إيليا سليمان يراهن على سينما فلسطينية عالمية طريفة

المخرج الفلسطيني يحصل على تنويه خاص من مهرجان كان ويجعل السينما الفلسطينية تجنح نحو الواقعية والتجديد والخيال وروح فكاهة تخفي مرارة وكآبة.

باريس - تمكن المخرج الفلسطيني إيليا سليمان من وضع فلسطين على خارطة السينما العالمية بحصوله على تتويجات هامة في مهرجان كان العالمي المرموق والعريق، وآخرها إشادة النقاد بعمله الجديد "لا بد أن تكون الجنة".
وحصد فيلم "لا بد أن تكون الجنة" على تنويه خاص من لجنة التحكيم في ختام المهرجان السينمائي العالمي. 
واقتنص فيلمه الروائي الطويل الثاني "يد إلهية" عام 2002 جائزتي لجنة التحكيم واتحاد النقاد الدوليين في الدورة الـ55 للمهرجان نفسه.
ومكنّه فيلمه الروائي الثاني "يد إلهية" من أن يكون أول فلسطيني ينافس في مهرجان كان للفوز بالسعفة الذهبية.
 وتم اختيار فيلمه الثالث "الزمن المتبقي"، عام 2009، رسميًا ليشارك في الدورة الـ62 لأهم مهرجان سينمائي بالعالم.
ويعتبر ايليا سليمان من أهم السينمائيين في العالم العربي رغم أفلامه القليلة والتي اشتهرت على نطاق واسع مثل "سجل اختفاء"، و"الزمن الباقي"، و"يد إلهية".
وتخرج السينما الفلسطينية عند ايليا عن المألوف لتجنح نحو الواقعية والتجديد والخيال وروح فكاهة تخفي مرارة وكآبة.

فلسطين
'مخرج فلسطيني لكن أفلامه طريفة'

وحملت أفلامه نقداً لاذعاً ولكن بطريقة مختلفة عن السائد يغلب عليها الطابع الساخر والهزلي وتصوير معظم تفاصيل الحياة في فلسطين بلغة سينمائية تحمل طاقة ايجابية، لتصبح السينما بالنسبة اليه مكاناً للبحث عن الذات وفضاءً يطلق فيه أسئلته الوجودية التي تدور حول زمانه ومكانه.
ويعتبر المخرج الذي تنقل بين مدينته الناصرة وبين منافيه المتعددة مثل لندن وفرنسا ونيويورك أن السينما هي المكان الوحيد الذي يشعره بالقدرة على خلق الأمل الذي يساعده على تغيير الوضع العام.
حسب إجماع النقاد، أحدث سليمان نقلة نوعية في السينما العربية من حيث طريقة اختلاف وتنوع السرد والأسلوب واللغة السينمائية في أفلامه، حيث بالإمكان قراءة تفاصيل القضية الفلسطينية والاطلاع على مسيرتها بلغة لا تجنح إلى الخطاب الثوري والحماسي الذي تعتمده السينما الفلسطينية في العادة.
لم يكن حضور سليمان السينمائي عابراً، وإنما أثار الجدل في العالم العربي، كونه يقدم القضية الفلسطينية بما في من جراح وآلام بقالب كوميدي من خلال بصمته الخاصة التي لم تغرق في مشاهد العنف والدماء والأحزان.
وما يميز أفلام سليمان أنها تدور في قوالب الكوميديا السوداء، التي تحمل في أعماقها الألم لكنها في الوقت ذاته تسعى إلى بث الأمل.
واستمد سليمان ثقافته السينمائية من قراءات متعددة ومكثفة لكتب الفلسفة والأدب والسينما والشعر، وتأثره خلال مسيرته الفنية بمخرجين عالميين.
ويضع إيليا سليمان في فيلمه "لا بد أن تكون الجنة" الهوية الفلسطينية في ظل الاحتلال الإسرائيلي تحت المجهر، وسط أجواء يغلب عليها الصمت والاستعارات الشعرية.
و"لا بد أن تكون الجنة"، قصة ملحمية مطعّمة بالفكاهة يسعى من خلالها إلى استكشاف الهوية والجنسية والمنفى.
وتتمحور قصة هذا الفيلم الرومانسي حول رجل فلسطيني من القدس الشرقية التي ضمتها إسرائيل العام 1967 وامرأة من مدينة رام الله بالضفة الغربية المحتلة، المدينتين اللتين حال بينهما حاجز عسكري إسرائيلي، ما يجبرهما على الالتقاء في موقف للسيارات قريب.
لا يحمل الفيلم رسالة أو قضية سياسية بالمعنى المباشر والمتعارف عليه.
وقال سليمان عند تسلمه التنويه الخاص في مهرجان كان من يد الممثلة الفرنسية كيارا ماستروياني، "أشكر منتجي الفيلم الذين عملوا بجدّ لإنجازه، وزوجتي التي رافقتني طوال هذا المشروع". 
وأفلام إيليا سليمان قائمة على الرواية التأملية، ومبنية على مشاهد صامتة مع حوار متفرق صمم بمهارة يرافقها خيال جامح.
وقال "لقد وصلت في وقت لم تكن قبله أفلام كثيرة تعاملت مع مسألة فلسطين، وقد وضعت "مسألة فلسطين مع فكاهة "بخط عريض".
وجاء الفيلم الجديد لسليمان بعد عشر سنوات من فيلمه الأخير "الزمن الباقي". والفيلم من بطولة، علي سليمان، وفرنسوا جيرار، وألان دهان، بالاشتراك مع المخرج نفسه وهو الذي كتب السيناريو أيضاً.
وسليمان هو الشخصية المركزية والراوي معا في فيلم "الزمن الباقي" كما في أفلامة السابقة، وهو يحكي قصة البطل الذي يخرج من بلده، فلسطين، سعيًا للرزق ويزور مدناً عديدة حول العالم، لكي يكتشف في نهاية المطاف أن فلسطين ترافقه دائما، ويرى انعكاس تفاصيلها في الكثير من المدن.
وتكفي في"الزمن الباقي" قضية الفرد، ضياعه، تسكّعه، ورغبته في حمل الذكرى المرتبطة بالوطن أينما حل، وهويته الممزّقة، ونظرة الآخرين اليه.
ولا يتفوه سليمان في "الزمن الباقي" الا بجملتين، قائلاً كلّ شيء بعينيه الحائرتين ولكن كلّ شيء كأنه ناطق باسمه. "أعرّفك على إيليا سليمان، مخرج فلسطيني لكن أفلامه طريفة".
وفي جعبة سليمان مجموعة أخرى من الأفلام القصيرة التي أخرجها في بداية مسيرته المهنية ومن بينها "الحلم العربي" الذي يشكك في الحياة في المنفى، و"مقدمة لنهاية جدال" الذي ينتقد طريقة تقديم العرب في أفلام هوليوود وفي وسائل الإعلام، و"تكريم بالقتل" ويستحضر إحدى ليالي نيويورك خلال حرب الخليج.