الأمية مستويات أخطرها في مجال المعرفة

الأمية الأبجدية مقدور عليها، لكن المشكلة في مدى شيوع الأمية السياسية والثقافية والاجتماعية وحتى الأمية الجنسية، في العالم العربي.
الفئات الأضعف اجتماعياً هي الأكثر إصابة بمرض الأمية
الأمية بكافة مستوياتها تعيق التنمية والتطور

مشكلة الأمية في العالم العربي تزداد سوءًا وتعقيدًا يومًا بعد يوم، وعلى الرغم من الجهود العربية الكبيرة التي تبذلها الحكومات والجمعيات والمنظمات المعنية بهذا الأمر منذ منتصف القرن الماضي ، إلا أنه لا يزال في الوطن العربي الكثير من الأميين، بل إن أعدادهم في زيادة مستمرة.
وفي هذا الإطار يقول د. رمضان إسماعيل أستاذ الدراسات السياسية بجامعة القاهرة: ليس هناك تقاعس من جانب الدول في العالم، ولكن يمكن أن نقول إن هناك عدم اهتمام كاف، وعدم تخصيص موارد مادية وبشرية بالحجم المناسب للقضاء على الأمية، وذلك يرجع إلى الكثير من المشكلات الأخرى التي تواجه العالم العربي ومشكلة الأمية ليست هي الوحيدة فيجب وضع حل بشكل حاسم ونهائي لهذا المرض لأن زيادة العدد في الوطن العربي من الأميين ليس هو المشكلة الأساسية، فهناك زيادة في عدد السكان أيضاً فالأهم هو معرفة نسبة الأميين لعدد السكان، ونلاحظ الجهود العربية المبذولة في محاربة وباء الأمية، سواء على المستوى العربي ككل أو على المستوى الداخلي للدول.
وأضاف: إن الفئات الأضعف اجتماعياً هي الأكثر إصابة بمرض الأمية، والفئات الاجتماعية الأضعف تشمل المرأة إلى جانب الفقراء وليس المرأة فقط؛ فأصحاب الفئات الاجتماعية الأضعف دائمًا ما يتهرب أبناؤهم من التعليم سعيًا وراء الحرف اليدوية لكسب المال ومساعدة الأسرة، أما بالنسبة للمرأة فإنه من المؤسف أن تكون ضمن الفئات الاجتماعية الأضعف، لأن لها دورا واضحا يؤكده الدين والعرف والمجتمع في بناء أمة صالحة، فهي عضو أساسي من أعضاء المجتمع وليس عضوا مكملا. ويؤكد على أن الدول ذات الكثافة السكانية هي الأكثر إصابة بمرض الأمية.

الأمية
الفقراء أكثر إصابة بالأمية

ويؤكد د. صفوت إبراهيم أستاذ الدراسات الاجتماعية بالمركز القومي للبحوث الاجتماعية أن مشكلة الأمية كبيرة وليست سهلة فهي تعد عارًا على جبين كل شخص عربي متعلم بأن يكون بجواره شخص أمي ولا يستطيع محو أميته، فنحن نتكلم عن أمية أبجدية والعالم في وقتنا الحاضر يتكلم عن أمية تكنولوجية ومعرفية فكيف نحقق التنمية في عالمنا العربي ونحن ما زلنا نعاني من وجود مرض الأمية ومن السهل معالجته؟
وأشار إلى أن عدم إتاحة الفرصة خاصة للفتيات للتعلم في كثير من القرى والنجوع والكفور هو من أحد الأسباب الحقيقية لارتفاع نسبة الأمية في مصر وفي العالم العربي فإن المسئولية الحقيقة للقضاء على الأمية تقع على أكتاف المتعلمين خاصة في القرى، لأن ارتفاع نسبة الأمية ينبع من داخل القرى وليس المدن فإن هناك مناطق لديها ظروف ومعتقدات ثقافية تقلل من فرص التعليم، وخاصة عند الفتيات بعد سن التاسعة وهو ما يفسر ارتفاع نسبة الأمية بين الإناث بالإضافة إلى تسرب الأطفال من التعليم إلى جانب عدم الاستيعاب الكامل لهن وأيضاً العامل الاقتصادي والذي غالباً ما تكون ضحيته الإناث الصغيرات في السن؛ فلابد من وجود عقيدة حقيقة وإيمان كامل بحل المشكلة.
وعلى الرغم من الجهود المبذولة من قبل المنظمة العربية للتربية والثقافة والعلوم وأيضاً الجهود المبذولة من قبل الهيئات الاقليمية والمحلية، إلا أن نسبة الأمية في تزايد مستمر لأن العبء لا يقع وحده على هذه الجهات، بل هناك أعباء أخرى منها عدم الرغبة من قبل الكبار في محو أميتهم، والاتجاه إلى الفصول التعليمية للتعلم، وهناك قصور ملحوظ في شباب الجامعات في التعليم ومكافحة الأمية لعدم الرغبة عند الكبار والقصور عند المتعلمين هما السبب الأول في استمرار التزايد في عدد الأميين، وقد أكد د. رضوان على أن القضية ليس من المحال حلها، فإذا تضافرت كل الجهود سواء المؤسسات الحكومية إلى جانب الأشخاص المتعلمين لا تكون هناك مشكلة في الأصل فالحل معروف وموجود ولكنه يسير ببطء!.

الدول ذات الكثافة السكانية هي الأكثر إصابة بمرض الأمية

وفي رأي د. عماد إبراهيم أستاذ علم الاجتماع بجامعة عين شمس، أن الأمية ليس مقصود بها الأمية الأبجدية فهي شيء مقدور عليه، والدول العربية تبذل جهوداً كبيرة واضحة للجميع للقضاء على مرض الأمية الأبجدية، ولكن المشكلة هنا هي مدى شيوع الأمية السياسية والثقافية والاجتماعية حتى الأمية الجنسية فنحن متهمون من قبل العالم الخارجي بالقصور الشديد في الأمية بشكلها الأعم، وهذا يرجع إلى المناهج التعليمية العربية فهي ليست ذات سياسية مرسومة بدقة، حيث نرى كل فترة تغيرًا مستمرًا في السياسات التعليمية فهي غير مستقرة والدليل على ذلك تقرير التنمية البشرية الصادر عن الأمم المتحدة الذي أشار إلى مدى الفجوة المعرفية التي تعاني منها المجتمعات العربية فهو يعد مؤشرًا خطيرًا على مدى التراجع الملحوظ في المستوى المعرفي والتكنولوجي للعالم العربي.
ويضيف: التقدم المعرفي هو أساس نهوض أي مجتمع من المجتمعات، والمجتمعات العربية في حاجة إلى رؤية هذا الجزء الخطير حتى تستطيع أن تواكب مسيرتها في التنمية والتطور، وأن تسير من خلال خطط مدروسة للقضاء على الأمية بشكلها الأهم والأوسع؛ فالأمية الأبجدية بدأنا نشهد تقدماً ملموساً في العمل على تخفيض نسبة معدلاتها نتيجة لتفعيل الإستراتيجية العربية المشتركة والالتزام بتطبيق كافة بنودها.
ويقول د. مصطفى عبدالعليم بمركز الدراسات الاجتماعية: أن هناك قناعة بأن الأمية تعد عائقًا يحول دون إحداث التنمية المتوازنة والفعالة وكيفية مسايرة العالم الخارجي الذي يسير بسرعة فائقة في التقدم التكنولوجي والمعرفي، ونجد أن العالم العربي يحاول جاهدًا القضاء على هذا الوباء من خلال مؤسساته الحكومية وغير الحكومية وأجهزة الإعلام المرئية والمقروءة بالإضافة أيضاً إلى التوعية بخطورة هذا المرض من خلال الندوات والمحاضرات التي يقوم بها المتخصصون في هذا المجال، والجهات ذات الصلة بالتربية تعميقاً للوعي بالقضية ودعمًا لوسائل العمل في مجال التنمية الشاملة فنذكر على سبيل المثال لا الحصر دولا عربية حققت نجاحاً ملحوظاً في القضاء على مرض الأمية أولها مصر التي اتخذت بعض الإجراءات القانونية حيث لا بد من استخراج شهادة محو الأمية في كثير من المجالات، باعتبار أنها وسيلة للمرور في الحياة وهناك أيضًا الاهتمام الإعلامي الكبير بقضية الأمية وتشجيع الشباب المتعلم على محو الأمية، وتكوين الفصول الليلية لمحو أمية الكبار. (وكالة الصحافة العربية)