أزمة الدراما والسينما في الجزائر تتعمق بإضرام مخرج النار في نفسه

يوسف قوسم يحاول الانتحار في مقر 'دزاير تي في' بسبب عدم تلقيه مستحقاته المالية عن مسلسل 'سأنسى وأعود'، وصناع الفن السابع يطالبون بإنشاء نقابة أو جمعية تمثلهم.
قوسم ابتعد عن الخطر بعد اصابته بحروق في 52% من جسده
الرقابة تعيق الابداع في الدراما والسينما بالجزائر
غياب صناعة سينمائية متكاملة في الجزائر

الجزائر - على اثر اضرام مخرج جزائري النار في نفسه بسبب خلاف مالي مع قناة تلفزيونية عرضت مسلسل له في 2017، سارع العديد من المخرجين في الجزائر الى التكتل من جديد من أجل الدفاع عن حقوقهم والمطالبة بانشاء نقابة أو جمعية تمثلهم وتكون صوتهم المسموع والعالي.
وأصدر نحو مئة سينمائي جزائري رسالة تضامنية مع مخرج أضرم النار في نفسه في مقر قناة "دزاير تي في" بسبب خلاف مالي معها.
وقال المخرج والمنتج سعيد مهداوي إن صديقه المخرج يوسف قوسم أضرم النار في نفسه في 7 كانون الثاني/يناير في مقر "دزاير تي في" الخاصة بسبب عدم تلقيه مستحقاته المالية عن مسلسل "سأنسى وأعود" الذي بث في شهر رمضان 2017.
و"سأنسى وأعود" أول مسلسل جزائري سلط الضوء على يوميات وتضحيات العمال في مجال الحماية المدنية وحربهم المستمرة ضد الحرائق ومختلف الحوادث.
وأكد مهداوي أن قوسم "ابتعد عن مرحلة الخطر بعدما أصيب بحروق في 52% من جسده".
واصطدم المشهد الدرامي في الجزائر بأزمات مالية حلت على بعض القنوات التي فاجأت جمهورها بإلغاء بث أو تصوير العديد من الأعمال الدرامية الضخمة.
ومن الملاحظ أن الإنتاج الدرامي الجزائري شهد خلال المواسم الاخيرة عددا محدودا جدا من الأعمال.
وادى التراجع التدريجي لأداء ومستوى الدراما الجزائرية خلال السنوات الأخيرة، إلى تقلص حظوظها في منافسة نظيراتها في التلفزيونات العربية والقدرة على إنتاج النجوم.
وهاجرت العديد من الوجوه الفنية الجزائرية إلى العواصم وشركات الإنتاج العربية بحثا عن مساحة أكبر من الشهرة والأضواء والمال.
وفي بيان نشرته الصحف الجزائرية، أسفت القناة التي يملكها رئيس نقابة رجال الأعمال علي حداد المعروف بقربه من رئاسة الجمهورية، بـ"لتحول خلاف تجاري الى مأساة".
وأضاف البيان أن قوسم أضرم النار في نفسه بعد خروجه من لقاء مع المدير الجديد للقناة "الذي طمأنه أن الادارة ستدرس طلبه في الغد".
وقع الرسالة التضامنية غالبية المخرجين والمنتجين الجزائريين، من بينهم بشير درايس الذي يواجه هو ايضا مشاكل مع السلطات بعد منع بث فيلمه التاريخي "بن مهيدي" ومطالبته بتعديل بعض المشاهد.
ورفعت وزارة المجاهدين من خلال المركز الجزائري للدراسات والبحوث حول الحركة الوطنية، وهو المركز المسؤول عن متابعة الأفلام السينمائية والوثائقية حول الثورة التحريرية الفيتو في وجه فيلم "بن مهيدي".
وطلب المركز من المخرج على وجه الخصوص إبراز "جميع الجوانب التاريخية" المتعلقة بحياة العقيد العربي بن مهيدي، أحد مؤسسي جبهة التحرير الوطني وتفاصيل اعتقاله وتعرض للتعذيب من قبل الجنود الفرنسيين في الجزائر، وإعدامه في مارس/اذار 1957 تحت قيادة الجنرال بول أوسارس (الرواية الرسمية الفرنسي تميل الى انتحاره ).
وقال المخرج "إنهم لا يعرفون السينما، لا يعرفون أن الفيلم يدوم قرابة الساعة الواحدة وخمسين دقيقة، حيث نحكي قصة من زاوية محددة".
ويذهب الكثير من النقاد إلى الحديث عن غياب صناعة سينمائية متكاملة وإنتاج تلفزيوني قادر على شد انتباه المتفرج في الجزائر.
ويقرّ صناع السينما وعشاقها أن الشاشة الكبيرة في الجزائر تعيش أزمة مزمنة طال أمدها، وهي بحاجة إلى إرادة قوية لإعادة بعث مشروع ثقافي يعيد مجدها السابق الذي عاشته في الستينات والسبعينات من القرن الماضي.

المخرج يوسف قوسم
'خلاف تجاري تحول الى مأساة'

ومن أهم العقبات التي تواجه الدراما والسينما في الجزائر الركود الاقتصادي وغياب السيناريو الجيد وغلق الكثير من دور العرض الى جانب مشاكل مالية.
وعمقت حادثة محاولة انتحار المخرج المعروف أزمة الفن في الجزائر.
وظلت السينما الجزائرية تتأرجح بين المقبول والسيء والجيد عبر أكثر من خمسين سنة، تاركة السبق دائما للفن السابع المصري.
 كما أن المشاهد الجزائري لا يرجع إلى إنتاجه الوطني إلا في شهر رمضان من كل سنة.
ويتفق معظم النقاد وأكثر المتتبعين للإنتاج الدرامي والسينمائي في الجزائر على أن الخلل الأكبر موجود في كتابة السيناريو، باعتباره مشكلا مهما في لغة فنون التمثيل.
ولا يوجد في الجزائر معهد أو مدرسة لتعليم فن كتابة السيناريو.
واعتبر السيناريست إسماعيل أبوبكر أن الكثير من قطاعات الإبداع في الجزائر تعاني من غياب نقد حقيقي وبنّاء يوجّهها ويكشف مواطن ضعفها.
ويعتبر نقاد أن وجود قطيعة بين الأدباء والسينمائيين أدى إلى طغيان الرداءة.
ويرى الفنان الجزائري عبدالنور شلوش أن الأزمة التي تعيشها السينما الجزائرية ليست مرتبطة بموضوعها، بل بالجهاز البيروقراطي الذي يشل كل إرادة لإطلاق عجلة الإنتاج.
وحسب شلوش فإن أزمة السينما في الجزائرية ليست مرتبطة بالتمويل فقط بل أيضا بالتكوين الذي توقف منذ نهاية الثمانينات من القرن الماضي.
ويرى النقاد ان السينما الجزائرية تعاني من الرقابة على المواضيع المطروحة ولها قائمة تابوهات ولدت لدى المخرجين رقابة ذاتية.
وندّدت 16 شخصية جزائرية من أوساط السينما بالرقابة الممارسة في الجزائر وبتقييد حرية التعبير على خلفية منع عرض العديد من الأفلام من طرف السلطة.