"الأثر" الذي تتركه الوجوه في زمن كورونا

لوحات إسلام زكي محاولة لخلق بصيص من أمل، بقعة من ضوء ولو صغيرة وسط عتمة المجهول المهدد للحياة.
اختزال الملامح في حوار فني، ولمس عميق يستحضر مكنون الشخصية
هل يمكن مواجهة الخوف الإنساني بالفن؟

"الفن يمسح عن الروح غبار الحياة اليومية" هكذا وصفه بابلو بيكاسو، فهل يمكن للفن في زمن كورونا أن يفعل ذلك؟ 
هل يمكن مواجهة الخوف والقلق الوجودي من الموت الرابض وراء مصافحة تصافحها لصديق أو نفس يدخل صدرك في مكان مزدحم؟ أو ملامسة باب مكتبك؟ أو حتى باب المصعد؟ أو المترو؟
هل يمكن مواجهة هذا الخوف الإنساني بالفن؟
هل للفنان التشكيلي مثلا أن يتمكن من تصوير كل هذه المخاوف الإنسانية التي تلاحق الإنسان منا، منذ أن يخرج من بيته وحتى يعود إليه، ليست المخاوف على النفس فقط، وإن وجب الخوف عليها، بل الخوف على الأهل، الأولاد والزوجة، وربما الأم والأب إن كان هناك تواصل يومي معهم.
إنه خوف من مجهول صغير لا يرى بالعين، ولا يعرف متى يهاجم ومتى تظهر آثاره!
إنه خوف من مجهول غامض، ومحاولة لخلق بصيص من أمل، خلق بقعة من ضوء ولو صغيرة وسط عتمة المجهول المهدد للحياة، إنه البحث عميقًا عن دواخل النفس الإنسانية لكشف أسرارها الأكثر عمقًا تجاه هذا المجهول المهدد للحياة. وكذلك الكشف عن معاني المحبة والاطمئنان والخوف على الأحبة. إنه كشف لما تعانيه البشرية من قتامة الحياة وغموض المصير.

هكذا يحاول الفنان التشكيلي إسلام زكي أن يعبر عن هذه الهواجس والمشاعر الإنسانية ويحولها إلى لوحات تشكيلية معبرة وكاشفة في معرضه "أثر" الذي استضافه مؤخرًا مركز الجزيرة للفنون التابع لقطاع الفنون التشكيلية داخل قاعة راغب عياد.
وقد وعى الفنان آثار هذه الجائحة غير المسبوقة على الذات والآخر؛ الآخر القريب (أهل وأحبة وأصدقاء) الذين يخشى عليهم من نقل العدوى، والآخر البعيد الذي يمكن أن يكون سببًا للعدوى دون أن يقصد.
إنه "أثر" فني على وجوه اختارها الفنان بعناية في محاولة لكشف عمق الذوات وقلقها الوجودي تجاه ما يمور به العالم من حولها.
إنها رؤية فنية مميزة أنجزها الفنان في فترات "العزل" حيث توقف الحياة الفنية والثقافية في العالم أجمع، لكي ينقل إحساسه، وهو معزول عن العالم، وينقل إحساس الآخرين الذين اختارهم ليكونوا أبطالًا للوحاته.
إنها محاولة تعويضية في شكل فني عن توقف اللقاءات، ليس فقط اللقاءات الثقافية والفنية، بل حتى اللقاءات الإنسانية مع العائلة والأصدقاء، بل حتى اللقاءات العابرة  بأناس مجهولين فى الطرقات. 
إنها حالة نادرة الحدوث، وربما لن تتكرر في حياتنا.
هنا أدرك الفنان إسلام زكي أن العالم الذي كنا نعرفه قد اختفى، فحاول تأمل كل ما حوله ومن حوله. حاول أن يتغلغل داخل مكنون بشريتهم في محاولة لاكتشاف الإطار الرقيق لمضمونها وبث التفاؤل والدفء فيهم وفينا بالتالي.

كورونا
العالم الذي كنا نعرفه اختفى

إنه بحث جمالي عن أثره في داخلهم وأثرهم فيه. البحث عن أثر الذكريات التي جمعته بهم، وشكلت حياتهم معًا. إنه البحث الدائم عن زوايا عقله وروحه وجسده في ارتباط وثيق بتلك الشخصيات وأثرها العجيب.
هناك ذكريات جمعته بهم، تركت في حياتهم أثرًا لا يمحى. "الأثر" الذي يعيش دومًا ونلتقي به كل يوم معهم. وهناك مواقف شكلت حياتهم معًا حتى صار إيقاعهم جزءًا من حياة الفنان. فأصبح يرى بعيونهم أحيانًا.
ويظل الأثر في الوجدان يحمل أعماقًا لأزمنة قريبة تمثلت في الفضاءات الداكنة والسوداء معبرة عن تيار المشاعر والأحاسيس وموجات الإنفعال، رغم اختزال الملامح في بعضها البعض في حوار فني، ولمس عميق يستحضر مكنون الشخصية.
وتلك المصادر الملهمة لا تزال تشحن تجارب إسلام زكي الفنية.