أدباء ونقاد ينفون موت القصة القصيرة

البعض يروج لمقولة موت القصة القصيرة، وكأن حياة فن وتألقه لا تكتمل إلا بموت فن آخر.
شريف صالح: الأكثر واقعية لو قلنا إنه زمن المسلسلات أو زمن الفيسبوك.
عبدالني فرج: المشكلة ليست في غياب القصة القصيرة ولكن في الاهتمام المبالغ فيه
محمد حسين أبوالحسن: القول باحتضار أو انحسار القصة القصيرة غير جائز، لأنها ابنة الحياة
ماهر عبدالمحسن: مقولة موت القصة القصيرة، تحتاج إلى نظرة تحليلية متعمقة لفهم أبعادها

منذ راجت مقولة زمن الرواية، والبعض يروج لمقولة موت القصة القصيرة، وكأن حياة فن وتألقه لا تكتمل إلا بموت فن آخر، أو كأن العلاقة بين فني السرد عكسية، إن ارتفع أحدهما بالتبعية يهبط الآخر، فلما أقبل المبدعون على مواقع التواصل الاجتماعي وخصوصا الفيس بوك وتويتر امتلأ محبو القصة القصيرة بالتفاؤل، فالوسيط الجديد بطبعه ينحاز للنصوص القصيرة، وبذلك قد يمنح الفن المحتضر قبلة الحياة، كما سبق أن فعلت الصحافة، لكن هذه المواقع أسست لكتابة جديدة لا تندرج رغم قصرها تحت طائلة القصة القصيرة. فما هي حقيقة مأزق الفن الجميل وتصورات مستقبله؟
مقولات رائجة
يؤكد القاص المصري شريف صالح على أن بعض المقولات تصبح رائجة لما لها من طنين ورنين لفظي أكثر من أن تكون قد خضعت لفحص وتمحيص جدي. ففجأة تروج كليشهات من عينة موت المؤلف وموت القارئ وموت الكتابة. ويبدو أن الحديث عن الموت يمنح البعض انتصارا ما. ولا أود الخوض في استعمال المصطلحات على غير قصدية من وضعوها أساسا، ولا القول ان المؤلف والقارئ والكتابة مازالوا أحياء، بالمثل لا أفهم مقولة زمن الرواية. وربما الأكثر واقعية لو قلنا إنه زمن المسلسلات أو زمن الفيسبوك. فالزمن أساسا مقولة معقدة تجري فيها أزمان. لكن بسبب رنين مثل هذه المصطلحات في وسائل الإعلام تكتسب سطوة اليقين. وتختزل تجارب على حساب أخرى فمثلا نتحدث طول الوقت عن نجيب محفوظ الروائي ونتجاهل كليا منجزه المهم جدا في القصة القصيرة. هذا الاختزال أو عدم التوازن قد تكون له أسبابه المفهومة المتعلقة بحجم أو كفاءة منجز مقابل آخر لكن هذا لا يعني أن هناك فنا قد مات، أو لم يعد له زمنه. 

سيظل للشعر دوره، وللقصة دورها، وللمسرحية دورها، مهما اختلفت الظروف وتغيرت الأزمان

وعن تجربته الإبداعية يضيف شريف صالح “أنا كقارىء أقرأ القصص القصيرة أكثر من الرواية. وككاتب صدرت لي سبع مجاميع قصصية، والثامنة في الطريق بينما لم تصدر لي سوى رواية واحدة. ولم يحدث أن شعرت أبدا بأن فن القصة القصيرة قد مات، بالعكس ربما ساهمت شبكات التواصل في توسيع قاعدة تداوله. كما لم تؤثر علي قارئا وكاتبا. الدعاية والجوائز وتحيز الناشرين والنقاد لفن الرواية. وأحيانا تكون ميزة عظيمة أن يبتعد فن ما عن إكراهات السوق لأنه سينشغل أكثر بارتياد آفاق إبداعية أعمق.
الفيس بوك محرضا
القاص العراقي سلام إبراهيم يرى أن القصة القصيرة ربيعها متجدد، إذ ولدت من بنية القص الشفهي للأحداث والتجارب، وهي في الجوهر وسيلة الناس شفويا لنقل الخبرات والمعارف وللتسلية والإدهاش، ومن هذا الموروث الإنساني الشفوي القديم جدا ولدت الأساطير والحكايات والقصص المكتوبة حتى أن كتب الأديان جميعها تحكي قصصا وتجارب وعبر ثم ولدت الآداب. لذا أستطيع القول إن القصة قصيرة أو طويلة جزء من التكوين البشري في صيرورته وتطور حضارته وما زالت.
ويرى سلام أن الكلام عن موت وانحسار أحد فني السرد غير دقيق، فالرواية والقصة متلازمتان في التكوين الفني والأفكار والبنية، والقصة هي الأس في البناء الروائي، فأغلب الفصول قصص، هكذا أراها، وخصوصاً من خلال تجربتي الأدبية جهدت إلى إدخال بنية القصة القصيرة في الفصل الروائي، فبنيت رواياتي بحيث من الممكن قراءة كل فصلٍ مستقلٍ ثيمة وأحداثاً وبنية فيها تحكيم بنية القصة القصيرة، وعن وسائل التواصل الاجتماعي وخصوصاً "الفيس بوك"  يراها سلام وسيلة محرضة على كتابة القصة القصيرة مباشرة في صفحتي، فوجدت نفسي أبلغ من شدة التركيز حداً لم أصله من قبل، فأنا محاصر بالقارئ المنتظر ما أكتب، وقد كتبت قصص مجموعتي الأخيرة مباشرة على الفيس بوك، ولدي الآن مجموعة كاملة شجعني الفيس بوك على تنفيذها من باطن الأفكار والذهن.
أسباب سياسية
من جانبه يستنكر القاص المصري عبدالنبي فرج مقولة موت القصة القصيرة، قائلا: لا أعرف من ذا الذي عمل جردا شاملا للأنواع الأدبية، واكتشف أن هناك انحسارا للقصة القصيرة، في مقابل ازدهار الرواية، الحقيقة أن هناك اهتماما كبيرا بالرواية، فغالبا ما تمنح جوائزها وتقام مؤتمراتها لأسباب سياسية، ولكن القصة القصيرة يبدعها كم هائل من الكتاب، فمثلا المتصفح لموقع جائزة الملتقي يرى أن هناك أكثر من مائتي مجموعة قصصية تتنافس على الجائزة كل عام، وهناك الكثير من الكتاب الذين يرفضون الاشتراك بسبب اليأس من وجود عدالة وتكافؤ فرص من القائمين على الجائزة .

ويرى فرج أن المشكلة ليست في غياب القصة القصيرة ولكن في الاهتمام المبالغ فيه، صحيح الرواية جنس منفتح ومرن وقابل لاستيعاب معظم الفنون، ولكن القصة القصيرة قريبة من روح العصر، حيث التكثيف والتصوير والسرعة، وإضاءة المسكوت عنه داخل الروح البشرية المظلمة، القصة القصيرة تمر بمرحلة ازدهار ولكن للأسف هناك فساد كبير جدا يسم المشهد الأدبي.
يرى الناقد والأكاديمي محمد حسين أبوالحسن أن القول باحتضار أو انحسار القصة القصيرة غير جائز، لأنها ابنة الحياة، والحياة نفسها، هى سلسلة متوالية من الحكايات والقصص التي تتلاحم لتشكل المجرى الرئيسي، كحبات المطر التي تصنع روافد سرعان ما تتجمع مشكلة مجرى النهر، بل ربما يكون العصر الذي نحياه حاليا بوتائره العجلى مهادا خصبا لازدهار القصة القصيرة كجنس أدبى، لاتساقه مع طبيعة العصر، إذ تضيق أوقات البشر عن قراءة الروايات أو متابعة الأجناس الأدبية المسهبة التي تتطلب وقتا طويلا لمطالعتها؛ فالقارئ المعاصر يحتاج إلى أدب يُساير حركة عصرِه المتخم بالمشكلات من كل صنف، ولما كانت القصة القصيرة أشبه بالومضة المتعجلة، فإنها تظل الأقرب إلى روح هذا الزمان إبداعيا. 
ويرى أبوالحسن أن تطور وسائط الاتصال المختلفة وهيمنتها على فضاءات التواصل الإنسانى، هو "سر البقاء" أو "قبلة حياة" متجددة للقصة القصيرة خلاصة لتجارب حياتية من الواقع، تمتزج بخيال الأديب، لتخرج دفقة شعورية فائرة، كل منهما يثرى الآخر.
حاجة إبداعية
وفي رأي د. ماهر عبدالمحسن أستاذ علم الجمال بجامعة القاهرة، أن مقولة موت القصة القصيرة، تحتاج إلى نظرة تحليلية متعمقة لفهم أبعادها. فنشأة القصة القصيرة، خاصة عند روادها الأوائل، كانت استجابة فنية، فى المقام الأول، لحاجة إبداعية ملحّة، فقد عجزت الرواية والقصة الطويلة عن التعبير عن المواقف العرضية، ذات الدلالة، التى تغمر حياتنا اليومية، وتطالب المبدع بحقها فى الظهور ونيل الاعتراف الفني والأدبي بأثرها الكبير، الذي لا يلحظه أحد، إذا ما اكتفى برؤية العين البشرية العادية المجردة. والمبدأ العام الذي ينبغي أن نستند إليه في تحليلنا للظواهر الفنية والأدبية هو أن الفنون تتطور ولا تموت. فسيظل للشعر دوره، وللقصة دورها، وللمسرحية دورها، مهما اختلفت الظروف وتغيرت الأزمان. (وكالة الصحافة العربية)