تغيير الجنس في لندن، فتغرق في تجربة الاقتراب من الموت، وتلتقي في الأثناء بملاكها الحارس الذي يحثها بعبارات مقتبسة من ديوان الشاعر الفلسطيني محمود درويش "على الأرض ما يستحق الحياة" على أن تبدأ دورة جديدة بعيدا عن الحواجز الوهمية التي طبعت حياتها السابقة، لتبدأ لحظة الولادة بدخولها في تابوت فتولد من العدم وتنتزع الضمادات وقد تحولت من محمد ضياء إلى تينا.

لكن بحث تينا عن حقيقة هويتها الجندرية "تلبس تزين تخرج تمشي مع الحيط" وتعرضها للاغتصاب الذي أدخلها في حلقة من العلاقات الجنسية مع أشخاص من نفس جنسها وتأكيد دايف لها أن هناك ثلاث أصناف تؤثث المجتمع الرجال والنساء ولارتيستو، خلق في ذهن بعض المشاهدين التباسا بين مفاهيم العبور الجندري والتوجه الجنسي وثنائية الجنس.

وصرحت دينا الشيحي (21 عاما) لموقع "ميدل إيست أونلاين" أثناء خروجها من قاعة العرض أنها "حاولت الانسجام مع الفيلم إلى حد ما، لكن التبست عليها عدة مفاهيم حول مجتمع الميم فلم تعرف تينا إلى أي صنف منها تنتمي".

ويختلف العبور الجندري عن التوجه الجنسي، العابرون جندريا قد يكونوا مثليين أو مغايرين أو مزدوجين أو لاجنسيين أو غير ذلك، كما يختلف العبور الجندري أيضا عن ثنائية الجنس وهو مصطلح يشير إلى أشخاص مولودين بخصائص جسدية "لا تتناسب مع المفاهيم الثنائية لأجسام الذكور أو الإناث" عكس العبور الجندري هو التوافق الجنسي والذي يشير إلى الأشخاص ذوي هوية جندرية تتوافق مع الجنس المحدد لهم عند الولادة.

وقدمت صفحة الفيلم على فيسبوك وعلى هامش العرض ما قبل الأول الذي حضره أبطال العمل بأنه قوي وصادق خاصة وأن غالبية فريقه جزء من مجتمع.

ومنصف زهروني وهو يقدم هذا الجزء من المجتمع عرى عن حقائق تتعلق بمجتمع بأسره، ففي تداخل محمد ضياء وتينا تظهر قراءات نقدية تتوالى بتقدم الأحداث نحو الكشف عن معالجات المجتمع التونسي لبعض من حالاته المعقدة كحالة الذين يعانون من اضطرب في هويتهم الجندرية، حيث يعلق الرفض لكل مختلف على مشجب الدين.

والدين وفق تصورات المجتمع جرب معالجة محمد ضياء بجلسة رقية شرعية حاولت عبثا تخليصه من الأنثى التي تسكنه.

وكشف الفيلم على لسان بطلته عن عقلية تمييزية بطريركية كانت الأم فيها تحترق خوفا من زوجها حتى حين وصلت إلى فكرة عرض ابنها على أخصائية نفسية فعلت ذلك دون علم الأب، كذلك عندما أشار العم على أخيه إلى أن ينتبه إلى ابنه قائلا "شبيه ولدك ياسر مرخوف اكبسو شوية" (لماذا ابنك يميل إلى الرقة في تصرفاته اجعله أكثر حزما) فإن الأب حمل هذا الابن على ممارسة رياضة الكيك بوكسينغ ليصنع منه رجلا بالقوة!

والعمل كان حافلا بالعبارات المحلية المتداولة لوصم المتحولين جنسيا، كذلك لا يخلو من التناص الديني ومن بعض الاقتباسات من مؤلفات عرفت وأصحابها شعبية كبيرة كقصيدة النبي المجهول لأبي القاسم الشابي ورباعيات الخيام ووليام شكسبير ومحمود درويش.

ولفت منصف زهروني في حديثه إلى إذاعة "مونت كارلو الدولية" إلى أنه "تقمص دور امرأة متحولة جنسيا وقام بزيارة عدد من الأخصائيين النفسيين ليلمس عن قرب طريقة التعامل مع هذه الشريحة المهمشة وهو يعتقد أن هناك انفتاحا ومساندة، إلا أنه صدم ليس فقط من المعاملة ولكن من الاستغلال المادي والاستنزاف النفسي للعابرين عبر حصص طويلة ومكلفة لا تبحث عن حلول ولكن تصور للمريض أنها تعمل على إعادته إلى طبيعته الأصلية وهي تدرك أنها أعجز من أن تغير في طبيعة الإنسان".

وأرجع "أسباب ذلك إلى نقص في الوعي والتكوين، بالإضافة إلى أن الرواسب الاجتماعية لديها دور كبير في توجيه الأطباء نحو العلاج".

وعلى الرغم من أن هذا الطرح غير المسبوق للعابرين جنسيا صادم في مجتمع محافظ يأبى التطرق إلى المسكوت عنه، مما قد يضع الفيلم مع خروجه إلى الجمهور في قاعات عرض فارغة، فإن المخرج لم يغفل عن هذه النقطة ونقد الغياب الإعلامي وتغيب البرامج التلفزيونية الاجتماعية لهذه الشريحة.

وأعربت رحمة الهمامي طالبة جامعية في حديثها لموقع "ميدل إيست أونلاين" عن استغرابها من الحضور المحتشم للمشاهدين، مشيرة إلى أنها "توقعت اكتظاظا لاسيما أنها تحضر في اليوم الأول من خروج الفيلم إلى الصالات السينمائية".

وأضافت أنها "تعلم أن الفيلم قد لا يخلو من مشاهد صادمة، لكن بالمقابل لم تتخيل أن تبدأ صدمتها وهي ما تزال خارج القاعة"، قائلة إنها "تعرضت لتحذيرات بشكل واضح ومباشر أنه لا يقبل أي استرجاع لمصاريف التذاكر في حال لم يعجبها الفيلم، في إشارة مبطنة إلى أن إمكانية مغادرتها القاعة واردة جدا لأن العمل سيكون دون مستوى انتظاراتها".

وتابعت أنها "أصرت على حضور العرض لكنها عجزت بالفعل عن فهم الفيلم وأنه كان بالنسبة إليها يضج بالرسائل المشفرة التي حاولت عبثا فهمها"، معتبرة أن "هذا النوع من الأفلام موجه إلى الشريحة المثقفة من المجتمع". 

أما دينا الشيحي فأكدت لموقع "ميدل إيست أونلاين" أن "الفيلم فضح كذب شريحة من المجتمع تدعي الانفتاح لكنها في الآن ذاته تدين أي خروج عن العادات والتقاليد والنواميس البائدة".

وقالت إن "عبارة (هذا الذي نسميه جسدا هو لا شيء) مستها كثيرا، فالفيلم يحث على إعادة تقييمنا لعلاقتنا بأجسادنا وهي علاقة مخصوصة جدا ولا يمكن للآخر أن يدركها أو يفهمها".

وأشارت أن "دخول البطلة في دائرة التدخين وشرب الخمر واستهلاك المخدرات للهروب من واقعها يتقاطع مع الكثير من القصص المشابهة التي يحاول أصحابها التخلص من مشاكلهم بحلول وقتية وغير مجدية تعمق في انفصالهم عن واقعهم".

ويعد خروج الفيلم للقاعات السينمائية التونسية في حد ذاته انتصارا على نواميس المجتمع، فمنصف زهروني يراهن على وعي مستكن في دواخل عشاق الفن السابع لإعادة التفكير بعمق في بعض الأحداث والحالات السائدة في المجتمع التونسي لاسيما وأن اختياره للحظة ولادة تينا لم يكن اعتباطيا وإنما مرتبط بتاريخ اندلاع الثورة التونسية وتبعاتها.

وترى الطالبة الجامعية أميمة بعد أن حضرت العرض أن "شباك التذاكر لا يعد مقياسا لنجاح الفيلم فحسب، وإنما يكشف أيضا عن ما مدى نجاح صالة سينمائية دون أخرى في استقطاب المشاهدين".

وأوضحت لموقع "ميدل إيست أونلاين" أن "الاختلاف في التوقيت والترويج للفيلم يحدد صورة الطوابير المتزاحمة من عدمها على شباك التذاكر"، قائلة "هناك صالات من عمل ضعيف تخلق جمهورا عريضا والعكس".

وأشارت إلى أن "التونسي محب للاكتشاف مهما كان مشدودا لميراثه العتيق من العادات والتقاليد والخلفيات الأديوليوجية السائدة في المجتمع".

فيلم