ازمة السيولة النقدية تعصف بحياة المواطن الليبي

قال محدثي: نقر ونعترف دونما اكراه من احد بان ازمة السيولة قد جعلتنا نتعرف على بعضنا البعض نفضي بخفايا الامور، نتبادل اطراف الحديث، لم نعد نكترث بما قد يصيبنا جراء حديثنا، المهم ألا يسمعه جند الحماية المصرفية، ولا يخلو الحديث من النكت وشيء من المزاح لأجل تمرير الوقت، فلا يمكن لك ان تقف صامتا لبضع ساعات كالصنم، البعض احضر كراسي لعدم مقدرتهم على الوقوف الطويل وآخرون يفترشون الورق المقوّى (كرتوني) الذي اصبح نادرا، ومنهم من يستخدم عكازا او اثنتين وبدت اثار السنين على محياهم.

في احد اصطفافاتنا المعتادة امام البنوك لأجل الحصول على السيولة والتي عادة ما تكون مبلغا زهيدا لا يلبي الطلبات الاساسية لمدة اسبوع، قلت لصاحبي الجديد، وأنت ماذا ستفعل بالمبلغ (500 دينار) فأجابني سأدفعه للإيجار، فقلت مازحا واعرف انه من ضواحي العاصمة هل انت نازح؟ فقال لا ولكن العمارة التي كنت اسكن بها سقطت على رؤوسنا، فانتقلت زوجتي وابنتي ذات العشرين ربيعا وابني ذو 14 سنة الى الرفيق الأعلى. الدولة اعطتنا ما يعادل ايجار سنة فقط.

لم يتمالك نفسه ادمعت عيناه، شعرت بأني ايقظت مواجعه، استدرت قليلا لأخفي حزني وأسفي الشديد على دولة يتلاعب منتسبو ميليشياتها بالأموال، وآخرون حملوها الى خارج الوطن للاستثمار والتنزه. لم اجرؤ على سؤاله متى تهدمت العمارة؟ ودّعنا بعضنا وتواعدنا على امل اللقاء مجددا في عزاء توزيع السيولة بعد اكثر من شهر.

شهر رمضان على الابواب فربما يحن علينا البنك المركزي ببعض النقود، مع علمنا المسبق بان غالبية ساستنا سيقضون الشهر الكريم في بلاد "الغربة" لأنهم لا يستطيعون تأدية الفرض في صيف شديد الحرارة. وقد اخبرتنا شركة الكهرباء مشكورة مسبقا، بان ساعات طرح الاحمال ستكون طويلة، لكن مدير الشركة وغيره من المسئولين لم يخبرونا بالمولدات التي جلبوها منذ امد قصير وخرجت من الخدمة باكرا (تقاعدت) بسبب الاحمال الزائدة او عيوب التصنيع، بينما مجلس نوابنا يسعى الى تمديد سن التقاعد الى السبعين، ليثبتوا لنا ان الانسان بإمكانه العطاء طالما بقي على قيد الحياة، وانه اقوى من كافة الالات والمعدات، يا حيف على الرجال.

المحلات التجارية التي تتعامل ببطاقات التسوق والصكوك المصدقة، تفرض رسوما تصل في بعض الاحيان الخمسون بالمائة، وكأني بهؤلاء متفقون مع البنوك على "تصفير" حساب المواطن، فما لم يستطع سحبه نقدا، يذهب بطريقة اخرى الى جيوبهم، أي انه يدفع عن يد وهو صاغر.

ازمة السيولة انهت عامها الثاني، أي حان فصالها ولم تعد حدثا عابرا بل ازمة بكل ما للكلمة من معنى. وأردف قائلا فقط نتمنى على ادارة البنك والقوى الامنية الكلفة بالحماية عند استلامها لإرساليات البنك المركزي وبعد ان تأخذ منها النسبة التي تريدها، وتحدد النسبة التي سيمنّون بها علينا مهما كانت ضئيلة. نتمنى عليهم ان يقوموا بتنظيم عملية توزيع السيولة وفق الية معينة بحيث يجنبونا مشاق الانتظار في الطوابير التي سئمناها. نشهد الله بأننا عندما نذهب الى البنك نشعر بأننا ذاهبون الى مكان نتلقّى فيه دروس التحقير والإذلال والمهانة (لم يحترموا صغيرا ولم يوقروا كبيرا، ذكرا كان ام انثى)، لم يشعرونا يوما بأننا بشر مثلهم، بل يشعروننا بأننا ادنى من مستوى الحيوانات التي لها جمعيات للرفق بها، حتى وان كان المبلغ الذي يحددونه لنا قليل فقط نتمنى ان نستلمه بعزّة نفس، وليعلموا ان الرب وليّ الجميع.