أكاديميون يستعرضون واقع اللغة العربية في العوالم الجديدة

المشاركون استعرضوا أسئلة التجربة الشخصية في علاقتهم بدراسة اللغة العربية والمحطات الأساسية التي اختبروها خلال مسيرة تعلّمهم اللغة.
آليات تغيير الصور النمطية التي تقع اللغة العربية في أسرها في عيون الآخر
أكثر من 75 شخصية تضمنت الفريق البحثي بقيادة د. محمود البطل

ضمن فعاليات أسبوع اللغة العربية وبالتزامن مع إطلاق وزارة الثقافة والشباب الإماراتية تقرير حالة اللغة العربية، انعقدت الندوة الحوارية بعنوان "اللغة العربية في العوالم الجديدة" بمشاركة كل من د.فاليري أنيشينكوفا من جامعة ميريلاند بالولايات المتحدة، ود.شاوكون ليان من جامعة بكين الصينية، ود.باولا كافارو من جامعة ساو باولو في البرازيل، وندى يافي من معهد العالم العربي في باريس بفرنسا، وأدارها الدكتور محمود البطل، أستاذ اللغة العربية في الجامعة الأميركية ببيروت.
استعرض المشاركون في الندوة أسئلة التجربة الشخصية للمشاركين في علاقتهم بدراسة اللغة العربية والمحطات الأساسية التي اختبروها خلال مسيرة تعلّمهم اللغة، وواقع اللغة العربية في العوالم الجديدة بين فرنسا والولايات المتحدة والبرازيل وصولاً إلى الصين، والتحديات والمعوقات التي تعترض تطوير عملية تعليم اللغة العربية وانتشارها في المجتمعات غير الناطقة بالعربية، كما تناولت الندوة آليات تغيير الصور النمطية التي تقع اللغة العربية في أسرها في عيون الآخر وأهمية تعليمها للآخرين سبيلاً لتغيير هذه الصور، ليتوصل المشاركون ضمن الندوة إلى أهمية تنفيذ واحدة من أهم توصيات تقرير حالة اللغة العربية ومستقبلها، والمتمثلة في الدعوة لإنشاء مرجعية عالمية للغة العربية تستخدم وسائل تكنولوجية حديثة لإيصال اللغة العربية بأبسط طريقة وايسرها الأمر الذي يحتاج جهدا وتعاوناً من كل الأطراف المهتمين باللغة العربية وتعليمها.
حيث ذكرت د.فاليري أنيشينكوفا أن رحلتها مع اللغة العربية بدأت في روسيا عندما التحقت بقسم الدراسات الشرقية والإفريقية لرغبة منها بالاطلاع على التاريخ القديم للمنطقة العربية والإرث اللغوي المشترك لعدد كبير من البلاد الناطقة بالعربية، معتبرةً أن رحلة التعرف على اللغة العربية لغة القرآن والفصحى كانت رحلة اكتشاف ممتعة لقيم ثقافية ومعانٍ عميقة ذات تنوع.

وزارة الثقافة والشباب الإماراتية تبنت مشروع تقرير حالة اللغة العربية ومستقبلها وشكّلت فريقاً بحثياً يضم باحثين وخبراء من جامعات عربية مختلفة

وركزت أنيشينكوفا على اختلافات طرأت خلال العقدين الأخيرين مع هجمات الأول من سبتمبر/أيلول التي زادت من اهتمام الطلبة الأميركيين بدراسة اللغة العربية بشكل مضطرد، رغم الاحتياج الواضح للباحثين والمتخصصين باللغة العربية مع ملاحظة أنّ الجيل الجديد من الأساتذة الذين تخرجوا من الجامعات الأميركية اهتموا بالعاميات واللغة العربية بلهجاتها المتعددة، باتوا يدرّسون ما تعلموه لطلاب أكثر شغفا ورغبة وحبا بالعربية. 
ورأت أن هناك اهتماماً متزايداً في القضايا الثقافية وفهم الآخر والاحترام المغاير للأفراد الذين يمثلون ثقافات مختلفة بعيدا عن الصورة النمطية لهؤلاء. 
وقدّمت أنيشينكوفا تصورها لأربعة تحديات تواجه تعليم اللغة العربية منها العدد الكبير المتزايد للطلاب الراغبين بتعلم اللغة العربية مما يزيد الحاجة الماسة إلى الأساتذة والمعلمين وبرامج الدراسات العربية، ومنها نقص البرامج والمواد التدريسية الرديفة باللغة الإنجليزية، كما أن هناك اختلافا بين ثقافات الطلبة أنفسهم، وقلة عدد ساعات تدريس اللغة العربية، وبين هذه التحديات الكلفة المادية لتعلم اللغة العربية وعدم قدرة بعض الطلاب على تحمّل هذه الكلفة، مضافاً إليها الصور النمطية الخفية التي لدى الطلاب تجاه اللغة العربية والعرب والمهارات الثقافية وليس اللغوية فقط، في غياب التنوع والتعدد واحترام الآخر بأفكاره وثقافته ومعتقداته ومشتركه الإنساني في الحضارة والحياة بشكل عام.
وقالت ندى يافي إن تجربتها مع اللغة العربية إرث للأسرة والوالد دور كبير فيه كجزء لا يتجزأ من الهوية، واللغة كانت مفتاح نجاح بالنسبة لها عبر مسيرتها المهنية في الترجمة وصولاً إلى عملها في معهد العالم العربي، كما تحدثت عن تاريخ الاستشراق الفرنسي الذي ترافق مع إدخال اللغة العربية إلى الكلية الملكية الفرنسية منذ تاريخ قديم، مع وجود جالية عربية حاليا تقارب الخمسة ملايين يستخدمون لغتهم التي يودون تعليمها لأحفادهم ويشعرون بالحنين إلى اللغة، مع ملاحظة أن الجهد الفرنسي الحكومي يهدف لتعزيز تدريس اللغة العربية في المدارس الفرنسية، بعيداً عن اتهامها بالإرهاب وتسييس الموقف منها، كما مشاهدة تزايد الإصدارات والنشر باللغة العربية وموضوعات إرثها الحضاري العريق ومفرداتها الحاضرة في لغات الدول الأخرى، وصولاً إلى إطلاق معهد العالم العربي اختبار الكفاءة في اللغة العربية.
وأشارت يافي إلى أن التعامل الحديث مع اللغة العربية بشكل عصري هو التحدي الأساسي على مستوى العالم، أما بالنسبة لفرنسا فيكمن التحدي في التصورات النمطية الذهنية تجاه اللغة مع الانطواء على الهوية الوطنية، مع غياب دور الإعلام الداعم فرنسياً للانفتاح على الآخر من خلال اللغة، كما أن هناك طلبا كبيرا متزايداً على تعلم اللغة العربية، مع ضرورة التوسع في تعليم اللغة كلغة حية وليس لارتباطها بالأدب والتراث. 
واعتبرت د.باولا كافارو أنّ سؤال العلاقة باللغة العربية يحمل عشقاً وشغفاً هو جزء منها شخصياً، ويعكس معنى عميقاً ورغبة في التعرف إلى العادات والتقاليد والقيم وراء هذه اللغة، والرغبة في التعرف على الآخرين والتواصل معهم بلغتهم.
وقالت: "لم أكن أعرف الكثير عن الثقافة والآداب والدول العربية، ومن خلال الدراسة فُتح أمامي عالم جديد ونوافذ جديدة"، مشيرةً إلى أن البرازيل كانت ملجأ لموجات الهجرة العربية منذ القرن التاسع عشر، ومن هؤلاء المهاجرين كان نخبة الشعراء والمثقفين خاصة في الجاليتين اللبنانية والسورية، حتى باتت البرازيل الأندلس الجديدة بالنسبة إليهم، لتقارب نسبة المتحدرين من أصول عربية اليوم 6 في المائة من البرازيليين، مع تطور في أقسام تعليم اللغة العربية في كليات الآداب في الجامعات والمدارس البرازيلية والمعاهد التي تدرّس اللغة العربية، وازدياد الترجمات من اللغة العربية إلى البرازيلية وبالعكس. 

Arabic
أربعة تحديات تواجه تعليم اللغة العربية 

وعن التحديات التي تعيق تطور وانتشار اللغة العربية في البرازيل، رأت د.كافارو أن هناك حاجة إلى الكتب المتخصصة في تدريس العربية للطلاب المتحدثين بالبرتغالية والأمر نفسه ينطبق على القواميس التي يفتقدها البرازيليون. 
وأضافت أنه "لا يزال هناك فجوة يجب سدها بخصوص تعليم اللغة العربية للمتحدثين بالبرتغالية، وتأليف مناهج لتدريب معلمي اللغة العربية ودعم الدراسات اللغوية العربية خارج العالم العربي"، إضافةً إلى تحديات المستويات الثقافية للمدرّسين واختلاف أساليبهم التعليمية، واحتياجا لامتحانات اختبار الكفاءة العربية، إلى جانب عدم وجود برامج عمل تنسيقية لمعلمي اللغة العربية في البرازيل.
وأكّد د.شاوكون ليان أن فضوله كان دافعه للتعرف على الحضارة العربية الإسلامية عبر تعلم لغتها، ثم السفر إلى الدول العربية، والاطلاع على المعاني الوافرة الكثيرة التي تجسد الثقافة والهوية العربيين، وتعكس الرابطة الواحدة بين العرب جميعاً، معتبراً أن هناك تشابها بين الشعور تجاه اللغة والحرص عليها بين العرب والصينيين.
أشار ليان إلى أنّ الصين تعرفت إلى اللغة العربية منذ دخول الإسلام، أما التعليم الرسمي لها فقد بدأ في جامعة بكين منذ العام 1946، وهي لغة الهوية والرابطة بين مسلمي الصين والعالم، وقد شهد العقد الماضي تطوراً ملحوظاً في تعليم اللغة العربية من ثماني جامعات إلى خمسين جامعة تقدم برامج باللغة العربية وذلك مع توسع التبادل الصناعي والتجاري مع الدول العربية ومبادرة الحزام والطريق لإحياء طريق الحرير القديم التي يشكل العالم العربي الجزء الأهم فيها. 
وعن التحديات التي يواجهها تعليم اللغة العربية في الصين رأى ليان أن هناك تركيزا على تعليم الفصحى ومفرداتها ونحوها وخاصة في التعامل الدبلوماسي والتجاري وليس التركيز على التعامل اليومي الواقعي ما أدى إلى غياب اللهجات العامية وشعور العاملين الصينيين في الشركات في البلاد العربية بالحاجة الماسة إلى تعلم اللهجات، كما أنّ هناك حاجة إلى الخبراء المتخصصين في دراسات وبحوث المجتمعات العربية ولغتها. 
كما رأى ليان أنّ تعلم اللغة العربية يقلل من تأثير الصورة السلبية النمطية التي ينقلها الإعلام العالمي، ومن ذلك إقامة مسابقات تختص بالخط العربي الذي مارسه الطلاب الصينيون، ساعدت على تشويق الطلاب وإعجابهم بفنيات الخط العربي، كما أن كلا اللغتين شهدتا صعوبات جمة لمسايرة الحداثة وهما تشتركان في القلق على الوجود ما يعكس الشعور المشترك بين الصينيين والعرب حول مكانتهم ودورهم في العالم.
يذكر أن وزارة الثقافة والشباب الإماراتية قد تبنت مشروع تقرير حالة اللغة العربية ومستقبلها وشكّلت فريقاً بحثياً يضم باحثين وخبراء من جامعات عربية مختلفة بدؤوا عمليات البحث والاستقصاء وجمع البيانات ضمن المحاور العشرة التي تضمنها التقرير. وجاء تبنيها للعمل على التقرير بعد توجيه الشيخ محمد بن راشد آل مكتوم، في 18 ديسمبر/كانون الأول 2018، بالعمل على إطلاق تقرير "تقرير حالة ومستقبل اللغة العربية"، ليكون أساساً ودراسةً موسعة لمقاربة تحديات اللغة العربية بطريقة علمية تساعد على تطوير أساليب استخدامها وتعليمها وتمكينها كوسيلة للتواصل واكتساب المعرفة. 
وقد شارك في التقرير أكثر من 75 شخصية تضمنت الفريق البحثي بقيادة الدكتور محمود البطل، أستاذ اللغة العربية في الجامعة الأميركية في بيروت، إضافة إلى باحثين وأساتذة جامعات من أنحاء العالم، وقادة مؤسسات إعلامية وتقنية محلية وعالمية.