آلام بختيار علي في 'يا مرفأ الصديق ويا سفينة العدو'

قصائد ديوان الشاعر الروائي الكردي تحيل الى تجربة السجن والطرد من الوطن والحرب العراقية الإيرانية وما خلفته من آثار على المواطن العراقي لكنها لا تنطوي على صور وتشكيلات معتمة بل إن الآلام تزيدها توهجا عبر لغة إنسانية شفافة.

تفيض قصائد ديوان الشاعر الروائي الكردي بختيار علي "يا مرفأ الصديق ويا سفينة العدو" بالآلام، آلام الروح والجسد معا في مواجهة ما شهداه من قمع واضطهاد وقتل وتنكيل وسجن وتشرد، حيث تتجلى تجربة السجن والطرد من الوطن والحرب العراقية الإيرانية وما خلفته من آثار وحشية على الواقع الحياتي للمواطن العراقي، ثم الفرار والهجرة.
 ومن ثم فإن تشكلات صوره ورؤاه تتحاور وتتصادم مع أفق الذات في علاقاتها مع البشر والطبيعة وآليات الحرب والقمع، لكنها ليست بالصور والتشكيلات المعتمة بل إن الآلام تضيئها وتزيدها توهجا عبر لغة إنسانية شفافة ورؤى فلسفية عميقة الدلالة.
 فالتمرد والغضب هنا في قصائد الديوان نسيج يشف عن تطلعات الشاعر الإنسانية وطاقاته الجمالية والتي لم تنحرف به نحو الافتعال أو المباشرة، هناك ألم، هناك غضب، لكن هناك عالم من الشاعرية والإنسانية يحتويهما.
الديوان الذي صدر عن دار خطوط وظلال الأردنية، ترجمته آرام محمد أمين وراجعه وقدم له غسان حمدان، وقد أوضح الأخير في مقدمته أن بختيار علي ولد عام 1965 في مدينة السليمانية شمال العراق؛ وفي نهاية سبعينيات القرن العشرين التحق بكلية العلوم فرع الجيولوجيا بجامعة السليمانية، إلا أنه سرعان ما انخرط مع عدد من أصدقائه الأكراد في أنشطة طالبية تنادي بحرية التعبير.. كما أنه شارك في مظاهرات مناهضة للحرب العراقية – الإيرانية.
 وبسبب هذه النشاطات الطلابية قررت الحكومة العراقية نقل جامعة السليمانية إلى مدينة أربيل، ومن هناك استمر الطلاب في نشاطهم السياسي ومظاهراتهم المناوئة لسياسات حكومة البعث في العراق، وأصيب بختيار علي برصاص رجال الأمن ونقل إلى المستشفى، حيث ألقوا القبض عليه ونقلوه إلى سجن كركوك وبقي هناك قرابة سنة. 
ويتابع غسان "بعد إطلاق سراح بختيار وطرده من الجامعة، لم يرد المشاركة في الحرب العراقية – الإيرانية التي استمرت ثماني سنوات، لذلك انتقل إلى إيران كلاجئ، وهناك أقام مكتبة أدبية كبيرة للاجئين بمجهوده الشخصي. وفي فترة إقامته في مخيم اللاجئين كتب قصائده، وروايته الأولى "موت الوحيد الثاني". وحين اطلع الروائي الكردي المعروف "شيرزاد حسن" على روايته، نقلها إلى بغداد كي يأخذ موافقة الرقابة لنشرها، إلا أن الرقابة الحكومية رفضت ذلك لأن الكاتب يعد من الطلاب المغضوب عليهم، ومتهرباً من أداء الخدمة العسكرية". 
ويضيف "بعد نجاح الانتفاضة الكردية عام 1991،عاد بختيار علي إلى مسقط رأسه السليمانية وبادر مع زملائه الآخرين مثل مريوان وريا قانع، وفاروق رفيق، وبرزان فرج بتأسيس مجلة "آزادي" الفكرية وإحياء ندوات ثقافية وأدبية؛ كما أنه نشر مجموعته الشعرية الأولى "الذنوب والكرنفال" عام 1992 إلا أنه وبعد سنتين وبسبب الحرب الأهلية بين الحزبين الكرديين هاجر مع الكثير من أبناء الشعب الكردي الذين فقدوا الأمل بالسلام والمستقبل، إلى دمشق واستقر فيها سنة ثم انتقل إلى أوروبا. واستقر بألمانيا في مدينة كولونيا حيث أسس مع رفاقه الآخرين مجلة فكرية أخرى باسم رهند "البعد"، كما أنه استطاع نشر روايته الأولى في السويد، بعد عشر سنوات من كتابتها. إلا أن شهرته تعود إلي روايتيه الثانية "غروب الفراشة" 1998 والثالثة "آخر رمان الدنيا" 2001، اللتين نشرتا في أكثر من خمسين ألف نسخة لكل منها باللغة الكردية، وهذا رقم كبير جداً نظراً إلى عدد الأكراد الذي لم يكن يتجاوز أربعة ملايين ونصف مليون في ذلك الوقت. وقد كتبت عدة أطروحات جامعية عن كتبه، كما أن أعماله ترجمت إلى اللغات الألمانية والفرنسية والإنجليزية والتركية والفارسية، التي يجيدها هو بطلاقة.

 رؤى فلسفية عميقة الدلالة
رؤى فلسفية عميقة الدلالة

كما أن روايته الرابعة "مدينة الموسيقيين البيض" صدرت في عشرة آلاف نسخة 2005 ونالت جائزة كتاب العام في كردستان العراق. وفي عام 2017 نال جائزة نيلي زاكس الألمانية على روايته "مدينة الموسيقيين البيض"، وهي جائزة مرموقة أنشئت باسم الشاعرة والكاتبة المسرحية نيلي زاكس الحائزة على جائزة نوبل للآداب في عام 1996، وقد نالها أدباء كبار مثل الروائي ميلان كونديرا، والروائي والكاتب المسرحي إلياس كانيتي، وآخرون.
ومن رواياته الأخرى "الغزلي وبساتين الخيال" 2008،  و"قصر الطيور الحزينة" 2009، و"جمشيد خان" 2010، و"سفينة الملائكة" 2012 و"غيوم دانيال" 2015، و"درياس والجثث" 2018.. كما أن لبختيار علي ست مجموعات شعرية "الخطيئة والكرنفال"، و"بوهيمي النجوم"، و"إلی مأتم الورد إلی دم الملاك"، و"الاشتغال في أدغال الفردوس"، فضلا عن مجموعته هذه "يا مرفأ الصديق.. يا سفينة العدو"، وأكثر من عشرين كتاباً في مجالات الفلسفة والنقد السياسي والنقد الأدبي.

قصيدة الشعراء يدخلون الجحيم
سيدخل الشعراء الجحيم، مثلما يدخل القتلة والسراق الجنة
فالجحيم مأوانا
لسوء الحظ أولئك الذين لا يفهمون الألم سيدخلون الجنة
أولئك الذين يهربون من الجحيم يحسبون أن َالسعادة فيها
لكن السعادة الحقة داخل ذاك الكتاب الذي نقرأ رماده 
سوياً
داخل تلك الأحرف المحترقة التي لن تعود كلماتها كعهدها
لا.. لن يذهب الشعراء إلى الجحيم، بل يدخلونها
لم لا يأخذوننا هنااااك؟ لا البشر ولا الملاك بمقدورهم قراءة 
النار
وحدنا نحن نكتب النار ونقرأها.
سيدخل الشعراء الجحيم، حيث بدأت فيها جميع القصائد
الأسلوب ليس سوى ناراً ملتهبة في القلب، والوزن ليس 
سوى الإمساك باللهيب كي لا نقع
لولا النار، لما أمكننا رؤية وجوهنا، لولاها لما تواجدت مرآة 
هناك
فالكلمات الحقيقية هناك، لنذهب إليها يا رفيقي.. أراها 
من بعيد
الجنة ساكنة، خالية من صراخ القوافي.

قصيدة سابقاً
سابقاً كان عدوك الحالم الوحيد من ينوي قتلك
الآن الصديق والغريب
سابقاً كانت العقارب والأفاعي هي الوحيدة
من تنوي لدغك
الآن الزهور والعطور
كم يشعرون بالسعادة ليطردوك من هذه المدينة
منذ فترة على الرغم من حصار الملوك
أحبابك هم المحاصرون
أصبحت فاتنا لدرجة
بت مستعدا لسهم مفاجئ
كفاكهة يانعة لحتمك.
سابقا كان الرصاص من يجرحك فحسب
لكن الآن السهم والحجر والسيف
سابقا كانوا يحرقون قصائدك فقط
لكن الآن يدك، روحك ورأسك
منذ مدة وعلى الرغم من كر الغيوم
بات الربيع أيضا يهجم.
منذ مدة وهاتان اليدان البيضاوان
طابتا لقلوب الأمس النقية
لهذه الدرجة صرت جميلا
صرت كاملا لهجر بعيد
مستعدا للرحيل.
سابقاً كنت تطرد من بعض الأركان
لكنك الآن طائر مريض
بلا مكان، بلا عش، بلا جناح
إلى هذا الحد صرت جميلا
جيداً لبصق اليوم، متكامل للعنة هذا العام.
سابقا كان الحكام والأمراء والخواجات ينوون الفتك بك
الآن العلماء والحكماء والشعراء
عزيزي لا تبتئس
أصبحت جميلا لهذا الحد
اكتملت لسم الحبيب وطعن الأهل.

قصيدة حروبي
أنا على عهد مع جميع السيوف، لتبارز موتي
أنا لست شجرة الحرية كي أسقى على الدماء
لست زهرة الانعتاق كي أتوهج بالدماء
أي وقع حرب أزوره، ليس للقتل
بل كي أقتل ولا أرجع وأنا حي أرزق
أنا على عهد مع جميع البنادق على أن أطلقها نحو السماء
خارج الأرض
على عهد مع السكاكين لكتابة تهجي جديد بنصلها
أشق كل الطرق قاصداً الموت
أشرب من كُل ماء آملا أن تكون سما.
جل مخططاتي هي أن يفلح أعدائي، يسعدوا، ويشبعوا غرائزهم بموتي
وأن أجمع الطيور الجائعة التي يغيظها الجميع على جثماني
أن تجتمع القبائل البربرية حول جسدي راقصين
وأن تعثر الحقول الشرسة على زهورها في جروحي
أنا على عهد مع كل أنواع الخيانات وقساة القلب على أن يجعلوني كاتبهم
أن يجعلوني نبراسهم،
أن يكتبوا دمي بخطهم حتى مماتي.
يا من لم تضع سكينك على لحم أحد
قلبي ليس عليه ضريبة
كثيرون من صاروا أساتذة بفتكي
تعال أنت كذلك وصر أستاذا
اطعن بما أتيت من قوة
فذبحي ليس سوى ألعوبة
ليس اليوم فقط
منذ مدة ولحمي معروض 
منذ مدة ودمي مجاني.

قصيدة يا مرفأ الصديق، ويا سفينة العدو

يا مرفأ الصديق، سترسو مع سفينة العدو الحزينة عندك
كنا نحفظ أغنيات الظلام 
منتصف ليالينا كانت ملأى بسراج حراسك السكارى
جئنا إليك لاجئين
هربنا جميعنا من العدو
سواء نحن أم هم
سنلتقي في شوارعك عالمين بهروبهم من سهامنا
سيرانا بالعدو ويفهم بأننا غرباء ومهاجرون
وقد هربنا من سيوفهم.
لن يستطيع أحد أن يكون لاجئا عند المياه
ولا واحدا منهم.
جميعنا جئنا إليك، أيها المرفأ البعيد
يا دائم البعد 
كي نخفي أنفسنا من البعض
من سفننا التي طالما تنادي راغبة كي تعلم أين نحن
 نقول: جميعنا لاجئون
جميعنا لاجئون أبديون داخل هذا النور
جميعنا هاربون أبديون نحو الضوء
تعرف علينا أيها المرفأ
تعرفوا علينا
يا من تضعون أعباء يأسنا عىل الأكتاف
تعرفوا علينا
 بأي تلهف نبحث عن النهاية
استلمنا أيها المرفأ
لنلتجئ إليك يا صديقي، فلترى كيف تطلق سفننا النار على بعضها.
افتح أبوابك أيها المرفأ.. أ[وابك العملاقة
لنجلس مع أعدائنا بهناء 
انظر.. جميعنا قدمنا من نطف سوداء 
من بحر لج
من إعصار مجنون، من زوبعة
فنحن هاربون من سفن العدو.